حذر خبراء ودبلوماسيون فى الشأن الإفريقى من الاعتراف الإسرائيلى بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة، مشيرين إلى مخالفته للقانون الدولى وعدم احترام سيادة الدول.
فى حين أكدت مصر رفضها التام للإجراءات الأحادية التى تمس سيادة الدول ووحدة أراضيها، وأدانت بأشد العبارات اعتراف تل أبيب بما يسمى «أرض الصومال».
وأضاف الخبراء لـ«المصرى اليوم» أن هذا الاعتراف يهدد أمن المنطقة العربية وقارة إفريقيا بأكملها، ويفتح الباب أمام تفتيت دول أخرى فى القرن الإفريقى.
السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الإفريقية، قالت إن وجود دول معادية على مدخل البحر لا يعتبر تهديدًا للأمن القومى المصرى فقط، بل للأمن العربى كله، وإسرائيل دولة معادية، وتحالفها مع إثيوبيا، ومحاولة الأخيرة أكثر من مرة الحصول على منفذ بحرى عن طريق صوماليلاند فى مثل هذا التوقيت من العام الماضى، يمثل تهديدًا للأمن الإفريقى كله.
وأوضحت عمر أن الاعتراف بـ «صوماليلاند» يفتح الباب أمام تقسيم دول أخرى كالسودان وغيرها.
وعن الإجراءات التى ستتخذها مصر فى هذه الحالة، قالت عمر إننا دائمًا ما نلجأ إلى الحلول القانونية والدبلوماسية والمنظمات الدولية، ولا نلجأ إلى القوة الخشنة إلا فى حالة التهديد الصريح والمباشر، ولخطورة الموقف أصدرت مصر وجيبوتى وتركيا والاتحاد الإفريقى إدانات لما حدث تمهيدًا لطرحه فى مجلس الأمن، كما حدث مع إثيوبيا سابقًا.
وقالت أسماء الحسينى، الخبيرة فى الشأن الإفريقى، إن الخطوة الإسرائيلية خطوة فيها تحول نوعى فى السياسة الإسرائيلية لفرض نفوذها وتوسيعه، ليس فى المنطقة العربية وحدها، وإنما الآن فى القرن الإفريقى، مما يهدد مصالح الأمن القومى المصرى والعربى، ويجعل إسرائيل على مرمى حجر من مضيق باب المندب، وهو بوابة قناة السويس وبوابة البحر الأحمر.
وأضافت أن باب المندب مرتبط بالأمن القومى العربى، ووجود إسرائيل بالقرب منه يمثل تهديدًا لكل المصالح العربية على جميع الأصعدة.
وأوضحت أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو تحدث عن تعاون مع إثيوبيا فى الزراعة والصحة وفى مجالات اقتصادية عديدة، لكن الأهم هو التعاون الأمنى الاستخباراتى، وهذا أمر خطير للغاية. وعندما نتحدث عما يسمى بإقليم أرض الصومال والاعتراف الإسرائيلى به، فذلك يمثل تهديدًا لوحدة الصومال وسيادتها على أراضيها، وأيضًا للأمن فى القرن الإفريقى، وكذلك تهديد لوحدة الدول العربية والإفريقية، وانتهاك للأعراف والقوانين الدولية التى تمنع الاعتراف بأجزاء من الدول.
وأضافت أن هناك عدة محاولات إثيوبية من أجل الاستحواذ على ميناء فى أرض الصومال عبر الاتفاق معها العام الماضى، والذى تم مقاومته من قبل الصومال، ومن قبل العالم العربى والإفريقى، وأطراف دولية عديدة، والآن هناك محاولات أخرى لاختراق الموقف عن طريق إسرائيل، ويبدو أن التعاون بينهم فعلًا تعاون وثيق لمحاصرة مصر ومحاصرة الأمن القومى العربى.
وواصلت: أعتقد أن ذلك يلقى بمسؤولية كبيرة على مصر والسعودية باعتبارهما الدولتين الكبيرتين فى البحر الأحمر وفى العالم العربى، وعليهما تفعيل تعاون الدول المشاطئة للبحر الأحمر من أجل مقاومة المخططات الإسرائيلية الإثيوبية، خصوصًا أن إثيوبيا تريد أن يكون لها منفذ على البحر عبر إريتريا، مما ينذر بتفجر الأوضاع بين إثيوبيا وإريتريا وربما حرب وشيكة بينهما، لأن الأخيرة ستقاوم هذا أيضًا. وأعتقد أن الدول المشاطئة للبحر الأحمر، ومصر والمملكة العربية السعودية، عليهم قيادة موقف مهم جدًا للتصدى لهذه المخططات التى تستغل هشاشة وضعف الدول وتسعى للانفراد بها عبر اتفاقات مع أقاليم أو اعتراف بكيانات مزعومة.
من جانبها، قالت الدكتورة أمانى الطويل، الخبيرة فى الشأن الإفريقى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الاعتراف الإسرائيلى الذى تم هو اختراق للقانون الدولى، واستجابة للتحالف الإثيوبى الإسرائيلى، وتلبية للاحتياجات الإثيوبية فى إيجاد منفذ بحرى لها لأنها دولة حبيسة كما نعرف جميعًا.
وأضافت: «أعتقد أن هذا الاعتراف تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وتحت مظلة ضوء أخضر من جانبها، لأن هناك تحركات جمهورية داخل الكونجرس دعت فى شهر أغسطس الماضى إلى الاعتراف بدولة أرض الصومال، وهذا يحقق لكل من أمريكا وإسرائيل قدرة متزايدة على التأثير فى تفاعلات البحر الأحمر، خصوصًا على الصعيد الأمني».
وواصلت: «مجمل هذه المسائل تجعل هناك ضغوطًا على الأمن القومى المصرى، وعلى الأمن الخليجى بشكل عام، وخصوصًا المملكة العربية السعودية، كما أن المشكلة أن مثل هذا الاعتراف يفتح الباب على مصراعيه لفكرة تفتيت الدول وعدم الاعتداد بالحدود التقليدية التى أقرتها منظمة الوحدة الإفريقية دعمًا للدول الإفريقية الهشة أصلًا، فنحن أمام تطورات ليست فقط مرتبطة بأمن البحر الأحمر، ولكن أيضًا مرتبطة بالدولة الوطنية فى إفريقيا ومستقبلها.
أكدت مصر الرفض التام للإجراءات الأحادية التى تمس سيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها، وتتعارض مع الأسس الراسخة للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة».
وجددت مصر، فى بيان صادر عن وزارة الخارجية، إدانتها بأشد العبارات لاعتراف إسرائيل الأحادى بما يسمى «أرض الصومال»، باعتباره انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، ويقوض أسس السلم والأمن الدوليين، ويسهم فى زعزعة الاستقرار فى منطقة القرن الأفريقى.
وشددت على رفضها التام للاعتراف بأى كيانات موازية أو انفصال بطرق غير شرعية وغير قانونية، مؤكدة دعمها الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضى الصومالية، اتساقًا مع مبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، رافضة أى إجراءات أحادية من شأنها المساس بالسيادة الصومالية أو تقويض أسس الاستقرار فى البلاد.
وأشعل إعلان إسرائيل الاعتراف بإقليم أرض الصومال باعتبارها «دولة مستقلة ذات سيادة» موجة غضب واسعة فى الأوساط الإفريقية والعربية والإسلامية، وسط تحذيرات من أن الخطوة تمثل بؤرة جديدة مرشحة للاشتعال فى منطقة القرن الإفريقى، وتهديدًا مباشرًا لوحدة الدولة الصومالية واستقرار الإقليم.
وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى، محمود على يوسف، عن قلقه البالغ إزاء التطورات الأخيرة المتعلقة بإقليم صوماليلاند، مشددًا على أن هذه التطورات تثير مخاوف جدية تتطلب الالتزام الصارم بالمبادئ المؤسسة للاتحاد الإفريقى.
وحذر من أن الاعتراف بأى كيان انفصالى قد يؤدى إلى إرساء سابقة خطيرة، ستكون لها تداعيات بعيدة المدى على الأمن والسلام والاستقرار فى مختلف أنحاء القارة الإفريقية، بما يهدد جهود التكامل الإقليمى ويقوض الاستقرار السياسى فى الدول الأعضاء، وجدد التزام الاتحاد الراسخ بوحدة الصومال وسيادته وسلامة أراضيه، مؤكدًا الدعم الكامل للاتحاد الإفريقى للجهود التى تبذلها السلطات الصومالية من أجل ترسيخ السلام، وتعزيز مؤسسات الدولة، ودعم الحوكمة الشاملة، بما يسهم فى تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة فى الصومال والمنطقة بأسرها.
وأعربت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامى عن إدانتها ورفضها القاطع لاعتراف إسرائيل، قوة الاحتلال، بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة، معتبرة ذلك انتهاكًا لسيادة الصومال ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها.
وأكد الدكتور محمد تورشين، الخبير فى الشؤون الأفريقية، أن الاعتراف الإسرائيلى بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة ستكون له تداعيات كبيرة ومعقدة على أمن واستقرار القرن الإفريقى.
وقال تورشين لـ«المصرى اليوم» إن هذه الخطوة قد تدفع أطرافًا أخرى للاعتراف بالإقليم، وفى المقابل قد تشجع قوى دولية فاعلة على دعم الحكومة الصومالية فى مقديشيو، ما قد يقود إلى صراع عسكرى واسع لإخضاع الإقليم باعتباره خارجًا عن السيادة المركزية.
المصدر:
المصري اليوم