في زحام الأضواء التي تسطع فوق القطبين، حيث يحكم الأهلي والزمالك قبضتهما على المشهد الكروي المصري، هناك نجوم اختاروا دربًا مختلفًا، طريقًا وعرًا لكنه أكثر نقاءً، بعيدًا عن ضجيج الديربي، وصخب الجماهير المنقسمة بين الأحمر والأبيض، هم أولئك الذين تحدّوا القاعدة، ورفضوا أن يكون المجد حكرًا على من ارتدى قميصي القلعتين، فكتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجلات الكرة المصرية دون أن يطرقوا أبواب الجزيرة أو ميت عقبة.
من ملاعب الأقاليم إلى المدرجات الصاخبة، من الفرق الطموحة إلى المنتخبات الوطنية، صعد هؤلاء اللاعبون درجات المجد بعرقهم، فجعلوا الجماهير تهتف لهم رغم غيابهم عن معترك القطبين، حملوا شرف التحدي، وواجهوا إرثًا ثقيلًا يربط النجاح بألوان بعينها، فكسروا القواعد وغيّروا المفاهيم، وأثبتوا أن النجومية لا تُصنع فقط في مصانع الأهلي والزمالك، بل قد تولد من شوارع المحلة، أو أسوار الإسماعيلي، أو على شواطئ الإسكندرية وبالقرب من ميناء بورسعيد، في شمال مصر وجنوبها، أو حتى بين جنبات أندية لم تعتد رفع الكؤوس، لكنها عرفت معنى صناعة الأساطير.
حسن الشاذلي.. أسطورة التهديف في الكرة المصرية
في أزقة روض الفرج وبين ملاعب الأندية الشعبية، انطلقت موهبة فريدة صُنعت بلمسات ذهبية وقدم لا تعرف سوى طريق الشباك. حسن الشاذلي، أحد أعظم هدافي الكرة المصرية، بدأ رحلته مبكرًا عندما التحق بنادي المستقبل الشعبي قبل أن يكمل عامه الرابع عشر، حيث كانت المواهب تُصقل في أجواء تنافسية خالصة، بعيدًا عن أكاديميات العصر الحديث.
انتقل الشاذلي إلى نادي الترسانة عام 1957، لينضم إلى فريق الشباب رفقة أسماء لامعة مثل مصطفى رياض وحرب الدهشوري ومحمود حسن. لم يكن مجرد لاعب عابر في صفوف الفريق، بل أصبح أيقونته الأبرز، إذ توج بلقب هداف الدوري المصري أربع مرات، وحقق رقمًا قياسيًا بإحرازه 34 هدفًا في موسم 1974/1975، وهي أعلى نسبة تهديف في تاريخ المسابقة.
مسيرته الدولية لم تكن أقل بريقًا، حيث يُعد الهداف الأول لمصر في بطولات كأس الأمم الأفريقية حتى نسخة أنجولا 2010، بعدما سجل 13 هدفًا في نسخ 1963 و1965 و1970. كما دوّن اسمه بأحرف من ذهب كأفضل هداف في نسخة 1963 التي استضافتها غانا.
ورغم أن مشواره كلاعب كان استثنائيًا، لم يكتفِ الشاذلي بذلك، بل استمر في خدمة الكرة المصرية كمدير فني للترسانة، حيث أعاد الفريق إلى الدوري الممتاز بعد غياب أربع سنوات، كما عمل محللًا رياضيًا في قناة النيل للرياضة، مقدمًا خبراته لجيل جديد من عشاق الكرة.
بإجمالي 176 هدفًا في الدوري المصري، وبطولة دوري واحدة، وكأسين مع الترسانة، ترك حسن الشاذلي إرثًا خالدًا، ليظل اسمه حاضرًا كلما ذُكرت أساطير التهديف في تاريخ الكرة المصرية.