آخر الأخبار

لماذا يعود القراصنة دومًا إلى "مسرح الجريمة" الرقمي؟

شارك

في عالم الجرائم التقليدية، فإن العبارة الشهيرة "المجرم يعود دائمًا إلى مسرح الجريمة" تؤكد ميل بعض الجناة إلى الرجوع لمكان الحادث، وهو سلوك مألوف يحاول فيه الجاني استكمال ما بدأه أو إخفاء أدلة أو حتى الاستمتاع بإحساس السيطرة.

ولكن في العالم السيبراني، فإن الأمر أكثر تعقيدًا وخطورة، حيث لا يعود المهاجم بدافع نفسي فقط، بل لأن الفرصة تظل سانحة أمامه بسبب ثغرات لم تعالج، وأبواب خلفية لم تغلق، وأنظمة غير محدثة، وحسابات ظلت مخترقة دون اكتشاف.

وأصبحت هذه العودة جزءًا من إستراتيجية متكاملة تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من الاختراق الأولي، وهي تعكس إصرار المهاجم على تحقيق أهدافه، سواء كانت مالية، أم سياسية، أم حتى مجرد إثبات للذات.

وفي هذا المقال، نستكشف معنى عودة المهاجم إلى مسرح الجريمة في المجال السيبراني، وما الآليات التي يستخدمها القراصنة، وما الأهداف الإستراتيجية وراء ذلك، مع طرح أمثلة واقعية وتاريخية.

مصدر الصورة تعد الأبواب الخلفية بمنزلة طرق سرية للوصول إلى النظام، وغالبًا ما تُنشأ بعد الاختراق الأولي (شترستوك)

شبح العودة.. الوصول السيبراني

غالبًا ما تبدأ الهجمات السيبرانية باختراق أولي، ولكن التهديد الحقيقي يتمثل في قدرة المهاجم على العودة إلى النظام المخترق والمحافظة على وصوله غير المصرح به إلى الأنظمة أو الشبكات المخترقة، حتى بعد إعادة التشغيل أو تسجيل الخروج أو تحديثات الأمان أو محاولات إزالة التهديد.

ويعد هذا هو الفارق الجوهري بين الاختراق العابر الذي ينتهي بسرعة والاختراق طويل الأمد الذي قد يستمر أشهرا أو حتى سنوات.

ويمثل هذا السلوك حجر الزاوية لتحقيق الأهداف طويلة الأمد، سواء كانت الغاية سرقة البيانات الحساسة، أو التجسس المستمر، أو التخريب الممنهج، أو الابتزاز المتكرر.

ويتيح هذا السلوك زيادة وقت البقاء داخل الأنظمة المستهدفة، ويسمح بالحفاظ على قنوات اتصال سرية ومستمرة مع الأنظمة المخترقة.

إعلان

وتستغل العديد من طرق العودة ميزات نظام التشغيل، مما يصعب على أدوات الأمان التقليدية اكتشافها.

وتعتمد مجموعات القرصنة بشكل كبير على العودة من أجل عمليات التجسس طويلة الأمد، وسرقة البيانات الضخمة، أو نشر برمجيات طلب الفدية على نطاق واسع.

العودة التقنية .. الأساليب والأدوات

تختلف أساليب العودة في الفضاء السيبراني عن الأساليب التقليدية، فهي لا تتطلب تواجدًا ماديًا، بل تعتمد على أدوات تقنية تتيح الوصول إلى النظام المخترق في أي وقت، وذلك باستغلال نقاط الضعف في الإعدادات أو ميزات أنظمة التشغيل.

وتعد الأبواب الخلفية بمنزلة طرق سرية للوصول إلى النظام، وغالبًا ما تُنشأ بعد الاختراق الأولي.

وتتنوع أنواع البرمجيات الخبيثة المستخدمة في الأبواب الخلفية، ويشمل ذلك "أحصنة طروادة" (Trojan Horses)، و"الروتكيت" (Rootkits)، و"الديدان" (Worms)، و"برامج التجسس" (Spyware).

ويعد الاستيلاء على الحسابات من الطرق الفعالة لضمان العودة، وغالبًا ما يحدث ذلك من هجمات التصيد الاحتيالي، حيث تمنح هذه الحسابات وصولًا إلى الأنظمة.

في حين تعد الثغرات الأمنية غير المصححة من أخطر نقاط الضعف المستغلة لإعادة الاختراق والحفاظ على العودة لأنها غالبًا ما تكون معروفة وموثقة ومدرجة في قواعد البيانات العامة.

وأظهرت الدراسات أن ما يصل إلى 60 في المئة من ضحايا الاختراقات ذكروا أنهم تعرضوا للاختراق بسبب ثغرات معروفة غير مصححة.

وإضافة إلى ما سبق، يستخدم المهاجم مجموعة من التقنيات المتقدمة للحفاظ على الوصول المستمر والعودة، ويشمل ذلك التعديل على سجل النظام، والتلاعب بخدمات "ويندوز" (Windows) و"مكتبات الارتباط الديناميكي" (DLL) و"أدوات إدارة النظام" (WMI).

مصدر الصورة العديد من الهجمات السيبرانية البارزة تُظهر أن العودة ليست مجرد مفهوم نظري، بل تكتيك أساسي يتيح للمهاجم تحقيق أهدافه (رويترز)

دوافع العودة

تتعدد الدوافع التي تدفع المهاجم إلى السعي للحفاظ على الوصول داخل الأنظمة المخترقة، وتتراوح هذه الدوافع من الأهداف المادية البحتة إلى الأيديولوجيات المعقدة والانتقام الشخصي.

وتعد الدوافع المالية هي الأكثر شيوعًا، وغالبًا ما يهدف المهاجم إلى سرقة وبيع البيانات الحساسة في السوق السوداء لتحقيق مكاسب مالية.

في حين أن الدوافع الأيديولوجية والسياسية تزيد تعقيد التهديد، حيث يستهدف هؤلاء الأفراد أو الجماعات الشركات أو المؤسسات بسبب اختلاف في القيم أو المعتقدات، وعادةً ما تكون هذه الهجمات مدعومة من دول.

وقد يمثل الموظفون السابقون أو الحاليون دافعًا رئيسيًا للوصول المستمر والعودة، حيث يسعى هؤلاء الأفراد إلى إلحاق أكبر قدر من الإحراج أو الضرر بالشركة، وغالبًا ما يستغلون معرفتهم بالأنظمة الداخلية ونقاط الضعف فيها.

كما قد يكون الدافع وراء بعض الهجمات هو إثبات القدرات التقنية أو تحدي الأنظمة الأمنية، ويقود هذا الدافع المهاجم إلى محاولة البقاء داخل النظام فترة أطول لإظهار قدرته على التخفي وتجاوز الدفاعات.

أمثلة واقعية وتاريخية على العودة

تظهر العديد من الهجمات السيبرانية البارزة كيف أن العودة ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي تكتيك أساسي يتيح للمهاجم تحقيق أهدافه على نطاق واسع ولفترات طويلة، ومثال على ذلك هجمات "سولار ويندز" (SolarWinds)، و"إيكويفاكس" (Equifax)، و"ستاكسنت" (Stuxnet)، و"سوني بيكتشرز" (Sony Pictures).

إعلان

* "سولار ويندز": يعد هذا الهجوم مثالًا بارزًا على هجمات العودة المعقدة التي نفذتها مجموعة مرتبطة بالاستخبارات الروسية، حيث ظل المهاجمون موجودين في شبكات الضحايا الذين يستخدمون منتجات "سولار ويندز" عدة أشهر قبل الاكتشاف.
* "إيكويفاكس": مثل هذا الاختراق حدثًا ضخمًا أثر في ما يقرب من 148 مليون شخص في الولايات المتحدة، حيث سرقت معلومات شخصية حساسة للغاية، ونجم الاختراق عن استغلال ثغرة أمنية معروفة، وظل المهاجمون داخل الشبكة ما يقارب ثلاثة أشهر دون اكتشاف.
* "ستاكسنت": استهدف هذا الهجوم أنظمة التحكم الصناعي ووحدات التحكم المنطقية القابلة للبرمجة من "سيمنز" (Siemens)، ودخلت إلى البيئة المستهدفة المعزولة عن الإنترنت، ودمرت العديد من أجهزة الطرد المركزي النووية الإيرانية، وأصابت أكثر من 200 ألف حاسوب.
* "سوني بيكتشرز": تعرضت "سوني" لهجوم سيبراني واسع النطاق. وبالرغم من أنها بذلت جهودًا كبيرة لإعادة بناء أنظمتها، إلا أن المهاجمين تركوا وراءهم ثغرات تسمح لهم بالعودة، مما جعل الشركة عرضة لهجمات مستقبلية.

وتوضح هذه الهجمات أن نجاح الهجوم السيبراني وتأثيره لا يتوقف فقط على طريقة الاختراق الأولية، بل إن آليات الوصول المستمر والعودة هي التي تحدد مدى استمرارية الهجوم وإمكانية انتشاره وقدرته على تحقيق أهداف معقدة ومتعددة المراحل.

أساليب التصدي لظاهرة العودة

يتطلب التصدي لهذه الظاهرة إستراتيجية متعددة المستويات، منها:


* الكشف المبكر: البحث باستمرار عبر فرق أمنية عن مؤشرات وجود أبواب خلفية.
* التحديثات المنتظمة: سد الثغرات فور اكتشافها يقلل من فرص العودة.
* إدارة الهوية والدخول: فرض سياسات صارمة على الحسابات، مع تفعيل المصادقة الثنائية.
* التحليل الجنائي الرقمي: التحقيق بعد كل حادثة بدقة لضمان إزالة جميع بقايا الهجوم الأول.
* ثقافة أمنية داخل المؤسسات: تدريب الموظفين على التعرف على مؤشرات الاختراق ومنع إعادة استخدام كلمات المرور.

ختامًا، لم تعد الهجمات السيبرانية مجرد حوادث عابرة، بل إن مفهوم "عودة المهاجم إلى مسرح الجريمة" يؤكد أن الاختراق الأولي غالبًا ما يكون مجرد بداية لحملة طويلة الأمد، حيث أظهرت الأمثلة التاريخية إمكانية ترسيخ الوجود داخل الأنظمة المستهدفة لفترات طويلة، وذلك باستغلال ميزات الأنظمة والثغرات غير المصححة والحسابات المخترقة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار