"تحمّل محمد أبو بكر، البالغ من العمر 24 عامًا من ولاية غوجارات في باكستان، تسعة أشهر من العذاب في ليبيا قبل أن تنقذه سفينة تابعة لمنظمة غير حكومية مع 133 شخصًا آخرين في وسط البحر الأبيض المتوسط. عن ذلك يقول محمد لمهاجر نيوز: "كنت أحاول عبور البحر الأبيض المتوسط كل يوم."
تعرف محمد على سلمان وزين (تم تغيير الأسماء بناءً على طلبهم)، وهما شابان في أوائل العشرينات من عمرهما من ولاية غوجارات، أثناء وجودهم في ليبيا. أجرى موقع مهاجر نيوز مقابلة مع الشبان الثلاثة في فبراير/ شباط الماضي على متن سفينة جيو بارنتس التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود وتخصصت في عمليات البحث والإنقاذ.
وأضاف محمد إنه فر من باكستان بسبب مخاوف من الإرهاب والعنف والتعذيب، إلى جانب شحة الفرص الاقتصادية. وأضاف: "لهذا السبب قررت الانتقال إلى ليبيا واختيار هذا الطريق للوصول إلى أوروبا، إذ لا يمكننا الحصول على تأشيرة بطريقة قانونية."
"سافر الرجال الثلاثة جواً من كراتشي إلى دبي، ثم إلى مصر، قبل أن يصلوا إلى بنغازي في ليبيا، بمساعدة المهربين الذين نظموا لهم الأوراق ورحلات الطيران، وأخذوا جوازات سفرهم منهم".
سرد محمد الصعوبات العديدة التي واجهها في ليبيا، بما في ذلك الضرب المتكرر وظروف الاحتجاز اللاإنسانية."
وقال: " نحن بشر، لكنهم لا يترددون في ضربنا وإلحاق الأذى بنا مقابل المال"، فهم "المافيا". وأضاف: "أعطني المال، كما يقولون، وإلا سأقتلك. سأصور مقطع فيديو وأرسله إلى باكستان... ربما يقطعونك بسكين، وستتعرض للتعذيب".
أشار الشبان الثلاثة من ولاية غوجارات عن "المافيا" في ليبيا، مشيرين إلى الجهات الفاسدة التي تشمل مهربي البشر، والمتاجرين بهم، والعصابات الإجرامية، وأفرادًا فاسدين من خفر السواحل الليبي، إلى جانب بعض العسكريين ورجال الشرطة، وموظفي مراكز احتجاز المهاجرين، والحراس، والميليشيات.
"المافيا تقتل الأشخاص .. وحتى الشرطة الليبية والميليشيات والحكومة تأخذ المال منك. الفساد منتشر في ليبيا بشكل كبير.. هناك باكستانيون يعملون في ليبيا من أجل المال .. وحتى السفارة الباكستانية وموظفو الأمم المتحدة الليبيون متورطون"، يضيف المهاجر الباكستاني محمد بالقول، بينما كان سلمان وزين يهزان رأسيهما بالموافقة.
مثل العديد من الباكستانيين الآخرين، أوضح الرجال الثلاثة أنهم وصلوا إلى ليبيا بفضل قروض بنكية، بالإضافة إلى المساعدات المالية التي اقترضوها من أقاربهم في باكستان. وأضافوا: "نحن فقراء جدًا .. إذا قامت المافيا أو الشرطة الليبية باعتقالنا، فهل سيكون لدينا ما يكفي من المال لدفعه لهم؟ وهل سننجو؟".
وقال محمد: "في إحدى المرات، رتب المهربون لي رحلة بحرية من مدينة طبرق، شمال شرق ليبيا، بالقرب من الحدود مع مصر. لكن الرجل الباكستاني الذي جلبني إلى ليبيا لم يعطِ المال لليبيين، بل احتفظ به لنفسه. لذلك، منعنا الليبيون من المغادرة. ضربونا واتصلوا بأهلنا وهددوهم لمدة 30 يومًا، مطالبين بفدية مالية".
ويضيف بالقول إنه تم احتجازه في حمام مساحته حوالي 10 أقدام في 10 أقدام لمدة أربعة أيام. "كان الجو باردًا جدًا، ولم يقدم لنا المهربون سوى القليل من الأرز. بالكاد تمكنا من البقاء على قيد الحياة".
بينما كانوا ينتظرون فرصة جديدة لعبور البحر، نُقل محمد إلى مرآب يضم 385 مهاجراً آخرين. وأوضح أن المهرب الليبي الذي كان يدبر لهم الرحلة كان لديه اتصالات مع بعض أفراد الجيش والشرطة. "كانوا يتصلون بهم لإعطائهم إشارة إذا كان كل شيء على ما يرام في البحر، ومن ثم يمكننا العبور". ووصف المهاجر الباكستاني الغرفة التي أُجبروا على البقاء فيها بأنها "مزدحمة وقذرة".
وأضاف محمد: "شربنا الماء من الحمام، ولم نحصل سوى على حفنة من الأرز خلال 48 ساعة". لكن السلطات اكتشفت وجود المهاجرين غير النظاميين في الموقع. "اعتقلونا، ووضعتُ في السجن". ورغم أنه لم يحدد الجهة المختصة، أشار محمد إلى أن مجموعات عسكرية مختلفة كانت تسلمه لمجموعات أخرى في مدن مختلفة، بما في ذلك طبرق وبنغازي، كما ذكر الشرطة الليبية.
أثناء الاحتجاز في ليبيا، قال الرجال الثلاثة إنهم تعرضوا تكراراً للضرب المبرح، مما ترك ندوباً على أجسادهم. فقال محمد: "إذا تحدثنا بصوت عالٍ قليلاً، فسنتعرض للضرب".
أما زين فقال إنه قضى 100 يوم رهن الاحتجاز في ليبيا، بينما ذكر سلمان أنه قضى شهرين في السجن، بما في ذلك فترة في مركز احتجاز عين زارة جنوب طرابلس. وأوضح سلمان قائلاً: "عندما تدخل السجن، يطلبون منك 3000 دولار أمريكي للإفراج عنك".
أما محمد، فقد قضى يومين في مركز احتجاز قنفودة بنغازي الذي تديره مديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية الحكومية. وأشار محمد: "في السجن، يعطونك القليل من الطعام، والمياه القذرة، وبعد بضعة أيام تصاب بالمرض ولا يوجد دواء. وإذا لم يتم إطلاق سراحك، فربما ستموت بعد شهر أو شهرين".
وأضاف: "في سجون بنغازي، يتعين عليك دفع نحو ألف إلى 1500 دولار للخروج، بينما في طرابلس يكون المبلغ أكبر من ذلك. وما زال أصدقاؤنا في السجن بطرابلس في حالة سيئة للغاية، ونريد من الأمم المتحدة أو أي منظمة أخرى أن تتحرك وتطلق سراحهم".
وعندما سُئل محمد عن كيفية تمكنهم من سداد المبالغ بعد أن استولى المحتجزون على أموالهم، أوضح أنه لجأ إلى والديه في باكستان، مضيفاً: "إذا كان لدى أي شخص هاتف، فإنه يخفيه عن الشرطة الليبية في السجن، ونقوم بإبلاغ آبائنا بأننا محتجزون، فنطلب منهم إرسال المال".
ويدفع آباؤنا لشخص الذي يعمل في مجال التهريب في باكستان أو لعائلاتهم، ويقوم هذا الشخص بترتيب الأموال للمهرب في ليبيا. وبعد ذلك، يتم الإفراج عنك من السجن. إنها عملية طويلة".
ويواصل محمد رواية قصته بالقول: "عندما ألقت الشرطة القبض علينا، أخذت وثائقنا كجواز سفري، وكانت تبيعها للمافيا مقابل 1000 دينار ليبي (190 يورو). بهذه الطريقة، كان بإمكانهم كسب المال". وأضاف: "الشخص الليبي الذي ندفع له لمساعدتنا في عبور البحر، يرسل المال للشرطة ليقوموا بترتيب خروجنا ودفع أموال للمافيا".
وأشار محمد إلى أن هناك طريقة أخرى للشرطة لكسب المال. حيث يتعاون المهربون، الذين ينظمون رحلتنا عبر البحر الأبيض المتوسط، مع البحرية الليبية [خفر السواحل]. يدفع المهربون لهم مقابل ألا يعترضوا طريقنا. حتى أن بعض القوات تأتي إلى المياه الدولية مع البحرية الليبية"، لكنه لم يوضح المزيد.
ثم ذكر قصة رجل باكستاني تمكن من عبور البحر إلى إيطاليا بمساعدة مهربين من بلدة زوارة في شمال غرب البلاد، القريبة من الحدود مع تونس. بعد أن انجرف القارب في البحر لمدة ساعتين، رصدته القوات الساحلية الليبية وبدأت بإطلاق النار على مجموعة المهاجرين، ثم أوقفت القارب، بحسب محمد. وقال: "أعطاهم المهرب، وهو شخص ليبي، بعض المال".
ووفقًا لمحمد، فإن الرشوة بين المهربين والمهاجرين وخفر السواحل الليبي يمكن أن تحدث مباشرة في البحر. إذ يمكن لأحد أفراد خفر السواحل أن يتصل بأحد المهربين على الأرض، ويطالبه بالدفع مقابل عدم اعتراض قارب المهاجرين.
وأضاف محمد: "قد يكون أحد الضباط مرتبطًا بالمهربين، وعندما يكون في الخدمة، يتصل به فقط. كل شيء مخطط له. ولكن إذا كان هناك ضابط آخر، فربما يلقون القبض عليك".
وأكد سلمان وزين ومحمد أن الفساد ينتشر في مستويات متعددة من السلطة والنفوذ في ليبيا، بدءًا من حراس مراكز الاحتجاز وصولًا إلى المسؤولين الحكوميين. ويشيرون إلى أن الفساد يمتد ليشمل الموظفين المحليين التابعين للأمم المتحدة والسفارة الباكستانية في طرابلس.
قال محمد: "إن الليبيين الذين يعملون في الأمم المتحدة فاسدون، وكذلك الموظفون في السفارة الباكستانية." وأشار إلى أن ذلك يتعلق بتورط الموظفين الليبيين المعينين محليًا في سوء السلوك المالي عند التعامل مع قضايا الهجرة غير النظامية.
لم يتمكن زين وسلمان وم ....