في السنوات الأخيرة، بدأ شكل جديد من الدراما يفرض نفسه بقوة على الساحة الفنية، وهو ما يُعرف بـ«مسلسلات المايكرو دراما»، التي لا تتجاوز مدة الحلقة الواحدة منها خمس دقائق، وقد لا تزيد أحيانًا على دقيقة واحدة فقط، مستهدفة جمهور المنصات الرقمية التي باتت تستقطب ملايين المستخدمين يوميًا، مثل «تيك توك» و«إنستجرام» و«يوتيوب».
ويتميز هذا النوع من الأعمال بإيقاع سريع، وحبكات مكثفة، ونهايات صادمة تعتمد على عنصر التشويق في كل حلقة، بما يدفع المشاهد للانتقال مباشرة إلى الحلقة التالية دون تردد. وبعد نجاح التجربة على نطاق واسع في الصين وكوريا الجنوبية، بدأت العدوى تنتقل إلى دول عديدة حول العالم، من بينها مصر، التي تشهد حاليًا إنتاج أكثر من عمل ينتمي لهذا النوع من الدراما، في مؤشر على أنها لم تعد مجرد موضة عابرة، بل اتجاه جديد يواكب لغة العصر.
تُعد من أبرز هذه التجارب مسلسل المايكرو دراما «غرفة التحقيق»، الذي انتهى مؤخرًا تصوير موسمه الأول، ضمن مشروع ضخم يستهدف إنتاج 100 مسلسل. ويشارك في بطولته عمر السعيد، وإلهام وجدي، وتميم عبده، ومحمد نشأت، وهو من تأليف شادي عبد الله، وإخراج عمرو قورة.
وكشف المخرج عمرو قورة عن كواليس التجربة، مؤكدًا أن إنتاج مسلسل مايكرو دراما ليس بالأمر السهل كما يعتقد البعض، مشيرًا إلى أن من أهم الدروس التي خرج بها ضرورة التصوير باستخدام ثلاث كاميرات بدلًا من اثنتين، موضحًا أن الاعتماد على كاميرتين فقط تسبب في إهدار وقت كبير بسبب إعادة ضبط الإضاءة ونقل المعدات، وهو ما كان يمكن أن يوفر يوم تصوير كامل.
وأشار قورة إلى أن التصوير الرأسي (Vertical Format) يمثل تحديًا كبيرًا لصنّاع الصورة المعتادين على الفورمات الأفقي، كما أنه يقصر عرض العمل على منصات بعينها، ويغلق الباب أمام بيعه للقنوات الفضائية التي لا تزال تعتمد الصورة الأفقية.
وأكد أن كتابة حلقات قصيرة تنتهي كل واحدة منها بلحظة مشوقة تُعد من أصعب التحديات، خاصة مع كُتّاب اعتادوا الحشو والتطويل في المسلسلات التقليدية، لافتًا إلى أن بعض الفرق الفنية لا تزال تتعامل ماديًا مع المايكرو دراما بعقلية المسلسلات الرمضانية ذات الثلاثين حلقة.
وأوضح أن مشروع «100 مسلسل» يستهدف إنتاج مئة عمل خلال عام واحد، وهو ما يستحيل تنفيذه عبر فريق واحد، لذلك سيتم شراء بعض الأعمال من صنّاع شباب، مع تقديم تمويل جزئي للأفكار المتميزة، بشرط أن تكون مكتملة العناصر، وأن يمتلك صُنّاعها سيرة ذاتية تعكس الجدية والمهنية.
ومن التجارب الجديدة أيضًا مسلسل «خطوط عريضة»، الذي أعلن مخرجه بلال العربي عن عرضه مؤخرًا على إحدى المنصات الرقمية، وهو عمل يجمع بين الغموض والرومانسية، وتدور أحداثه داخل مكتبة غامضة تمتلكها «ليلى»، التي تعيش قصة حب سرية مع «عمر»، في ظل صراع مع رجل الأعمال «فؤاد بيه» الساعي لهدم المكتبة وتحويلها إلى مشروع استثماري.
المسلسل مكوّن من 50 حلقة قصيرة، تتراوح مدة الحلقة بين دقيقة ونصف وثلاث دقائق، وتم تصويره كاملًا بالفورمات الأفقي، في توجه جديد لتطوير الشكل البصري للدراما القصيرة العربية.
والعمل من تأليف يوسف الشريف، وإخراج بلال العربي، ومدير التصوير بيشوي عاطف، ويشارك في بطولته هبة سامي، وشامل عدلي، ومحمود التركي، ونزار المغربي، وخلود ياسر، وياسمين شربيني، وشعبان محمد، مع ظهور خاص للفنان أشرف فاروق.
كما أعلن المؤلف محمد سليمان عبد المالك خوضه هذه التجربة، من خلال الإشراف على كتابة مسلسل المايكرو دراما «احتلال»، الذي يشارك في بطولته مهيرة عبد العزيز، وعلاء عرفة، ومنة المصري، ومحمد نصر، ومحمود عبد الرازق، وأحمد ميشو، ومليكة محمد صلاح، وأحمد علي، وهو من سيناريو وحوار أنس النيلي، وإخراج صلاح طافش.
وفي تجربة مختلفة، جرى الإعلان عن مسلسل «1:45»، الذي يُعد أول مسلسل مايكرو دراما مدمج، يشارك في بطولته الفنان حمزة العيلي إلى جانب ممثلين من ذوي الهمم، في إطار درامي تشويقي حول جريمة قتل غامضة، يؤدي خلالها أبطال العمل من ذوي الهمم دورًا محوريًا في كشف الحقيقة.
وأكد المخرج محمد الأنصاري أن المسلسل لا يُعد مجرد عمل فني، بل تجربة إنسانية ومهنية تهدف إلى دمج ذوي الهمم بشكل حقيقي داخل الدراما، مشيرًا إلى أن «1:45» يمثل انطلاقة لسلسلة من مسلسلات المايكرو دراما ضمن مبادرة «مشروع حلم»، التي تسعى لصناعة محتوى قصير ومستدام يحمل قيمة فنية وإنسانية في آن واحد.
المصدر:
الشروق