آخر الأخبار

غزة كشفت الواقع فأعاد مسلمو الغرب اكتشاف أنفسهم

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

ألهب خطيب المظاهرة حماسة جماهير دبلن، عندما ردّد من المنصّة هتافات معروفة اكتفى بشطرها الأوّل، فأجابه الحشد الكثيف بشطرها الثاني تلقائيًّا. هتف فيهم: "من النهر إلى البحر.." فأجابوه: ".. فلسطين ستكون حرّة!"، رفع صوته بعدها: "بالآلاف، بالملايين.."، فأكملوا الهتاف: "..نحن جميعًا فلسطينيون!".

دوّت هذه المحفوظات الجماهيرية المعولمة في قلب العاصمة الأيرلندية خلال مظاهرة كبرى أقيمت السبت 5 أكتوبر/تشرين الأول 2024، في ختام عام كامل من التحركات الجماهيرية الدؤوبة لأجل فلسطين. لم تكن دبلن وحدها في هذا المشهد الفلسطيني الأخّاذ، فقد تدفّقت بصفة متزامنة معه سيول بشرية في مئات العواصم والمدن الأوروبية والغربية ضد الإبادة الوحشية التي دخلت سنتها الثانية، وردّدت هتافات مماثلة تقريبًا بلغات عدّة ألهمت الجماهير في العالم حوْلًا كاملًا.

مصدر الصورة
رغم بعد أيرلندا واسكتلندا عن ساحة الأحداث إلا انهما شهدتها مظاهرات حاشدة منددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة (غيتي إيميجز)

من يدعم غزة الآن في الغرب؟

يتميّز مشهد التظاهر المستجدّ لأجل فلسطين في البلدان الأوروبية والغربية بالضخامة في حجمه والتنوّع في مكوّناته الإثنية وخلفيّاته الثقافية واختياراته الفكرية. يظهر في تفاصيل المشهد عرب ومسلمون وأتباع كنائس متعددة ضمن مكوِّنات من ألوان وطوائف واتجاهات عقائدية وفكرية واجتماعية شتّى، بمن فيهم ناشطون يهود سجّلوا حضورًا غير مسبوق في شكله وحجمه وخطابه وجرأته.

أدركت هذه الجماهير في لحظة معيّنة، بعد أطوار من اختمار الوعي عبر المراحل، أنّ عليها مسؤولية التحرّك الفوري ورفع الصوت عاليًا لأجل حرية فلسطين، وعبّرت بأساليب شتّى عن إرادة الالتحام المعنوي بنضال شعبها دون أن تفارق المكان، وخاضت تحرّكات دؤوبة متنوِّعة الأشكال على هذا السبيل طوال عام كامل.

لم تتحرّك هذه الجماهير من فراغ، فالوحشية التي صُبّت فوق رؤوس الشعب الفلسطيني على مدار الساعة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تميّزت بأنها إبادة جماعية مشهودة، والصادم بالنسبة لبعض هؤلاء المتظاهرين أنّها حظيت بالدعم العلني والتبرير المستمرّ والتواطؤ الصريح من أبرز منصّات السياسة والإعلام في العالم الغربي.

صنع "طوفان الأقصى" الحدث العالمي وأعادت تفاعلاتُه قضية فلسطين إلى مربّعها الأوّل متمثِّلًا بشعب يواجه الاحتلال والاضطهاد والاقتلاع والتطهير العرقي. فبعد ثلث قرن من المراوغة المديدة التي انطلقت مع "عملية سلام الشرق الأوسط" في مدريد (1991)، ثم اتفاقات أوسلو (1993) التي تورّطت بتكريس الاحتلال وتفاقم الاستيطان وخنق وعود "الدولة الفلسطينية المستقلّة القابلة للحياة"، شوهد الفلسطيني الجسور ذات صباح وهو يقتحم أسوار سجن حصين ويتحدّى العبودية المركّبة التي أراد الاحتلال، المدعوم غربيًّا، فرضها عليه بصفة مؤبّدة.

ولوحِظ المجتمع الفلسطيني، بنسائه ورجاله وشيوخه وأطفاله، وهو يصنع ملحمة مذهلة من الصمود والتحدّي رغم وحشية الإبادة والتدمير والتجويع التي أُنزِلت به. صار صوت فلسطين مسموعًا من ميدان الحدث مباشرة، من خلال طفلة عالقة في سيارة سيجري قصفها، أو شيخ يودّع حفيدته الحبيبة بكلمات مؤثِّرة عن "روح الروح"، أو شاعر يرثي ذاته بقصيدة ملهمة نسجها بالإنجليزية البديعة فوجدت سبيلها إلى ألسُن الأرض، أو ناشط شبكي بثّ مقطعًا مرئيًّا ثمّ سحقته قذيفة أميركية الصنع.

ورغم المحاولات المضنية، لم يستطع الاحتلال وأعوانه أن يحجبوا حرب الإبادة على قطاع غزة عن الأنظار، فمشاهدها المروّعة وتفاصيلها الوحشية تدفّقت إلى العالم بألوان الدم والنار والرماد عبر تغطيات مباشرة ومقاطع مرئية لا تنقطع، حتى عُدّ هذا الفصل المديد من الأهوال أوّل إبادة جماعية تجري وقائعها عبر البثّ الحيّ.

ثمّ إنّ جرائم الحرب المشهودة تميّزت بغطاء علنيّ من القوى الغربية، التي وفّرت لها الإسناد العسكري والدعم السياسي والسخاء التمويلي والغطاء الدعائي، وقد اجتذب هذا الانحياز الفجّ الأنظار مبكّرًا إلى غزة من خلال محاولة أسطرة السابع من أكتوبر على منوال الحادي عشر من سبتمبر.

 

فلسطين في بؤرة العالم

لم تكن تطوّرات فلسطين التي اندلعت بدءًا من السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حدثًا خاصًّا بالشرق الأوسط بالنسبة للدول الأوروبية والغربية التي انزلقت في معظمها إلى خندق الاحتلال وجادت عليه بالدعم والمساندة.

اتُّخِذت لحظة "طوفان الأقصى" توطئةً لانعطافة حادّة في خطابات ومواقف أوروبية بارزة نحو تبنِّي دعم الاحتلال والتبرير المسبق لحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب، مصحوبة بإجراءات عقابية ضدّ الجانب الفلسطيني؛ منها وقف التمويل الرسمي من دول أوروبية عن السلطة الفلسطينية لبعض الوقت ثم معاقبة وكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة بقطع التمويل عنها مؤقتًا.

بلغ الأمر في بعض البيئات الغربية، خلال الأسابيع والأشهر الأولى، حدّ التماهي مع حالة احتلال فلسطين وتمجيد جيش الاحتلال علنًا في منصّات سياسية وإعلامية وامتداح مقاتليه وحشد التأييد السياسي والإعلامي والمالي للحرب، مع تغييب الواقع وجوهر القضية وخطورة الأحداث.

ممّا فاقم هذه النزعة في بعض الدول الأوروبية اعتبار أنّ الانحياز للاحتلال والإبادة هو من استحقاقات التكفير عن ماضي الإبادة النازي المقيت، أو بتعبير الرسمية الألمانية الحرفي المنحوت في عهد المستشارة أنجيلا ميركل؛ فإنّ "أمن إسرائيل مصلحة وطنية للجمهورية الاتحادية".

واكبت هذا المنحى قيود غير مسبوقة على حرية التعبير فيما يخصّ نقد الاحتلال وحرب الإبادة في بلدان أوروبية وغربية معيّنة، شملت في بعضها حظر التظاهر ومنع شعارات أو هتافات معيّنة تطالب بحرية فلسطين، علاوة على تقييد رموز وشارات ثقافية ذات صلة بهذه القضية، واتِّخاذ تدابير إجرائية وقانونية في سبيل ذلك. لكنّ الحالة الجماهيرية الداعمة لفلسطين تمدّدت في الواقع واتّسع نطاقها أسبوعًا بعد أسبوع وطوّرت رموزها الملهمة، ولم تصمد محاولات الحظر والتقييد طويلًا في بعض البيئات.

وإنْ هيمنت تقاليد الانحياز على الصناعة الإعلامية فإنّ مواقع التواصل فاضت بالمحتوى الداعم للشعب الفلسطيني والمندّد بإبادة غزة، رغم أنّ الاتجاه السائد في المنصّات السياسية والإعلامية في العديد من الدول الغربية ظلّ منحازًا بدرجة أو بأخرى إلى الاحتلال وحربه.

وفلسطين إجابة للباحثين عن الهوية والمعنى لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا