رغم فوزه باكتساح بأحد مقعدي دائرة المنصورة في انتخابات مجلس النواب الأخيرة، أبدى النائب المنتخب رضا عبد السلام، أستاذ بكلية الحقوق ومحافظ الشرقية الأسبق، استياءه من النظام الانتخابي الحالي، مشددًا على أن نظام القوائم المغلقة والدوائر الواسعة يخدم فقط أصحاب المال السياسي، ويهمش إرادة المواطن في اختيار ممثليه.
وأضاف عبد السلام في حواره لـ«الشروق»، أن الدوائر الواسعة تحد من قدرة المواطن على الاختيار الواعي والتمييز بين المرشحين، داعيًا إلى العودة للنظام الفردي والدوائر الصغيرة كما كان الحال من قبل، باعتباره الأفضل تعبيرًا عن إرادة الناخبين وأكثر عدالة للمجتمع.
وأشار إلى أن التجربة الانتخابية الأخيرة كانت صعبة وغير مسبوقة بالنسبة له، معتبرًا أن العملية الانتخابية أصبحت عالمًا آخر يتطلب قدرة مالية كبيرة لمواجهة الضغوط والمنافسة غير المتكافئة، وهو ما دفعه إلى التحرك من أجل إصلاح النظام الانتخابي وضمان تكافؤ الفرص أمام جميع المرشحين.
بعد هذه التجربة الانتخابية، ما أبرز المشكلات التي واجهتك خلال الانتخابات؟
لا شك نحن بحاجة إلى تغيير القوانين المنظمة للانتخابات، سواء النظام الانتخابي أو قانون تقسيم الدوائر، وهذه الأطر القانونية تشكل عبئا كبيرا على المرشح ويجب مراجعتها، المنصورة مثلاً كان يمثلها في البرلمان ثلاثة نواب، الآن يمثلها اثنان فقط.
كما أن نظام القوائم المغلقة المطلقة وما يدور حولها، أدى في النهاية لما رأيناه في المرحلة الأولى من الانتخابات، التي دفعت رئيس الجمهورية للكتابة عن هذه المشكلة على "فيس بوك"، وتغير بعدها المشهد الانتخابي.
هل ترى أن نظام القوائم المغلقة لا يخدم المنافسة السياسية الحقيقية؟
بلا شك، فعندما تكون دائرة تساوي نصف مساحة مصر وتحدد لها مرشحين بلا منافسين، أين المواطن من الموضوع؟ أين صوت المواطن؟ وأتمنى العودة إلى النظام الفردي، والدوائر الصغيرة كما كانت من قبل، لأنه أكثر الأنظمة تعبيرًا عن المواطن.
كما أن النظام الحالي مع الدوائر الواسعة للمقاعد الفردية يجعل القادر ماديًا فقط هو الذي يتمكن من خوض الانتخابات، وهذه أمور مرهقة ماديًا تمّكن في المقام الأول أصحاب المال السياسي، رغم أن لدينا عقول جبارة مؤهلة لخدمة البلد.
وما تم في العملية الانتخابية أمر لم أعشه من قبل، صحيح أنا أستاذ بكلية الحقوق وكنت محافظا سابقا، لكن العملية الانتخابية نفسها وما يتم فيها ومن يتحرك فيها عالم آخر.
كيف تصف الفرق بين تجربتك كمحافظ سابق وتجربتك كمرشح في هذه الانتخابات؟
كنت محافظًا للشرقية أثناء انتخابات 2015، وقتها كنت رجل تنفيذي أطمئن على نظام اللجان وتيسير الإجراءات أمام الناخبين، لكن تجربتي كمرشح مختلفة تمامًا، حيث شهدت عن قرب أساليب الحشد واستخدام المال السياسي والضغوط، وأحيانًا استغلال حاجة البسطاء والفقراء وتوجيههم، بالإضافة إلى ضرب المنافسين وإطلاق الشائعات.
المواطن يعزف عن المشاركة لأنه يرى أن "أحمد زي الحاج أحمد"، وترشحي قلب المشهد الانتخابي بعدما كانت النتيجة شبه محسومة، والمشاركة الشعبية في المنصورة شهدت تحركًا كبيرًا، وكنت على وشك الفوز من الجولة الأولى، قبل أن أحقق انتصارًا باكتساح في الجولة الثانية، والمواطن "مش أهبل"، فبالرغم من استغلال شريحة صغيرة، فإن إرادة الأغلبية في النهاية هي من تحقق التغيير المنشود.
ما سبب قرارك بعدم الترشح مجددًا رغم فوزك باكتساح في دائرة المنصورة؟
لا أستطيع تحمل معاناة العملية الانتخابية مرة أخرى، لا صحيًا ولا بدنيًا ولا نفسيًا.
بجانب المال السياسي والشائعات، هل تعرضت لأي ضغوط أخرى خلال الانتخابات؟
إطلاقًا، للأمانة لم يتواصل معي أحد لمراجعتي في أي شيء، ولم أتعرض لأي ضغوط.
مع تدني نسب المشاركة، كيف ترى وعي المواطن المصري في العملية الانتخابية؟
هذه رسالة، المواطن يظل عازفًا عن المشاركة عندما يرى "أنها محصلة بعضها"، لكن رأينا في المنصورة، ودكرنس، وبلقاس، نماذج كثيرة شبيهة برضا عبد السلام، نجح زملاء كنت أدعمهم بشكل مباشر أو غير مباشر، وهم نماذج شابة واعدة جدًا.
وما حدث في هذه الانتخابات سيشجع الكفاءات على النزول والترشح في الانتخابات المقبلة، وخاصة مع تعديل القوانين المنظمة للانتخابات، وبالتالي المواطن سيرى أمامه الكفاءة ويساندها، وما فعله رئيس الجمهورية قلب الطاولة وغيّر المعادلة، وما قبل حديث الرئيس كان دمار شامل.
هل تعتقد أن المواطنين يختارون النواب بناءً على الدور الخدمي أم الدور التشريعي والرقابي؟
شريحة كبيرة تتكلم عن الدور الخدمي، ولا أحد ينكر أهمية النائب الخدمي حتى تقام المجالس الشعبية المحلية، وسيكون قانون الإدارة المحلية من أول القوانين التي سأعمل على التقدم بها في مجلس النواب لأنها تساعد النائب على ممارسة الدور التشريعي والرقابي، كما أن المجالس المحلية تقدم لنا كوادر مؤهلة لدورات مقبلة لمجلس النواب.
هل تنوي الانضمام إلى صفوف المعارضة في مجلس النواب الجديد؟
كلنا نواب عن الشعب، وأنا مواطن مصري، أمارس حقي الطبيعي، لو هناك أمور إيجابية سأثني عليها، ولو وجدنا سلبية نقف لها ونعالجها، ولا يمكن الحديث عن أغلبية أو معارضة، إلا إذا كان لدينا أحزاب قوية.
أين تخطط للجلوس داخل قاعة المجلس على اليمين، أم اليسار، أم الوسط؟
سأجلس دائمًا في وسط القاعة، فالوسط يتيح رؤية الصورة كاملة، كما قال الله في حكمه: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا'"، فالوسط دائمًا يتيح رؤية نصفي الكوب.
كيف تخطط لتعزيز حقوق أصحاب المعاشات واستثمار أموالهم بشكل أمثل؟
نحن في حاجة إلى تعديل قانون المعاشات، لكن الأهم متابعة أموال المعاشات، ومعرفة مجالات استثمارها بدقة، هذه الأموال التي تُستقطع من العمال والموظفين هدفها تأمين مستقبلهم، لكنها تعرضت للهدر قبل 25 يناير، وما زالت قيمتها اليوم متأثرة بالتضخم والأسعار والتعويمات.
ويجب البحث عن طرق استثمار أمثل لهذه الأموال في القطاعات الزراعية والصناعية بدل الاكتفاء بالاستثمارات التقليدية في شهادات الادخار، معتبراً أن الطريقة الحالية لا تحقق الهدف المرجو لأصحاب المعاشات.
وما أقوله حول استثمار أموال المعاشات ليس مجرد كلام نظري، ولدي طلاب أداروا معي رسائل دكتوراه ودراسات حول التجارب العالمية في هذا الملف، وأكبر صناديق الاستثمار في العالم هي صناديق المعاشات، مثل صندوق استثمار المعاشات الصيني وصندوق المعاشات النرويجي، ويجب الاستفادة من هذه النماذج لوضع آليات استثمارية فعالة في مصر لضمان حقوق أصحاب المعاشات وتعظيم عوائد أموالهم.
المصدر:
الشروق