في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران مؤخرا، عادت للواجهة المزاعم بأن العالم المصري "أحمد زويل" تبرع بنصف جائزة نوبل لإسرائيل، وأن أبحاثه في مجال الليزر ساهمت في تطوير الصواريخ الإسرائيلية، ونظام الدفاع الجوي المعروف بـ"القبة الحديدية".
ويتم تمرير هذا الاتهام عبر حقيقة لم ينكرها الدكتور زويل نفسه، وهي حصوله عام 1993 على "جائزة وولف" في الكيمياء، التي يمنحها معهد وايزمان الإسرائيلي، وسلمها له آنذاك وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الدولة لاحقا.
وحين سُئل مرارا عن قبوله للجائزة، أوضح أنه يرى أن "العلم لا وطن له ولا دين"، وفي هذا السياق، كتب الدكتور عبد الرحمن ياسر، الأستاذ المساعد في الفيزياء بجامعة القاهرة، منشورا مطولا عبر صفحته على "فيسبوك"، أكد فيه رفضه قرار زويل قبول الجائزة من إسرائيل، مضيفا: "في النهاية هذا قراره الشخصي الذي سيحاسب عليه أمام الله، لكن خلافي معه لا يبرر أن أكذب عليه أو أتهمه زورا".
وشدد ياسر على أن من يروجون لهذا الاتهام لا يدركون طبيعة أبحاث زويل، التي لم تكن لها أي علاقة بتطوير الأسلحة، موضحا أن "أبحاثه كانت تركز على استخدام نبضات الليزر في مدى زمني بالغ القصر (الفيمتوثانية) لتصوير التفاعلات الكيميائية، ما أتاح لأول مرة في تاريخ البشرية رؤية لحظات تكسر وتكون الروابط الكيميائية أثناء حدوثها".
وأضاف: "هذا الإنجاز العظيم لا علاقة له إطلاقا بالأسلحة أو الأنظمة الدفاعية، فالرجل لم يكن عالم ليزر بالمفهوم التقليدي، بل استخدمه كأداة ضمن تخصصه الدقيق في التفاعلات الكيميائية".
وتابع: "من غير المنطقي أن تتخلى إسرائيل عن علمائها المتخصصين في الليزر مثل آشر فريسم، لتستعين بعالم من أصول مصرية لم يتخصص في الليزر ولا يعرف شيئا عن الديناميكا الهوائية، من أجل تطوير صواريخها!".
وأكد ياسر أن اختلافه مع قرار زيارة إسرائيل لا يعني تجاهل الأدوار الكبرى التي لعبها زويل، سواء في المجال البحثي أو في خدمة الوطن، موضحا أن "أبحاثه تركت بصمة في مجالات متعددة، منها الأدوية التي نتناولها يوميا، إذ أسهمت بشكل مباشر في فهم التفاعلات الكيميائية، وهو فهم غيّر مجرى العلم مثلما غيرت قوانين نيوتن والنسبية لأينشتاين فهمنا للفيزياء".
وأشار كذلك إلى جهوده الكبيرة في خدمة الشأن العام، قائلا: "كثير من العلماء العرب لم يهتموا بالشأن العربي أصلا، لكن الدكتور زويل أفنى سنوات من عمره في محاولة بناء مستقبل علمي لمصر، وكانت مدينة زويل للعلوم هي حلمه الكبير، وقال ذات مرة لزملائه: أريد أن تكون معامل المدينة نسخة طبق الأصل من معامل معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا".
ومن جانبه، يقول الدكتور محمد ثروت حسن، الأستاذ المشارك في الفيزياء والعلوم البصرية بجامعة أريزونا الأميركية، لـ"الجزيرة نت": "بعيدا عن تلك الزيارة، دعنا نركز على السؤال العلمي الأهم: هل يمكن أن تقود أبحاث الدكتور زويل إلى تطوير أسلحة؟".
ويجيب: "قولا واحدا: لا". ثم يستطرد: "الدكتور زويل لم يطور تكنولوجيا الليزر، بل اعتمد على التقنيات المتاحة آنذاك لاستكشاف التفاعلات الكيميائية ودراستها".
ويشير الدكتور حسن إلى أن بدايات أبحاث الفيمتوثانية التي أجراها زويل تعود إلى أوائل الثمانينيات، حين حصل على منحة أتاحت له استخدام أحدث تقنيات الليزر المتوفرة في ذلك الوقت، وهو ما لم يكن متاحا له قبل هذا التاريخ، الأمر الذي حال دون تمكنه من تحقيق حلمه في رصد التفاعلات الكيميائية في زمن الفيمتوثانية.
ويضيف أن التكنولوجيا الوحيدة التي ساهم زويل في تطويرها بناء على أبحاثه، كانت "الميكروسكوب رباعي الأبعاد"، وهو نوع متقدم من المجاهر لا يكتفي بتقديم صور ثلاثية الأبعاد للعينات (الطول، العرض، العمق)، بل يضيف بعدا رابعا هو الزمن، ما يسمح برصد العمليات البيولوجية والكيميائية المعقدة لحظة بلحظة داخل الخلايا والجزيئات، ويؤكد أن هذا الإنجاز، الذي تحقق خلال الفترة من 2002 إلى 2006، لا علاقة له على الإطلاق بتطوير الأسلحة.
ويتأكد ما سبق بأنه لا توجد أي أبحاث منشورة، في قواعد بيانات الأبحاث المعروفة عالميا، باسم أحمد زويل في أي نطاق عسكري، كما أنه لم يرصد حضوره في أي من مؤتمرات هذه النطاقات، وهو غير معروف في أوساطها.
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال الدكتور علي عبده، أستاذ الهندسة النووية في الولايات المتحدة، إن تخصص زويل كان في الكيمياء، مع تركيزه الدقيق على تطبيقات الليزر في تصوير التفاعلات الذرية في الزمن الفيمتوثانية، والتي توسع لاحقا في استخدامها ضمن التطبيقات البيولوجية.
وأضاف: "كلنا نعلم أن التطبيقات العسكرية لتكنولوجيا الليزر، خصوصا في الصواريخ، تأتي في مراحل متقدمة ومختلفة تماما، فكيف وصل البعض إلى الجزم بأن الرجل ساهم في تطوير برنامج الصواريخ الإسرائيلي؟ وأين الدليل؟".
وتساءل عبده مستنكرا: "هل من المعقول أن تُشرك إسرائيل عالما عربيا، مصريا وطنيا، في برامجها العسكرية السرية بهذه السهولة؟"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ذاتها، تشترط على الباحثين في برامجها العسكرية التنازل عن أي جنسية أخرى، إلى جانب الحصول على تصاريح أمنية من أعلى المستويات، وهو ما اختبره شخصيا خلال تقدمه للعمل في مختبرات بحثية مثل لوس ألاموس وسانديا، حيث تم رفض طلبه بسبب هذه الاشتراطات الأمنية المعقدة.
وقال عبده أن زويل "قدم علما نافعا للبشرية، وتتلمذ على يديه عشرات الباحثين، وانتفع بنتائج أبحاثه ملايين البشر حول العالم"، لافتا إلى أنه كان من المؤسسين الأوائل لجامعة زويل، والتي رأى فيها مشروعا تعليميا ينافس أعرق المؤسسات البحثية في العالم.