بالصور التذكارية والدموع، ودّع العاملون في مجلس النواب المبنى التاريخي بوسط القاهرة، بعد سنوات طويلة من العمل داخل جدران شهدت ميلاد الحياة البرلمانية في مصر منذ أكثر من 160 عامًا. ينهي مجلس النواب، اليوم الخميس، إجراءات الانتقال النهائي من مبنى وسط القاهرة إلى المبنى الجديد في العاصمة الإدارية الجديدة ليبدأ الفصل التشريعي في يناير المقبل من مقره الجديد.
ساعة على الطراز الأوربي في متحف مجلس النواب
كان المبنى التاريخي بوسط القاهرة شاهدًا على ميلاد الحياة البرلمانية في مصر، وصياغة الدستور المصري على يد لجنة وضع الدستور، وانعقاد البرلمان داخل القاعة المستديرة التي احتضنت جلسات نواب الشعب منذ عام 1924 وحتى آخر جلسة عامة للمجلس في أكتوبر الماضي.
مجسمات ولوحات لزعماء ورؤساء مصر
يجمع المبنى بين الأساليب المعمارية الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وفنون العمارة الإسلامية. ويشتهر بالقاعة المستديرة التي تعلوها قبة يتوسطها جزء مستدير مغطى بالزجاج، ويعلوها شخشيخة عليها قبة صغيرة منخفضة.
صورة تذكارية لرئيس لجنة دستور ١٩٢٣ وأعضاء لجنة الثلاثين
اتبع المعماريون الذين أسسوا هذا المبنى قواعد هندسية ملائمة للعمل البرلماني، فعكس الشكل الدائري المساواة بين جميع الأعضاء، وأتاح لهم سهولة التواصل والحوار والمنقاشات، كما أن الشكل الدائري يُظهر توازن القوى بين مختلف الأطراف.
الملك فؤاد الاول على كرسي العرش في البرلمان وكلمته في افتتاح الدورة البرلمانية
يُعد متحف مجلس النواب المصري واحدًا من أهم المتاحف الوثائقية في مصر، إذ يجمع بين التاريخ البرلماني الوطني والتراث السياسي عبر العصور، وأُنشئ المتحف لتوثيق مسيرة الحياة النيابية المصرية منذ نشأتها عام 1866 وحتى اليوم، مع إبراز التراث التشريعي المصري عبر مختلف الفترات التاريخية.
ومن أبرز مقتنيات المتحف كرسي العرش الذي كان يجلس عليه الملك أثناء افتتاح الجلسات البرلمانية في عهد الملك فؤاد والملك فاروق عام 1924م، وكذلك العربة الملكية المهداة من نابليون الثالث إلى الخديوي إسماعيل في حفل افتتاح قناة السويس، والتي استخدمها الملك فؤاد والملك فاروق في الحضور من قصر عابدين إلى البرلمان مع بدء الدورة البرلمانية الجديدة كل عام.
كرسي العرش
يتكون المتحف من قاعتين، تضم القاعة الأولى مقتنيات تاريخية متعددة العصور تمتد من العصر الفرعوني مروراً بالعصور الإسلامية وصولاً إلى العصر الحديث، من ضمنها نماذج من التشريعات والقوانين القديمة ووثائق تاريخية خطية.
محاضر جلسات مجلس شورى القوانين في القرن التاسع عشر
أما القاعة الثانية، تركز على تطور الحياة البرلمانية المصرية منذ بدء تأسيس أول برلمان منتخب، وتحتوي على وثائق ومضابط جلسات يرجع بعضها إلى أواخر القرن التاسع عشر، منها أقدم وثيقة برلمانية تعود إلى تأسيس مجلس شورى النواب عام 1866، بالإضافة إلى وثائق ومضابط جلسات تُظهر تطور العمل النيابي والمناقشات البرلمانية، مثل محاضر لجنة وضع الدستور عام 1922، ووثيقة لأول استجواب في تاريخ الحياة النيابية المصرية، قدمه النائب أحمد المليجي في 20 أبريل 1924 بشأن تعطل جريدة اللواء.
أول مضبطة للجمعية التشريعية في عهد الخديوي عباس حلمي
دستور ١٩٢٣ ومحاضر جلسات لجنة الثلاثين
اول استجواب برلماني قدمه النائب أحمد.المليجي بشأن تعطل جريدة اللواء
كما يضم المتحف صورًا تاريخية مثل الصورة التذكارية لأعضاء لجنة الثلاثين التي وضعت دستور 1923 التي ترأسها حسين رشدي باشا بتكليف من رئيس رئيس الوزراء حينها، عبد الخالق ثروت، بخلاف صور لجميع رؤساء مجلس النواب، وزي التشريف الملكي لرئيس مجلس النواب عبد السلام فهمي جمعة باشا آخر رئيس لمجلس النواب قبل ثورة 1952، فضلًا عن مجسمات لعدد من الرموز والزعماء بدءًا من محمد علي باشا وإبراهيم باشا، مرورًا بأحمد عرابي، وسعد زغلول، وجمال عبد الناصر، ومحمد أنور السادات، وانتهاء بمحمد حسني مبارك.
مع الاستعداد لمغادرة المجلس، مازال المتحف باقيًا في المبنى التاريخي حتى الآن، فيما جرى تفريغ محتويات الغرف ونقل عدد من اللوحات التي تزين المكاتب والطرقات لنقلها للمبنى الجديد في العاصمة الجديدة ليبدأ العاملون في المجلس مرحلة جديدة من العمل البرلماني في مقر أكثر حداثة، مع أمل الحفاظ على ذاكرة المكان العريق الذي سيظل شاهدًا على تاريخ نيابي ممتد، ومرجعًا يوثق محطات التشريع والسياسة في مصر عبر أكثر من قرن ونصف القرن.
تغليف التماثيل حول القاعة المستديرة تمهيدا لمغادرة المبنى
تفريغ محتويات مكاتب سكرتارية رئيس المجلس
تغطية الأثاث في قاعات الاستقبال
المصدر:
الشروق