صفاء الليثى تكتب: الست الكمّل بنت السنبلاوين..منى زكى عظمة يا ست

منذ

لم يكن المشهد الافتتاحي في فيلم الست بداية فقط بل يعود إليه السرد في لحظات مفصلية بشكل موجز لتذكيرنا بهذه القوة المضاعفة للشخصية الساحرة الست سومة، وهوس الجماهير بها ، قوة الشخصية عبر مواقفها وقوة الغناء من أجل الوطن، عصب الفيلم هو هذا المدخل القوي والذي تستعرض فيه موسيقى هشام نزيه ومونتاج أحمد حافظ الحدث المهم، يصبح شريط الصوت بتداخل النغمات الموسيقية لأغنية ( انت عمري ) مطلعها فقط قبل أن تسقط سومة وقبلها الصقفة التنظيمية لزعيمة الغناء سومة .. سومة، مظاهرة حب في عشق الصوت الذي يشبه مصر(وهذا عنوان فيلم وثائقي عن أم كلثوم شاهدناه منذ عدة سنوات لمخرجة أمريكية ومصور مصري، أم كلثوم صوت يشبه مصر ) وها هي من أجل مصر تغني لجمع تبرعات للمجهود الحربي قي حفل بباريس. وبعد السقوط يحكي طفولة القروية في السنبلاوين مع الشيخ الوالد وهي بلباس الصبي حماية من المجتمع.

قصة نعرفها كما نعرف كل المحظات التي اختار الكاتب أحمد مراد أن يحكيها في فيلم المخرج مروان حامد. كل هذه الحكايات عن النشأة واختيار اصرار الوالد على تكملة الغناء تحت العاصفة احتراما للقمة العيش. الصدام مع النقلة الحضارية في العاصمة ومشهد تحررها من ملابس الصبي لتتحول إلى الآنسة أم كلثوم ولمسة أمينة خليل بمساعدتها على اختيار ملابس تنتهي بغطاء رأس أنيق معبر عن الفترة. لتصبح الآنسة أم كلثوم كما عرفتها الصحافة ومثل صورتها على الأسطوانة. شيطان الفن يكمن في التفاصيل، وهذه اللمحة وثقت التحول بشكل جميل.

أغلبنا يعرف هذه الحكايات عن النشأة وعن قوة تصرفها أكد الفيلم مواجهتها للأب ورفضها تعنيقه. معارضة الملكة الأم، وعلاقتها بشاعر أغانيها أحمد رامي وعشق القصبجي ملحن رائعة مدام تحب بتنكر ليه، علاقتها بثورة يوليو ، عبد الناصر والثورة وصولا للغناء للمجهود الحربي.

الوحدة المشهدية التي تبدأ بتلقيها أمر للغناء في حفل مجلس قيادة الثورة ومع ضيق الوقت تأتي الأغنية لتكون ( مصر التي في خاطري وفي فمي) عندها حبست دموعي وأحسب أن كثيرين مثلي تأثروا بنفس القدر. المحبون مثلي للثورة وعبد الناصر يعرفون أنها كانت أوامر وأنها أيضا تقديرا لقيمة أم كلثوم وفنها.

نعم غنت بالأمر بعد أن شكك الصغار في قيمتها وحاولوا وضعها في خانة العهد البائد. وصولها إلى قرارها الغناء في جولات داخل مصر وخارجها وجمع التبرعات للمجهود الحربي دعما لجيش مصر. هي فلاحة مصرية عبرت موهبتها الأنظمة ونؤكد ولاءها لمصر وشعبها قبل وبعد الثورة. المحطات التي اختارها صناع العمل لدعم بناء الشخصية الموهوبة الذكية القائدة الأصيلة ، المحبة لوطنها وافتخارها بأصولها وجذورها الفلاحية .

لم يرد بالفيلم ما يشبه الملخص لأغنياتها الشهيرة فيما يمكن أن تجده في مسلسل متعدد الحلقات. تكررت جملة غنائية ( يا حبيبي ، ياه حبيي) تعبر وكأنها قادمة من عمق الوجدان غير مرتبطة بزمن غناها، قد نسمعها مع مشهد جرى في الأربعينيات، قبل أن تغنيها أم كلثوم بسنوات، فيلم كهذا أخذ شكله النهائي في مراحل ما بعد التصوير، في المونتاج ومع مزج الأصوات، بناء فني للمخرج موظفا فنون السينما في المونتاج ومزج الأصوات ليكمل صهر المشاهد في بوتقة فنية تشرح مضمون المشهد وتعلق على الحدث.

مقطع الغناء وكأنه آت من هذه الروح القلقة التي تحلم بالحب، وتبعد الزواج الذي تخشى أن يؤثر على حلمها بغناء ألف أغنية وأغنية. مثل كثيرين من جيلي أستمع إلى غناء أم كلثوم الذي يبدأ في الإذاعة الحادية عشر مساء ولا يأتي النوم قبل لك، أترك اختيار الغنوة لبرنامج الإذاعة الذي يذيعها مع تقديم جلال معوض كمشهيات قبل وجبة الغناء، التقديم الذي أصرت على وجوده في حفل أوبرا باريس وكان مديرها اعترض على وجوده من بين ما اعترض، وظفه مروان حامد في المشهد الافتتاحي الذي وثق ولخص كل عناصر فن أم كلثوم بكل ما حوله، سبيكة ذهبية من ابداع وتلقي، فن الغناء وهوس الاستقبال وحميمية هذا الارتباط بين مطربة وجمهورها.

وثق الفيلم دون قصد لكل نجوم الفترة الحالية الذين شارك بعضهم في مشهد وحيد، آسر يس سكير أرستقراطي سخر منها وهي تغني في ملهى ليلي، أحمد حلمي ضابط تحقيق بعدما أصبحت أم كلثوم، مشهد ناسب الكوميديا التي نعرفه بها وكان ظريفا، محمد فراج قدم أداء رائعا لأحمد رامي متخلصا بقيادة مروان حامد من حركات جسدية لازمته، نيللي كريم الملكة أم الملك فاروق وغيرة نسائية وتعالي طبقي متوقع. تعلمت ألا أحاسب عمل على ما ليس موجودا به فلم أسأل أين السنباطي ومحمد عبد الوهاب، أين بليغ وجيهان السادات؟ احترمت اختيارهم وأجدهم موفقين في انتقاء حكايتهم عن الست، الست بأداء منى زكي أسطورة صنعت مجدها الباقي مهما مضت السنوات.