في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي
يرى المفكر السوري عبد الكريم بكار أن "أمتنا إذا أرادت أن تسترجع كرامتها المهدورة، وتحافظ على حقوقها ومصالحها، فإن عليها أن تبذل جهودا كبيرة على صعيد التحرر الوطني من استعباد القوى النافذة التي نهبت البلاد وأذلت العباد".
ويعتبر المؤلف والأكاديمي البارز -الذي أثرى المكتبة العلمية والفكرية والتربوية العربية والإسلامية بأكثر من 40 مؤلفا- أن الطريق إلى ذلك شاق وطويل، ولكن ليس أمامنا الكثير من الخيارات.
ويقول إن "طوفان الأقصى" والحرب على غزة ألقيا في روع الجيل الجديد أن تحرير الأرض الفلسطينية ممكن، وأن هزيمة إسرائيل وتفكيكها ليس من المستحيلات، بل هو من الممكن القريب.
ودعا بكار -في حواره مع الجزيرة نت- لإحياء ثقافة الوقف والتطوع لدى المسلمين، وبناء مؤسسات حقوق الإنسان ورفع مستوى الوعي الحضاري والتعليم، والتدريب على مهن جديدة لكسب الرزق كما يدعو لحشد كل الجهود والطاقات لمساعدة المقاومة الفلسطينية على الصمود وتقديم المعونات التي تخفف من آثار الحرب على سكان غزة، وإلى الحوار:
طوفان الأقصى حدث غير مسبوق في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو كفيل بتأسيس تموضع جديد للقضية الفلسطينية وتأسيس علاقة جديدة مع المحتل، علاقة تقوم على ثقة أقوى بالنفس، وتمسكٍ أشد بالحق الفلسطيني، وشجاعة أكبر في المواجهة، وأستطيع تلخيص الآثار الفكرية التي تركها طوفان الأقصى لدى الجيل الجديد في التالي:
– ظهر للجيل الجديد عقم إدارة الأنظمة العربية للصراع مع إسرائيل، إذ إن كل جهود جامعة الدول العربية باءت بالفشل الذريع تجاه إيقاف الكيان المغتصب عن التغول على الأراضي والحقوق الفلسطينية، لدينا جيوش تملك كل أصناف العتاد، وتزيد أعدادها على المليونين، هذه الجيوش خاضت حروبا عدة ضد المحتل، ولم تفلح في أي منها في استرجاع شبر واحد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل إن 3 دول عربية خسرت أجزاء من أراضيها في حروب خاطفة وسريعة يحقق فيها العدو ما يريد.
بالمقابل، مضى على طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة نحو 10 شهور والمقاومة صامدة في مواقفها، بل إنها تكبد العدو خسائر يومية مع عدم وجود أي مقارنة بين ما تملكه من عتاد ورجال وبين ما يملكه العدو، وما تملكه الدول العربية أيضا.
– إن الجيل العربي الجديد يرى بوضوح أن مواجهة العرب للكيان المحتل كانت هزلية وبائسة، وكانت تفتقر إلى الإخلاص مثل افتقارها إلى الرؤية السديدة للذات والآخر.
– طوفان الأقصى والحرب على غزة ألقيا في روع الجيل الجديد أن تحرير الأرض الفلسطينية ممكن، وأن هزيمة إسرائيل وتفكيكها ليس من المستحيلات، بل هو من الممكن القريب.
– قد استطاع طوفان الأقصى أن يجعل كثيرا من شبابنا وفتياتنا يوقنون بأن رهانات التحرير تنعقد على الإنسان وليس على الآلة، وأن العقيدة والمعنويات العالية وحب الشهادة والاستشهاد قد قلبت معادلات المواجهة، ولم تعد غزة تلك البقعة المعزولة من الأرض، المزدحمة بالناس، والخالية من المرفهات، بل أصبحت مركز الشهامة والإبداع والبطولة والجرأة والثبات، وحب التضحية على مستوى العالم بأسره.
أما التأثير الذي تركه طوفان الأقصى والحرب على غزة في العقلية والنفسية لدى المحتلين والمغتصبين، فإنه كبير وعميق للغاية، حيث إن طوفان الأقصى كان حدثا كبيرا ومفاجئا للقيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية، وهو يعني فشلا ذريعا لأجهزة أمنية طالما تركت انطباعا قويا لدى الجميع بأنها تملك مخالب وأنيابا في الداخل، وأذرعا طويلة في الخارج.
والحقيقة أن الفشل لم يكن استخباراتيا فحسب، بل كان فشلا عسكريا أيضا، إذ أخفق جيش المحتل وأجهزته الأمنية في حماية الإسرائيليين في مغتصباتهم من حركة صغيرة في منطقة صغيرة ومحاصرة، وقد زاد من صدمة المحتلين على كل المستويات أن إعلامهم ظل على مدى عقود يخاطب يهود العالم بأن إسرائيل البلد الأكثر أمانا في العالم، ثم فجأة يكتشف الجميع أنه المكان الأشد خطورة.
وقد أشارت العديد من الدراسات إلى صدمة نفسية غير مسبوقة عانى منها عدد غير مسبوق من الإسرائيليين حيث الشعور بالخطر وفقد الأمن والشعور بالقلق والاكتئاب والخوف من المستقبل، وحيث اكتشف كثيرون منهم قدرا كبيرا من الهشاشة في نفوسهم وفي دولتهم أيضا، وإن تهجير المستوطنين من غلاف غزة وشمالي فلسطين واستمرارهم كل هذه المدة قد أدخل عوامل إضافية على الشعور بعدم الأمن، والاستقرار لدى عموم المحتلين حيث أحسوا بأنهم شربوا من الكأس ذاتها التي سقوها للفلسطينيين عبر 7 عقود.
ثم إن أشد ما خلّفه طوفان الأقصى لدى المجتمع الإسرائيلي هو الشك في استمرار المشروع الصهيوني، وفقد الثقة بمقومات وجوده، وفي هذا الإطار يتم الحديث عن نبوءات زوال إسرائيل ولا سيما نبوءة العقد الثامن حيث يتم التداول حول ما يذكره التاريخ من عدم استمرار أي دولة لهم أكثر من 80 سنة. إنها نبوءات تحقق ذاتها مع اليأس من استمرار دولتهم المزعومة.
لا أريد هنا أن أتحدث عن مئات الألوف الذين غادروا فلسطين عند بداية طوفان الأقصى، ولم يعودوا إليها، كما أنني لا أريد التحدث عن الخسائر الفادحة التي عانى منها الاقتصاد الإسرائيلي بسبب نفقات الحرب وبسبب تباطؤ عجلة الإنتاج، ولكني أؤكد أن اختلالا جسيما قد طرأ على المناعة القومية لدى الكيان المحتل، وهذا سيفضي إلى حدوث شرخ كبير بين المؤسسة العسكرية والمجتمع المدني، وهو بدوره سيقلل من رغبة يهود العالم في القدوم إلى فلسطين أو الاستقرار فيها.
أشد ما خلّفه طوفان الأقصى لدى المجتمع الإسرائيلي هو الشك في استمرار المشروع الصهيوني، وفقد الثقة بمقومات وجوده، وفي هذا الإطار يتم الحديث عن نبوءات زوال إسرائيل ولا سيما نبوءة العقد الثامن حيث يتم التداول حول ما يذكره التاريخ من عدم استمرار أي دولة لهم أكثر من 80 سنة. إنها نبوءات تحقق ذاتها مع اليأس من استمرار دولتهم المزعومة
الآثار على الحركة الصهيونية وصنيعتها دولة الاحتلال إستراتيجية خطيرة بما تعنيه الكلمة، حيث يرى العالم في لحظة وقوع الحدثِ الفظائعَ التي يرتكبها جيش الاحتلال من إبادة جماعية وسياسات العقاب الجماعي، ومنع الغذاء والماء والدواء عن ملايين الناس في قطاع غزة، ويرى كذلك التهجير الجماعي القسري، وما استخدمه جيش الاحتلال من أسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليا.
إن كل هذا -وغيره كثير- يرسم صورة جديدة لإسرائيل في أذهان المواطنين الأميركيين والأوروبيين عامة، والشباب خاصة، وقد اكتشف الجميع أن إسرائيل ليست واحة لسيادة القانون والحكم الديمقراطي، وليست نموذجا للدولة المنيعة والمستقرة، ولأول مرة في تاريخ هذا الكيان المحتل يكتشف العالم أن هذا الكيان قام على طرد شعب من أرضه وتحويل غزة إلى سجن كبير، واكتشف كثير من شباب أميركا خاصة أن القرار الأميركي يصبّ في مصلحة الصهيونية وفي مصلحة إسرائيل أولاً ولو كان على حساب الشعب الأميركي، بل إن من الأميركيين من يقول إن الكونغرس هو أرض أميركية تحتلها الصهيونية.
أعتقد أن الدعم الأميركي اللامحدود واللامشروط لكيان الاحتلال قد استنفد أجمل أيامه بما فقده من أساس أخلاقي في نظر كثير من الأميركيين
إنني أعتقد أن الدعم الأميركي اللامحدود واللامشروط لكيان الاحتلال قد استنفد أجمل أيامه بما فقده من أساس أخلاقي في نظر كثير من الأميركيين، وأعتقد أن سلطات الاحتلال ستجد نفسها في حالة انكشاف أخلاقي وسياسي وثقافي في المرحلة المقبلة، ليس في أميركا وحدها وإنما في دول كثيرة، وإن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا على إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية وانضمام عدد من الدول إليها مؤشر واضح على ما نقول.
إن الآثار العاجلة لطوفان الأقصى على إخواننا في قطاع غزة كارثية في المدى القريب، لكن الفلسطينيين هناك يشعرون أن ما يقدمونه من تضحيات جسام هو ثمن للخلاص من عذاب دائم، وهو ثمن للتحرر من ربقة المستعمر والمحتل، وهو قبل هذا وذاك جهاد في سبيل الله تعالى، وتقرب إليه. إن طوفان الأقصى في نظري قد أرّخ لبداية العد التنازلي لاضمحلال دولة الاحتلال وتفككها، قد يطول العد عقدا أو عقدين ولكنه فعلا قد بدأ.
لا بد للمرء أن يشعر بالأسف حين ينظر في تفاعل معظم الحكومات العربية مع طوفان الأقصى والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية، كما أن المقارنة بين تفاعل الشعوب الغربية وغيرها مع أحداث الطوفان وبين تفاعل معظم الشعوب العربية والإسلامية هي موضوع محزن للقراءة والتأمل.
أما موقف معظم الحكومات العربية والإسلامية فهو موقف اللامبالي أحيانا، وموقف العاجز أحيانا أخرى، ويؤسفني أن أقول: إن موقف بعضها هو موقف الشامت، أما موقف الشعوب العربية والإسلامية، فالذي لا تخطئه العين هو التعاطف الشعبي الكبير مع إخواننا في غزة، لكن التعاطف يكون محدود الفائدة ما لم يتحول إلى موقف ومساعدة، وما لم يشكل ضغطا حقيقيا على صنّاع القرار من أجل اتخاذ قرارات في صالح إخواننا الفلسطينيين.
هناك عوامل سياسية وثقافية واقتصادية تجعل تجسيد تعاطف الشعوب العربية مع طوفان الأقصى محدودا وغير مرئي في أحيان كثيرة، فعلى المستوى السياسي نعرف أن المواطن العربي قد تعلم من التاريخ أن السكوت والصمت هما الأصل في حياته، وأن التحرك والكتابة والجهر بالحق والواجب لا يجلب له إلا المتاعب، ولم لا وقد رأى الناس مصير من يكتب كلمة أو يتلفظ بجملة تخالف هوى السلطة في بلده
ولا يخفى في هذا السياق أن هناك عوامل سياسية وثقافية واقتصادية تجعل تجسيد تعاطف الشعوب العربية مع طوفان الأقصى محدودا وغير مرئي في أحيان كثيرة، فعلى المستوى السياسي نعرف أن المواطن العربي قد تعلم من التاريخ أن السكوت والصمت هما الأصل في حياته، وأن التحرك والكتابة والجهر بالحق والواجب لا يجلب له إلا المتاعب، ولم لا وقد رأى الناس مصير من يكتب كلمة أو يتلفظ بجملة تخالف هوى السلطة في بلده!
في بلدان عربية وإسلامية ليست قليلة قوانين حاسمة في منع أي تظاهر أو احتجاج من أي نوع كان، كما أن هناك كتابات كثيرة في بعض الدول تضع الفلسطينيين في قفص الاتهام وتُحمّلهم مسؤولية سعيهم إلى التحرر والخلاص من قيد الاحتلال.
المناهج الدراسية في كثير من الدول لا تشرح للأجيال الجديدة القضية الفلسطينية بشكل كاف ولا تذكر لهم المظالم التي تعرض لها الفلسطينيون عبر 7 عقود من الزمان
العامل الثقافي مهم أيضا، فالمناهج الدراسية في كثير من الدول لا تشرح للأجيال الجديدة القضية الفلسطينية بشكل كاف ولا تذكر لهم المظالم التي تعرض لها الفلسطينيون عبر 7 عقود من الزمان، ولعلي أضيف إلى هذا أن لدينا نقصا في ثقافة الحشد والمناصرة، ....