بفضل تقدم الطب أصبح من الممكن، خلال الفترة المعاصرة، تأكيد وفاة شخص ما والوقوف على أسباب الوفاة باستخدام التقنيات العلمية والأجهزة الطبية الحديثة.
لكن تلك التقنيات الحديثة لم تكن متوفرة في الماضي لتأكيد وفاة شخص ما بشكل قاطع. ما أدى إلى تسجيل حالات دُفن فيها أشخاص أحياء وهم في حالة فقدان للوعي، فاستفاقوا ليجدوا أنفسهم داخل قبور مغلقة.
فخلال القرن التاسع عشر، وخاصة في العصر الفيكتوري، سجّلت بريطانيا وبقية مناطق أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية حالة من الهستيريا عُرفت بـ"هوس الدفن حيّاً". وقد كان الرئيس الأميركي جورج واشنطن، والملحن فريدريك شوبان، ومخترع الديناميت ألفرد نوبل من أبرز المشاهير الذين عانوا من هذا الهوس.
إذ انتشرت في بريطانيا وسائر أنحاء أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية قصص عديدة عن أشخاص دُفنوا أحياء واستفاقوا داخل توابيتهم ليجدوا أنفسهم غير قادرين على الخروج، ليفارقوا الحياة في ظروف مرعبة.
كما أحصى رجل الأعمال والمصلح الاجتماعي وليام ويب (William Tebb) في منشوراته نحو 219 حالة كاد أصحابها أن يُدفنوا أحياء، إضافة إلى 149 حالة دُفن فيها أشخاص وهم أحياء بالفعل، بناءً على الروايات المتداولة في بريطانيا وغيرها، مما أسهم في زيادة هستيريا الدفن حيّاً.
وارتبط انتشار هذه الهستيريا أيضاً بظهور عدد من القصص والروايات.
فإلى جانب رواية فرانكنشتاين (Frankenstein) لماري شيلي (Mary Shelley) عام 1818، ساهمت أعمال الكاتب الأميركي إدغار آلان بو (Edgar Allan Poe) في ترسيخ المخاوف، مثل روايتي الدفن قبل الأوان (The Premature Burial) وسقوط منزل آشر (The Fall of the House of Usher) اللتين تناولتا قصصاً عن أشخاص وجدوا أنفسهم داخل قبور وهم على قيد الحياة.
في المقابل، ولمواجهة هذا الهوس، ظهرت خلال القرن التاسع عشر ابتكارات غريبة أُدخلت على توابيت الدفن. فقد ابتكر الطبيب الألماني يوهان تابرغر (Johann Taberger) ما عُرف بـ"تابوت الأمان"، الذي زُوّد بحبال تُربط بجسم الميت وتتصل بجرس خارج القبر. وفي حال استيقظ الشخص المدفون خطأً وبدأ يتحرك، يُصدر الجرس صوتاً لتنبيه من في الجوار. كما يؤدي تحركه داخل التابوت إلى فتح فوهة صغيرة موصولة بالخارج تسمح بدخول الهواء، والصمود لحين وصول النجدة.
وحقق تابوت الأمان انتشاراً واسعاً، ولم يتردد كثير من الأثرياء في اقتنائه، رغم كلفته العالية، خوفاً من الدفن حياً. ولاحقاً ظهرت نسخ أخرى تضم سلماً داخل القبر أو آليات لفتح التابوت من الداخل، بينما لجأ البعض لاستخدام زجاج شفاف عند مستوى الوجه ليظل ظاهراً فوق الأرض.
ومع بداية القرن العشرين، تلاشى هذا الهوس تدريجياً بفضل التقدم العلمي، مثل اختراع السماعة الطبية، وفهم آليات توقف القلب، وظهور أجهزة قياس النبض والتنفس، مما مكّن الأطباء من التأكد من الوفاة بدقة أكبر.
المصدر:
العربيّة