خلال السنوات التي سبقت بداية الثورة الفرنسية، شهدت باريس ظهور العديد من القصص المريبة حول سجن الباستيل حيث تحدث البعض عن عمليات تعذيب مرعبة وعن أشخاص دخلوا هذا السجن ولم يخرجوا من دهاليزه مطلقاً. وبسبب هذه الروايات السوداء التي غذّاها عدد من فلاسفة الأنوار من أمثال فولتير (Voltaire) والتي كانت في الغالب وهمية، تحول سجن الباستيل إلى رمز من رموز القمع وكسب سمعة رديئة.
إلى ذلك، يصنف الرجل ذو القناع الحديدي كأهم الشخصيات المثيرة للجدل، في التاريخ الفرنسي، التي زارت الباستيل. وقد فارق الأخير الحياة في هذا السجن عقب سنوات طويلة قضاها خلف القضبان.
خلال العام 1669، حل بسجن بينيرول (Pignerol) في فرنسا سجين مجهول الهوية حمل قناعًا حديديًا على وجهه بهدف عدم كشف هويته. وفي الأثناء، نقل هذا السجين الغريب نحو هذا السجن بأمر مباشر من الملك الفرنسي لويس الرابع عشر. وطيلة مسيرته، تنقل هذا السجين المجهول بين العديد من السجون رفقة جلاده والمسؤول المباشر عنه الحاكم بينيني دوفرنيو دي سانت مارس (Bénigne Dauvergne de Saint-Mars).
إلى ذلك، سجل أول وصف دقيق لهذا السجين الغريب أواخر أبريل (نيسان) 1687 من قبل أشخاص شاهدوه علنا. وحسب ما جاء بهذا الوصف، نقل بينيني دوفرنيو دي سانت مارس سجين دولة، بأمر مباشر من الملك، من بينيرول نحو جزيرة سانت مارغريت (Sainte-Marguerite). وفي الأثناء، لم يعرف أحد هوية هذا السجين المجهول الذي وُضع على وجهه قناع حديدي ونقل داخل عربة حملت على الأكتاف. أيضا، حصل هذا السجين الغريب على أوامر بعدم الإفصاح عن هويته. وقد توعده لويس الرابع عشر بالموت على عين المكان في حال إفصاحه عن هويته.
خلال شهر سبتمبر (أيلول) 1698، نقل السجين ذو القناع الحديدي نحو سجن الباستيل حيث قضى بقية أيامه وتوفي بحلول يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1703. ومع وفاته، أقدمت السلطات الفرنسية على حرق ثيابه وممتلكاته الخاصة قبل أن تقوم بدفنه، تحت اسم مزيف، في مقبرة سانت بول.
على مدار سنوات، أثارت هوية السجين ذي القناع الحديدي العديد من التساؤلات. وقد تحدث البعض أنَّ من يختفي خلف القناع هو الوالد الحقيقي للويس الرابع عشر وهو عشيق آنا النمساوية (Anne of Austria). وفي الأثناء، غذى فيلسوف التنوير فولتير الإشاعات حول هوية هذا السجين عقب سجنه بالباستيل عام 1717. ففي كتابه عن لويس الرابع عشر الذي ظهر عام 1751، أكد فولتير أن السجين ذو القناع الحديدي هو الشقيق الأكبر، أو توأمُ الملك لويس الرابع عشر. أيضا، أكد فولتير أنه سمح لهذا السجين بالحصول على كميات وافرة من الطعام والعزف على الآلات الموسيقية. خلال القرون التالية، لم يتردد عدد كبير من الأدباء الفرنسيين كفيكتور هوغو وألكسندر دوما في العودة لقصة السجين ذي القناع الحديدي في مؤلفاتهم للتأكيد على أن الأخير هو شقيق لويس الرابع عشر.
إلى ذلك، يقدم العديد من المؤرخين المعاصرين نظريات مختلفة. فقد تحدث البعض أن من يختبئ خلف القناع هو يوستاش دوجيه (Eustache Dauger) الذي كان مبعوثاً تابعاً للملك وألمّ بأسرار دولة خطيرة. من ناحية أخرى، يرجح البعض أن يكون هذا السجين الشهير ليس سوى نيكولا فوكيه (Nicolas Fouquet) الذي شغل منصب وزير الخزانة الفرنسية لسنوات قبل أن يسجن لفترة طويلة ويفارق الحياة في السجن عقب اتهامه بالبذخ واختلاس مبالغ هائلة من خزينة الدولة.
المصدر:
العربيّة