في قلب محافظة الفيوم، داخل مصنع الغزل والنسيج بغرب العزب، لا تُنسج الخيوط وحدها، بل تُنسج معها قصص نساء استطعن تحويل الدعم إلى عمل حقيقي وحياة كريمة.
فقد لعبت وزارة التضامن الاجتماعي دورًا محوريًا في هذا التحول، من خلال توفير الدعم الفني والمادي وإعادة تشغيل المصنع بالشراكة مع قطاع الأعمال والمجتمع المدني، ليصبح مساحة حقيقية للتمكين الاقتصادي.
هنا، يتحول الدعم النقدي الذي كان يُقدَّم للمستفيدات سابقًا إلى فرص عمل منتجة ودخل مستدام، وماكينة الخياطة لم تعد مجرد أداة عمل، بل بوابة للاعتماد على الذات، ومسار للخروج من دائرة الاحتياج إلى الثقة بالنفس والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وتستعرض عدسة “الفجر” قصص السيدات خلال التقرير التالي:
نورهان.. ماكينة الخياطة بوابة الكرامة
تجلس نورهان أمام ماكينة الخياطة بثبات لافت.
تتحرك يداها بخبرة لم تكن تمتلكها يومًا، لكنها اكتسبتها مع الوقت، غرزة بعد غرزة، وتجربة بعد أخرى.
تحكي نورهان عن بدايتها قائلة: «أول ما جيت هنا مكنتش فاهمة حاجة، بس واحدة واحدة بدأت أتعلم، ومع الوقت بقيت أعرف أشتغل كويس».
لم تكن التجربة مجرد عمل بالنسبة لها، بل مدرسة حقيقية.
تعلّمت غلق البنطلونات، وتركيب السوست، والأساور، والكمّ، وكلها مهارات لم تكن تتخيل يومًا أنها ستتقنها.
وتضيف بفخر: «اتعلمنا هنا حاجة مفيدة، حتى لو سيبنا المكان في يوم من الأيام، نكون خرجنا بحاجة بجد».
الأثر لم يتوقف عند حدود المصنع، بل امتد إلى حياتها اليومية، إذ باتت قادرة على العمل من المنزل إذا أُتيحت لها الفرصة.
وبين صوت الماكينات وحلم الاستقرار، تختصر نورهان طموحها في أمنية واحدة:
«نفسي أفضل هنا على طول».
شهد عصام.. حين تصبح الإرادة أقوى من الإعاقة
داخل المصنع، تبرز قصة شهد عصام، 21 عامًا، من ذوي الإعاقة الحركية، كواحدة من أكثر الحكايات إلهامًا.
ولدت شهد بإعاقة لم تمنعها من الحلم، وكانت من بين المستفيدات من برنامج «كرامة»، لكنها لم تتوقف عند حدود الدعم النقدي، فالتحقت بالعمل عقب حصولها على دبلوم فني.
تقول بابتسامة هادئة: «نفسي أساعد أهلي.. ومبسوطة بشغلي».
تتقاضى شهد راتبًا شهريًا يبلغ 4500 جنيه، إلى جانب الدعم، لكنها تؤكد أن العمل منحها ما هو أهم من المال: «الفلوس مهمة، بس الأهم الأمان النفسي، وإحساس إن ليّا قيمة».
داخل المصنع، كوّنت صداقات، وأصبحت جزءًا من مجتمع يشعر فيه الجميع بأنهم شركاء لا أرقام.
قصة شهد تجسد معنى الدمج الحقيقي، حين تتحول برامج الدعم إلى نقطة بداية، لا نهاية الطريق، في شراكة واضحة بين وزارة التضامن الاجتماعي وقطاع الأعمال العام والمجتمع المدني.
هبة.. العمل مساحة للأمل قبل أن يكون أجرًا
منذ نحو عام، تعمل هبة داخل المصنع، وتؤكد أن أول راتب حصلت عليه لم يكن مجرد دخل، بل بداية لتغييرات صغيرة صنعت فارقًا كبيرًا في حياتها.
تحكي بابتسامة: «أول مرتب احتفلت بيه على طريقتي… عملت أكلات عمرى ما جربتها قبل كده».
بالنسبة لهبة، لم يكن الأثر ماديًا فقط، بل نفسيًا واجتماعيًا أيضًا.
الصحبة اليومية، والدعم المتبادل بين العاملات، حوّل المصنع إلى مساحة أمل وانتماء، قبل أن يكون مكانًا للعمل.
دعاء.. كفاح امرأة تبحث عن الأمان
دعاء تيمور، 34 عامًا، تحمل حكاية مختلفة.
فقدت والدتها، وانفصلت عن زوجها، لتجد نفسها في مواجهة الحياة وحدها.
تعمل دعاء في مصنع الغزل منذ سنوات، ورغم التزامها بالعمل، تؤكد أن الراتب لا يكفي لتوفير مسكن آمن.
تقول بصوت مثقل بالتجربة: «مش عايزة حاجة كبيرة.. نفسي في شقة بسيطة أعيش فيها بكرامة».
دعاء لا تطلب رفاهية، بل حقًا أساسيًا في السكن الآمن، وتناشد المسؤولين، خاصة محافظ الفيوم، لمساندتها.
قصتها تفتح ملف النساء العاملات اللواتي يواجهن تحديات مزدوجة بين العمل والظروف المعيشية، لكنها تظل نموذجًا للإصرار وعدم الاستسلام.
أمل.. أول راتب وأول شعور بالاستقلال
في سن 23 عامًا، تخوض أمل حسن تجربتها الأولى مع العمل.
قبل تسعة أشهر فقط، التحقت بالمصنع برفقة صديقاتها، لتبدأ رحلة الاستقلال.
تبتسم وهي تتذكر أول راتب حصلت عليه، وكان 800 جنيه فقط، أنفقته بالكامل على الحلويات.
تقول ضاحكة «مكنش المبلغ كبير، بس الإحساس كان كبير».
بالنسبة لأمل، لم يكن المال هو المكسب الحقيقي، بل الشعور بالقدرة على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية، وكأنها أعلنت بداية مرحلة جديدة من حياتها.
سهر وآمال.. العمل سند للأسرة
سهر عويس، 23 عامًا، التحقت بالمصنع منذ ستة أشهر بعد أن دلتها صديقتها على العمل.
لم تكن تتوقع أن يمنحها هذا القدر من الثقة، لكنه فتح أمامها باب الاعتماد على النفس.
أما آمال جمعة، فكان لراتبها الأول طعم مختلف، إذ خصصته لتجهيز ابنتها للزواج.
تقول إن تلك اللحظة جعلتها تشعر بقيمتها الحقيقية داخل أسرتها، مؤكدة أن كل جنيه حصلت عليه كان مسؤولية قبل أن يكون مالًا.
شيماء.. من الخياطة المنزلية إلى الاحتراف
قبل التحاقها بالمصنع، كانت شيماء، 22 عامًا، تعمل من منزلها في الخياطة، بدخل غير مستقر ولا أمان وظيفي.
خلال ستة أشهر فقط داخل المصنع، تحولت إلى عاملة محترفة تتقن جميع مراحل الإنتاج الصناعي، من أول قطعة وحتى خروجها مطابقة لمعايير الجودة.
تقول بثقة:
«الشغل هنا غير البيت خالص.. إحساس إنك جزء من منظومة كبيرة فرق معايا جدًا».
وتضيف بابتسامة: «المرتبات الحمد لله بقت مكفّياني».
داخل مصنع غزل الفيوم، لا تُروى قصة واحدة، بل عشرات القصص التي تؤكد أن الشراكة بين وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة قطاع الأعمال العام والمجتمع المدني قادرة على تحويل الدعم إلى تمكين، والعمل إلى كرامة، والفرص إلى مستقبل يُصنع بالأيدي.
المصدر:
الفجر