فتحت مناوشات بين مصالح الأمن الجزائرية وعمال أفارقة يعملون بطريقة غير قانونية في ورشات السكن، ملف نقص اليد العاملة في الجزائر. دفعت هذه الظاهرة مؤسسات الإنجاز الأجنبية للاستعانة بعمال يفتقرون لتراخيص الإقامة والعمل.
تدخلت مصالح الدرك الجزائرية في موقع أشغال الحي السكني سيدي حمام بمفتاح، ولاية البليدة (40 كيلومتراً جنوب العاصمة الجزائر)، لتهجير المهاجرين غير القانونيين. طالب بعض هؤلاء المهاجرين بمنحهم الحق في سكنات بالعمارات التي أنجزوه.
أظهرت مقاطع فيديو منتشرة على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، دفاع العمال الأفارقة عن تواجدهم في الورشات. اعتلى العمال السطوح وقذفوا مصالح الأمن بالحجارة لمنعهم من دخول العمارات والقبض عليهم.
تأتي هذه الأحداث رغم أن الورشات مشاريع تابعة لقطاع السكن والعمران العمومي في الجزائر. يمنح القطاع مشاريع لمؤسسات أجنبية، خاصة التركية والصينية. تشغل هذه المؤسسات عمالاً أفارقة يفتقرون لتصاريح التواجد على التراب الجزائري. يعود ذلك لنقص اليد العاملة الجزائرية وارتفاع تكلفة استقدام عمالة تركية أو صينية.
فتحت الحادثة، التي ليست الأولى من نوعها، جدلاً في الجزائر حول توظيف عمال بطريقة غير قانونية في مشاريع حكومية، ونقص اليد العاملة. يأتي ذلك رغم تسجيل نسبة بطالة تقدر بـ9.7 بالمئة، وفقاً لآخر إحصاء للديوان الوطني للإحصاء.
قال الخبير الدولي في العمران ورئيس المجلس العربي الأعلى للعمارة والعمران وتطوير المدن، جمال شرفي، إن "المشكل هو محاولة حل مشكلة اليد العاملة عبر عمالة غير قانونية، وهذا بحد ذاته خاطئ". وأضاف شرفي لـ"العربية.نت": "في السابق، كان المهاجرون الأفارقة يستعملون الجزائر كمنطقة عبور نحو أوروبا، لكنها تحولت لاحقاً إلى منطقة استقرار. ومن هنا جاء تشغيلهم من قبل المؤسسات الأجنبية، الصينية والتركية خاصة في أشغال البناء، ولكن بطريقة غير قانونية، مستغلين انخفاض أسعار هذه العمالة".
وأضاف الخبير في البناء: "لا يمكن الاستعانة بعمال لا تملك عنهم السلطات في الجزائر أية قاعدة بيانات، فهذا يفتح المجال لمختلف الظواهر الاجتماعية، وهو تحصيل حاصل لسياسة تُبنى على اللا قانون".
أوضح شرفي أن "الحلول مرتبطة بالسياسات المنتهجة في قطاع السكن، عبر تشجيع التكوين المرتبط بتأهيل الشباب لمختلف الحرف والمهن المستخدمة في قطاع البناء". أما كحلول استعجالية، فأضاف: "السكن ليس أولوية إذا كان على حساب خرق القانون وخلق ظواهر اجتماعية سيئة".
قال المختص الاجتماعي عبد الحفيظ صندوقي عن عزوف الشباب الجزائري عن ورشات السكن: "هناك تناقض عندما نرى نسبة بطالة تقارب 10 بالمئة، وفي المقابل هروباً من العمل في ورشات السكن بالجزائر. لكن الحقيقة أن كل المعطيات الاجتماعية والاقتصادية تنفر الشاب الجزائري من العمل في الورشة".
قال صندوقي لـ"العربية.نت": "هناك عدة تجاوزات من طرف مؤسسات الإنجاز، منها تفضيل اليد العاملة للمهاجرين الأفارقة لانخفاض تكلفتها، ومنها أيضاً عدم التصريح بالعمال وغير ذلك." أما بالنسبة للشباب الجزائري، فأضاف: "كثيرون يتهربون من المهن الشاقة، لتوفر مداخيل من أعمال أخرى، كالتجارة الإلكترونية أو الأعمال الحرة غير القانونية أو غيرها، خاصة وأن الكثيرين غير مؤهلين للعمل في الورشات أو لم يكتسبوا مؤهلات لأية حرف". اجتماعياً، أضاف الخبير: "لا تزال في المجتمع الجزائري نظرة دونية للمهن الشاقة، والتي تعتبر آخر ما يلجأ إليه الشاب الجزائري بعد انعدام كل فرص العمل الأخرى، مما يجعل الإقبال عليها قليلاً جداً، ولو كانت مجزية".