يوم 28 يوليو (تموز) 1914، عاشت القارة الأوروبية على وقع بداية الحرب العالمية الأولى.
فبعد شهر من واقعة سراييفو وفشل المفاوضات والتحقيقات النمساوية، لم تتردد إمبراطورية النمسا – المجر في إعلان الحرب على صربيا.
تزامناً مع ذلك، ردت الإمبراطورية الروسية عن طريق إعلان الحرب على فيينا، بدعوى حمايتها للشعوب السلافية، متسببة في تفعيل سياسة التحالفات بالقارة العجوز.
وبادئ الأمر، ظن الجميع أن الحرب ستتوقف وتنتهي أواخر ديسمبر (كانون الأول) 1914.
في الأثناء، كانت هذه التوقعات خاطئة، حيث استمرت الحرب حتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 1918، وتسببت في مقتل وإصابة ما يزيد عن 20 مليون شخص.
على الرغم من نجاحها في إخراج روسيا من الحرب العالمية الأولى عقب توقيع معاهدة برست ليتوفسك (Brest-Litovsk) مطلع مارس/آذار 1918 ونقلها لمزيد من القوات نحو الجبهة الغربية، لم تتمكن الإمبراطورية الألمانية من تحقيق أي مكسب ضد الفرنسيين والبريطانيين الذين نجحوا في دعم مواقعهم وتكبيد الألمان خسائر فادحة بفضل قدوم مئات الآلاف من الجنود الأميركيين نحو الجبهة.
وبحلول سبتمبر (أيلول) 1918، راسلت القيادة العسكرية الألمانية الحكومة طالبة منها إجراء مفاوضات لإنهاء الحرب والقبول بمعاهدة استسلام معللة طلبها هذا بقرب انهيار الجبهة الغربية.
ومع حصولها على هذا المطلب، قدمت حكومة المستشار غيورغ فون هيرتلينغ (Georg von Hertling) استقالتها للقيصر فيلهلم الثاني يوم 30 سبتمبر (أيلول) 1918.
وقبل مغادرة مكتبه، عرض فون هيرتلينغ على القيصر الألماني تعيين الأمير ماكس فون بادن (Max von Baden)، المعروف أيضا بماكسيمليان، مستشارا خلفا له.
إلى ذلك، لقيت فكرة تعيين ماكس فون بادن مستشارا استحسان عدد من كبار قادة الجيش، كالجنرال إريش لودندورف (Erich Ludendorff)، الذين تحدثوا عن تقدير الحلفاء له بسبب طابعه الإنساني وانفتاحه على الإصلاحات الليبرالية والديمقراطية.
يوم 3 أكتوبر (تشرين الأول) 1918، عيّن ماكس فون بادن مستشارا لألمانيا بموافقة من القيصر فيلهلم الثاني.
ومع استلامه مهامه، لم يكن المستشار الجديد على علم بقرار إرساله لمناقشة استسلام ألمانيا للحلفاء بالحرب العالمية الأولى.
وبعد يوم واحد من توليه منصبه، راسل ماكس فون بادن الرئيس الأميركي وودرو ولسن من أجل إبرام هدنة، حسب نقاط ولسن الـ14 السابقة، وإنهاء الحرب على الجبهة الغربية.
كما باشر ماكس فون بادن أملا في ضمان موافقة الحلفاء على مطلب الهدنة، بإجراء إصلاحات سياسية واسعة بألمانيا بهدف نقلها نحو فترة ديمقراطية.
بناء على ذلك، سمح الأخير بانضمام الديمقراطيين الاشتراكيين للحكومة وحد من الصلاحيات المطلقة لفيلهلم الثاني وجعل الجيش والحكومة مسؤولتين أمام البرلمان بدلا من القيصر.
مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 1918، عاشت ألمانيا على وقع أحداث غير مسبوقة حيث بلغت الاحتجاجات الشعبية، ضمن الثورة الألمانية، برلين وأجبرت فيلهلم الثاني على مغادرة العاصمة والتوجه لبلجيكا. وقد تزامن هذا مع تمرد للعسكريين الألمان في كيل (Kiel).
كما أرسل يوم 6 من الشهر نفسه، ماكس فون بادن السياسي ماتياس إرزبرغر (Matthias Erzberger) لمناقشة الهدنة مع الحلفاء. وقد اعتذر المستشار الألماني عن الحضور حينها بسبب إصابته بالإنفلونزا الإسبانية.
ومع عرض شروط الحلفاء عليه، طالب ماتياس إرزبرغر بتخفيفها واصفا إياها بالقاسية. إلى ذلك، رفض المارشال الفرنسي فرديناند فوش (Ferdinand Foch) الأمر مؤكدا أنه لم يتبق لألمانيا سوى التوقيع على اتفاق الهدنة أو مواصلة الحرب. من ناحية أخرى، اشترط الحلفاء، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي ولسن، رحيل القيصر فيلهلم الثاني وتنازله عن العرش لبلوغ السلام.
يذكر أنه يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 1918، عاشت برلين على وقع حالة من الفوضى بسبب تجمهر أعداد كبيرة من الأهالي ضد نظام القيصر.
وأمام هذا الوضع، أعلن ماكس فون بادن، بشكل أحادي ودون استشارة القيصر، عن تنازل فيلهلم الثاني عن العرش.
وبطريقة غير دستورية، استقال ماكس فون بادن من منصبه وعين السياسي المنتمي للحزب الديمقراطي الاشتراكي فريدريش إيبرت (Friedrich Ebert) مستشارا.
وعقب كل هذه التغييرات السياسية التي شهدتها ألمانيا، وقع الحلفاء اتفاق الهدنة مع ألمانيا يوم 11نوفمبر (تشرين الثاني) 1918 لتعرف بذلك الحرب العالمية الأولى نهايتها.
لاحقا، أكد ماكس فون بادن أنه اتخذ هذه القرارات بشكل سريع لتجنب حرب أهلية بألمانيا وإنهاء الحرب قبل انهيار الجبهة الغربية بشكل كامل.
المصدر:
العربيّة