بينما يودّع العالم العربي «فيلسوف السينما» داوود عبد السيد، تعود إلى الواجهة قصة فيلمه الأخير الذي لم يُكتب له الخروج إلى النور؛ مشروع سينمائي حمل اسمًا بسيطًا ومكثفًا هو «حب»، لكنه انطوى على طموح فني كبير كسر به عبد السيد الكثير من التوقعات، لا سيما بعدما رشّح الفنان محمد رمضان لبطولته.
وفي حوار سابق مع جريدة «الشروق»، كشف الراحل داوود عبد السيد كواليس هذا الاختيار، الذي أثار جدلًا واسعًا وقتها، مؤكدًا أن نظرته لمحمد رمضان لم تكن نابعة من نجوميته الشعبية، بل بدأت منذ أن شاهده في دور صغير بفيلم «احكي يا شهرزاد».
وقال عبد السيد آنذاك: «أنا مخرج أحترم عملي وأبحث عن الأنسب. محمد رمضان فنان موهوب ورائع، ويمتلك المواصفات الشكلية والعمرية التي يتطلبها بطل فيلمي الجديد، وأي مخرج يحترم فنه يسعى لاختيار الأفضل». وكان يرى في رمضان «خامة تمثيلية» استثنائية، بعيدة عن القوالب الاستهلاكية التي حُصر فيها لاحقًا.
لم يكن داوود عبد السيد متحفظًا على إعلان محمد رمضان عن المشروع مبكرًا، بل اعتبر ذلك حقًا طبيعيًا للممثل الذي يبدأ مرحلة جديدة مع مخرج ذي ثقل فني. غير أن العقبة الحقيقية تمثلت في أزمة الإنتاج، إذ شبّه عبد السيد علاقته بالمنتجين بـ«علاقة الزواج»، مؤكدًا أنه كان يبحث عن منتج يؤمن بالعمل ولا يعكّر صفو التجربة الفنية بصراعات مادية خلال التصوير.
وأوضح أن حسم اسم بطل الفيلم كان خطوة أساسية قبل التعاقد مع المنتج، لأن اختيار البطلة وبقية فريق العمل يعتمد بالأساس على حالة «الانسجام» التي كان يوليها أهمية قصوى داخل مواقع التصوير.
وردًا على التساؤلات حول اسم الفيلم، أكد عبد السيد أنه اختار كلمة «حب» لتفردها وبساطتها، رغم إدراكه أنها قد لا تحمل الإغراء التجاري المعتاد. ونفى تمامًا وجود أي صلة بين مشروعه والفيلم البلجيكي الشهير Amour، مشددًا على أن «حب» كان فيلمًا واقعيًا يتناول العاطفة الإنسانية بصورة مغايرة وصعبة الوصف، بعيدة عن الرومانسية النمطية التي اعتادها الجمهور.
توقف مشروع «حب» بسبب العثرات المادية وضيق أفق بعض جهات الإنتاج التي كانت تتحفظ على المغامرات الفكرية لعبد السيد، ليبقى هذا الفيلم حلمًا غير مكتمل، و«غصة» في قلوب محبي السينما الجادة، وفرصة ضائعة لمشاهدة محمد رمضان بعيون «الفيلسوف» داوود عبد السيد.
المصدر:
الشروق