آخر الأخبار

مثقفو سوريا: بلادنا "قارة" مبدعين مستقبلها مرهون بالغنى والتنوع

شارك الخبر

دمشق- خلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت الإدارة السورية الجديدة تحت منظار المجتمع الدولي والدول الكبرى، التي تراقب بعين وتترك فرصة استشعار الأمر الواقع بعين ثانية من خلال وفود دبلوماسية رفيعة تزور دمشق بكثافة عالية كما لم يحدث منذ 14 عاما، في حين تعود تلك الوفود لتطلق تصريحات متعاقبة تنضوي على كثير من المخاوف وتضيء بدون أدنى مواربة على المطارح التي لابد من العناية بها، حتى تتمكن بلادها من التعاون مع هذه الإدارة.

ومع كثرة التحديات التي تواجهها الإدارة الجديدة، من توحيد الصف وضبط الأمن وضمان السلم الأهلي، يبدو للبعض أن الشأن الثقافي لا يحتل الصدارة ضمن قائمة الأولويات. لكن وجهة النظر المحقة تلك لا تلغي إطلاقا ضرورة العناية بالشأن الثقافي، والشغل العميق على فكرة البناء انطلاقا من الثقافة، باعتبار أن صوت المثقفين والفنانين والمبدعين عموما ضامن للتعايش السلمي، ويحفز فكرة التشاركية في مجتمع متعدد ومتنوع بطريقة مربكة.

جالت الجزيرة نت على مجموعة من أهم المثقفين السوريين لتسجل انطباعهم الأولي ومن ثم رؤيتهم حول ما ينتظر سوريا، وكيف يستشعرون القادم من أيام البلاد بمنطوقها الجديد.

البداية كانت مع الشاعر السوري هاني نديم الذي يشبّه المرحلة "بمحطة لقارب بين ضفتين يعاني ما يعانيه" ويضيف: "بعد الخروج من غرفة العمليات وانتزاع ورم هائل الخباثة، سوف تختل برمجة الجسد قليلا إلى أن يستعيد إحساسه بنهايات أطرافه وجرحه الذي يبرد ويصبح من الماضي".

إعلان

يشرح نديم ويستطرد بالقول: "نحن في مرحلة حرجة من الاختلال والقلاقل والأخطاء، التي سوف يأخذها المذعور ويطير بها، كما سيأخذها ذوو المآرب والغايات والرافضون للوضع الجديد. لهذا علينا بالتؤدة والهدوء إلى أن نصل إلى دولة ومؤسسات وشكل حكم مؤطر".

أما عن شكل الحكم القادم، فيحسم صاحب ديوان "نحات الرياح" أمره بأنه: "لن يكون في سوريا ولن ينجح إلا بالمدنية والتعددية؛ طالما أننا أمام دولة فيها من الأعراق والإثنيات والمذاهب والأحزاب والأفكار ما يصعب تشكيله في لون واحد.. هذه التعددية هي ثراءٌ مجتمعي وثقافي هائل، وهو رأسمال البلاد على الدوام، لذلك لا بد من العدل والمساواة بين الجميع، وهذا من بديهيات الثورة وسبب قيامها. أنصح باستثمار العقول والكفاءات السورية الوطنية دون النظر إلى خلفياتهم الأيدلوجية، فما من دولة ناجحة في العالم إلا وتستثمر في تنوع ثقافاتها وثرائها، وأجزم أنه لو تم إيلاء الأمر للأكثر كفاءة فضمن كل قطاع في سوريا، فإننا سنصل إلى مصاف العالمية بظرف سنوات، لأن سوريا دولة عباقرة وقارة من المبدعين كما كان يقول الراحل أنسي الحاج".

مصدر الصورة خليل صويلح: هناك فرصة استثنائية لصناعة سوريا جديدة تحتضن الجميع من دون ثأر وضغائن وأمراض (مواقع التواصل)

من ناحيته، يجد الروائي خليل صويلح أن إشارات الاستفهام هي عنوان هذه المرحلة ويقول في تصريحه للجزيرة نت: "نعيش مناخا ضبابيا يصعب تعيين درجة الحرارة فيه، فبهجة تهاوي حقبة الطغيان تضعنا أمام أسئلة الغد: هل سنعانق سوريا المشتهاة أم نغرق في مستنقع الصراعات على الحكم؟ هذه بلاد انقلابات أكثر منها واحة للديمقراطية، فلكلٍ خريطته وتضاريسه وتطلعاته وأوهامه في مستقبل الدولة".

ويرى صويلح أن "المواطنة هي الملاذ للطمأنينة، وإلا فإن ما يمكن أن يكون جنة دنيوية سيتحول إلى جحيم عابر للأزمنة بذرائع لا نهائية. سنحزن كثيرا في حال جررنا البلاد كذبيحة أو غنيمة نحو أفكار مغلقة على غيبيات تاريخية. هناك فرصة استثنائية لصناعة سوريا جديدة تحتضن الجميع من دون ثأر وضغائن وأمراض. نحن نتأرجح بين لعنة الجغرافيا والأفق الحضاري لهذه البلاد التي تشبه الجنة".

إعلان

طي صفحة الأسد

من ناحيته، تحرر الصحفي والروائي يعرب العيسى لدى سقوط النظام من منع السفر المفروض عليه واستنشق مثل كثيرين هواء جديدا، أما عن قراءته للمستقبل فيرى أن: "أفضل فترات سوريا وازدهارها، كانت حينما أدركت تنوعها، في حين كانت الفترات السيئة حينما حاول أحدهم أن يفرض على البلاد إيقاعا واحدا. نحن الآن أمام مرحلة تحول كبرى ونُعتبر في حقبة الفراغ، وبعد إزالة الصخرة التي كانت تحجب الأفق لا يعني أننا أمام مستقبل وردي. سوريا المأمولة بحاجة إلى مساهمة من الجميع، والمهمة الأكبر تقع على السوريين، لا على الإدارة الحالية فقط، ويجب أن يتم العمل على جميع القطاعات. الطريق ليس سهلا، سنمر بعقبات وسنختلف، وستحاول دول إعاقتنا، لكن يجب أن نجابه كل ذلك".

أما عن رؤيته الشخصية للمستقبل، فيقول أنه يوجد معنيان للرؤية الشخصية: المأمول والمتوقع: "إذ أتمنى عل المستوى الأول لبلادي أن تطوي صفحة عائلة الأسد للأبد، وننظر إلى المستقبل فقط، ونصل إلى دولة المواطنة والديمقراطية، ويعيش الجميع بشكل متساوٍ". وعن المتوقع، يشرح كاتب رواية "المئذنة البيضاء" بالقول: "أمامنا كثير من الصعاب والوقت والجهد لنصل إلى الحلم الذي نريد، لأن بين أيدينا بلدا مدمرا اقتصاديا وعسكريا، ومجتمعه متشظ ويخاف من بعضه، وجزء منه مهجر لا يعرف متى سيعود، وإذا عاد كيف سيعيش".

كل ذلك يجعل العيسى يخلص إلى نتيجة شخصية مفادها ثقته بالسوريين ووعيهم وإحساس المسؤولية العالي الذي ظهر عندهم فجأة بمجرد سقوط النظام: "ربما لو كان شعب آخر لقلت إننا سنحتاج إلى عشرات السنين كي نجتاز هذه المرحلة، لكن حالة الوعي التي ألمسها عند السوريين مطمئنة، لأن الوقت سيكون أقصر ولسنوات معدودة".

على ضفة موازية، لا يوفر هذا الصحفي الإشكالي نصائحه بغاية التركيز وتكريس الإيجابيات، ويفصح بأنه "خلال السنوات الماضية، أنجز عديد من السوريين دراسات ورؤى وأبحاثا، بناء على خبرات بلدان سابقة واستشارات خبراء، وأنجزوا عبر مؤسسات دولية ومراكز أبحاث وبالتعاون مع منظمات وخبراء سوريين في اختصاصات مختلفة أفكارا وروئ كثيرة. كلها كانت تفكر بسوريا ما بعد الأسد. ربما تكون العودة إلى هذه الأفكار، لأنها خرجت من عقول سورية تفكر بمصلحة بلدها، يمكن البناء عليها لأنها ستختصر علينا الكثير من الوقت بدءا من موضوع الدستور وانتهاء بموضوع التعافي الاقتصادي أو إعادة الإعمار".

إعلان

بدوره، يتفق النحات الشهير مصطفى علي مع مواطنيه حول فكرة أن إدارة البلاد لا يمكن أن تعتمد إلا على غنى سوريا وتنوعها المثير، ويضيف في حديثه معنا أن "سوريا ستقوى حتما بوعي أفرادها ومشاركتهم الفعالة من خلال الحوار البناء، واحترام الآراء المختلفة، وتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع".

ومن هذه الفكرة تحديدا يضيء على: "أهمية الفرد في بناء المجتمع ودوره في إحداث التغيير نحو مستقبل أفضل، حيث يسهم في ترسيخ مبادئ العدالة والحرية الشخصية، مما يشكل الأساس لبناء مجتمع متماسك. ولا بد أن تتجلى أهمية الفرد أيضا من خلال رؤيته الإبداعية على المستويات الفكرية والفنية والثقافية، إذ نرتقي بفضل ما يقدمه المفكرون من حلول مبتكرة وما يجترحه المبدعون من حلول سيكون لها دور محوري في تحقيق التغيير والانطلاق نحو الطموحات، وذلك من خلال إتاحة المجال للمبادرات الفردية التي تسعى إلى بناء مجتمع متقدم ومتطلع نحو المستقبل".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا