في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
منذ سقوط الفاشر آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور الذي يغطي ثلث مساحة السودان، أواخر أكتوبر الماضي (2025) توالت شهادات مُروّعة عن إعدامات ميدانية وعنف جنسي وعمليات نهب وخطف.
ولا تزال المدينة تشهد تصاعداً مقلقاً في عمليات احتجاز المدنيين وابتزاز ذويهم مالياً مقابل إطلاق سراحهم، منذ سيطرة الدعم السريع على المدينة، وفق "رويترز".
وبحسب إفادات متطابقة، يُحتجز المدنيون في ظروف قاسية، ويُجبر أقاربهم على دفع مبالغ مالية كبيرة تُقدَّر بملايين الجنيهات، بينما يتعرض من يعجز عن الدفع للقتل أو التعذيب أمام المحتجزين الآخرين.
فيما تتم عمليات الاحتجاز، وفق شهادات ميدانية وروايات ناجين، عبر اقتحام المنازل، أو نقاط تفتيش، أو أثناء محاولات النزوح من المدينة، حيث يُنقل الضحايا إلى أماكن غير معروفة، قبل أن تبدأ عملية الابتزاز المنظم لأسرهم.
يأتي ذلك في وقت تعاني فيه الفاشر من شلل شبه كامل في الخدمات الأساسية، وعجز واضح للمنظمات الإنسانية عن الوصول إلى المحتجزين أو تقديم الحماية للمدنيين.
وتؤكد التقارير المحلية والدولية، أن شهادات تم جمعها من عشرات المحتجزين السابقين، أشارت إلى أن الدعم السريع والفصائل المتحالفة معها نقلت مجموعات كبيرة من السكان إلى قرى تبعد نحو 80 كيلومتراً عن الفاشر، فيما أعيد آخرون إلى داخل المدينة حيث تُفرض فدى تصل إلى عشرات آلاف الدولارات. وأفاد ناجون بأن المهلة التي تُمنح للعائلة تراوح بين ثلاثة إلى أربعة أيام، ليواجه المحتجز بعدها القتل أو الضرب المبرح.
كما كشفت تقارير أخرى أن الاتصالات في معظم مناطق غرب السودان مقطوعة، ما دفع عناصر الدعم السريع إلى استخدام أجهزة "ستارلينك" أثناء ابتزاز الأسر، حيث عرضوا المحتجزين عبر مكالمات فيديو لإجبار عائلاتهم على تحويل الأموال.
هذا وتحدث ناجون عن دفع فدى تراوحت بين خمسة ملايين جنيه سوداني (1400 دولار) و60 مليون جنيه سوداني (17 ألف دولار)، وهي مبالغ طائلة بالنسبة لسكان مثل هذه المنطقة الفقيرة، حسبما نقلت "رويترز".
من جهته روى أحد أبناء الفاشر لـ"العربية.نت" بعضاً من التفاصيل المُحزنة التي تلت سقوط الفاشر، وقال إن الدعم السريع عاملت مع المدنيين منذ الوهلة الأولى كـ "غنائم حرب" عبر الابتزاز وطلب فِدى مالية ضخمة، تتراوح بين 5 إلى 60 مليون جنيه سوداني، أي ما يعادل 1400 إلى 17 ألف دولار أميركي للفرد، حسب التصنيف الذي كان يتم عشوائيا حسب العمر، البنية الجسدية، أو الاشتباه، وقد يُتهم الشخص بأنه نظامي" دون دليل.
كما أوضح المصدر أن الفاشر بعد سقوطها تحوّلت إلى موسم للنهب وجمع الأموال، وكلما زاد عدد المحتجزين زادت الثروة.
وأضاف أن لا توجد سياسة موحدة للتعامل مع المحتجزين، فهناك مجموعة ظهرت صورها في الأيام الأولى محتجزة في مكان واحد، وأعداد كبيرة أخرى محتجزة في بيوت مهجورة وأماكن متفرقة داخل المدينة.
أما من تم القبض عليهم خارج المدينة، فهؤلاء أُجبروا على تصوير فيديوهات تهديد لابتزاز أسرهم. وقال إن هناك مئات التسجيلات المصورة لدى المواطنين لا يمكن نشرها خوفا على حياة المحتجزين.
في المقابل، لم يقف أهالي الفاشر مكتوفي الأيدي، فسرعان ما شكّلوا مجموعات خاصة بمواقع التواصل الاجتماعي لجمع الفِدى لإطلاق سراح المحتجزين، واعتمدوا بشكل كبير على أقاربهم الموجودين بدول المهجر، لكن الأعداد الضخمة من المحتجزين فاقت قدرتهم على الاستجابة.
وأكد المصدر أنهم لا يُعوَّلون على قيادة الدعم السريع لإطلاق سراح المحتجزين، حتى إن صدر أمر بذلك، فالعناصر المنفلتة لن تلتزم. ورأى أن الخيار الأفضل هو مناشدة الصليب الأحمر الدولي للتدخل، تفتيش المدينة، حصر المحتجزين، والتحقق من أوضاعهم.
وفي هذا السياق، أُثيرت تساؤلات حول حجم هذه الظاهرة، وما إذا كانت هناك أعداد تقديرية للمحتجزين، إضافة إلى إمكانية تصنيف هذه الأفعال ضمن جرائم الاسترقاق القسري والاتجار بالبشر، فضلاً عن الخطوات التي تعتزم الجهات الرسمية اتخاذها للحد منها.
من جهتها، قالت وزيرة الدولة بالرعاية الاجتماعية بالسودان، سُليمى إسحق، للعربية.نت/الحدث.نت، إن "الحد من مثل هذه الجرائم لا يمكن أن يتحقق إلا بوقف الحرب وإنهاء أسبابها". وأوضحت أن ما يجري في الفاشر "يتخذ طابعا انتقامياً واضحاً، ويرتبط بشكل وثيق بجرائم الإبادة الجماعية، والاسترقاق، والتطهير العرقي، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة"
كما أشارت إسحق إلى أن "الدعم السريع يلجأ إلى سلاح الإخضاع باعتباره الأداة الأبرز التي يمتلكها"، مضيفة أن المؤشرات الماثلة تؤكد أن الفدية المالية تمثل أحد مصادر تمويله، وهو ما يفسر – بحسب قولها – الإصرار على طلب الفِدى مقابل إطلاق سراح المدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرته.
أما عن الأعداد، فأوضحت الوزيرة أنه "لا توجد حتى الآن أرقام موثقة عن الأشخاص الذين طُلِبت فدية مقابل إطلاق سراحهم".
لكنها رأت أن جميع من لا يزالون داخل الفاشر، ويُقدَّر عددهم بما لا يقل عن 260 ألف نسمة، "يعيشون تحت خطر التعرض لهذا المصير"، مؤكدة أن الاتجار بالبشر "احتمال وارد بقوة في ظل الواقع القائم"
إلى ذلك، أكدت سُليمى أن "جرائم الاختطاف والاسترقاق بكافة أشكاله، لا سيما الاسترقاق الجنسي، تُمارس على نطاق واسع من قِبل الدعم السريع، مع وجود حالات بيع موثقة وعمليات ابتزاز مالي تندرج قانونيا تحت جرائم الاتجار بالبشر". وأشارت إلى أن النساء والفتيات هن الأكثر عرضة لجرائم الاسترقاق الجنسي، لكنها لم تستبعد تعرض الرجال أيضا لهذه الانتهاكات، موضحة أن "الهدف من تلك الممارسات الدنيئة لا يقتصر على الاعتداء الجنسي، بل يقوم على الإذلال والمهانة والإخضاع، واستخدام العنف كسلاح ضد المدنيين".
وفي توصيف لافت لحجم ما جرى، لفتت إسحق إلى أن الوضع في الفاشر "أكبر مسرح جريمة في العالم"، معتبرة أنه "يفوق في فظاعته ما حدث في رواندا". وأضافت أن هذه الجرائم كان يمكن منعها، لكن المجتمع الدولي وقف متفرجا حتى وقعت المأساة المُروعة.
كما حذّرت من إمكانية انتقال هذه الانتهاكات إلى مناطق أخرى، ومن تصاعد المخاطر التي تهدد العاملين في المجال الإنساني ومقدمي الخدمات للمتضررين في مناطق النزاع. وأشارت إلى أن الحكومة السودانية تمتلك خطة وطنية لمناهضة العنف الجنسي، غير أن الجرائم المرتكبة حالياً، وفق قولها، "تتطلب إطاراً قانونياً أقوى يوازي طبيعتها الوحشية"، لكون الجريمة في أوقات الحرب تختلف في توصيفها عن الجريمة في أوقات السلم.
كذلك لفتت إلى أن جرائم الاسترقاق والعنف الجنسي تُستخدم في النزاعات المسلحة "كسلاح ممنهج للإخضاع والإذلال، وليس كحوادث فردية معزولة".
من جانبهم، رأى خبراء قانونيون أن عمليات الخطف مقابل الفدية، والاسترقاق، والاستغلال الجنسي، والاحتجاز القسري، تندرج جميعها ضمن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، كما تُصنَّف بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ضمن الجرائم ضد الإنسانية، التي تشمل الاسترقاق، والسجن التعسفي، والاغتصاب، والاستعباد الجنسي، والاضطهاد الممنهج بحق السكان المدنيين.
ومنذ اندلاعها في 15 أبريل 2023، شهدت حرب السودان انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، شملت أعمال عنف جنسيّ ضد النساء وانتهاكات مروّعة ووحشية في حقّ المدنيين عامة، وجرائم قتل خارج نطاق القانون. وقد سقط الآلاف ضحايا للتعذيب والتغييب القسري والاختطاف مقابل الفدية أو التجنيد الإجباري.
فيما مثّلت دارفور، بولاياتها الخمس، بؤرةً مظلمة لإهدار حقوق المدنيّين، بعد نشوب الحرب.
المصدر:
العربيّة