آخر الأخبار

د. سحر الحسينى تكتب: سعاد حسنى بخط يدها عن أنثى كتبت خوفها وشغفها ووحدتها

شارك

ليست كلُّ الحكايات عن سعاد حسني تُروى، بعضها يُكتب بخطّها، بخطٍّ مُرتعش كقلبٍ يدوّن ذاته قبل أن تغمره العتمة، ولأن الخطّ هو الأثر الأصدق، جاءت الصحفية ولاء جمال لتُعيد ترتيب الضوء حول «السندريلا» بعيون الباحثة عن الحقيقة، لا المتلصّصة على الأسطورة.

مصدر الصورة

مصدر الصورة

وفي الطبعة الثانية من كتابها “ سعاد حسني بخطّ إيدها”، الصادرة عن دار بتانة للنشر، تمسك ولاء بمفاتيح جديدة لوطنٍ عاطفيٍّ اسمه سعاد في زمنٍ تتكدّس فيه الحكايات دون سند، يعود الكتاب كوثيقة نادرة تجمع بين التحقيق الصحفي والاعتراف الإنساني.

ولاء جمال لا تقدّم سعاد كأيقونة زمن جميل، بل كأنثى كتبت خوفها وشغفها ووحدتها، تفتح دفاترها لتجد في الحروف ارتباكًا شفيفًا، ضحكة مختبئة خلف الوجع، وجملة كتبتها بخطٍّ طفولي تقول فيها: «أنا مش عارفة أعيش زي الناس العاديين». وتتوقف ولاء هنا طويلًا، لا لتُفسّر، بل لتمنح القارئ لحظة صمتٍ يفهم فيها أن النجوم أيضًا ترتجف.

انفراد من نوعٍ آخر

في هذه الطبعة الثانية، تكشف ولاء جمال عن وثائق ورسائل جديدة بخطّ يد سعاد حسني ، لم تُنشر من قبل. رسائل تُضيء مناطق كانت غامضة في حياتها، وتفاصيل يومياتها في سنوات العزلة الأخيرة، حيث يتحوّل الحبر إلى مرآة. ولاء لا تلهث وراء الإثارة، بل وراء الحقيقة: كيف كانت سعاد تفكّر؟ كيف تكتب لنفسها حين لا أحد يسمعها؟


إنها انفراد لا يقوم على سبقٍ صحفي، بل على سبقٍ إنساني نادر في صحافتنا الثقافية.

مصدر الصورة

سعاد الإنسانة.. لا الظلّ على الشاشة

ما يفعله الكتاب لا يقلّ عن إعادة تعريف سعاد حسني فهو لا يستدعيها كصوتٍ أو وجه، بل كذاكرة مكتوبة بخطّ امرأة عاشت بين الضوء والظل، وظلّت تبحث عن معنى.


كل صفحة من هذا الكتاب تقترب من تلك «اللحظة الخفيّة» التي لم ترها الكاميرا قطّ:حين كانت تكتب لا لتُقرأ، بل لتتخلّص من ثقل قلبها. وهنا تُحسن ولاء جمال الإصغاء — لا تتحدّث باسمها، بل تتركها تتحدّث بخطّها. ربما لم تكن سعاد تدرك أن ما تكتبه سيُنشر يوماً، لكنها كانت تدرك أن الكتابة هي شكل من أشكال النجاة.


ولاء جمال تفهم ذلك، وتقدّمه بصدقٍ واحتفاءٍ نادرين. تتعامل مع أوراقها كوثائق حياة، لا كمادة تسويقية. ولذلك تشعر وأنت تقرأ أنك تجلس قرب سعاد، تسمع صوتها، وتشمّ رائحة الورق الذي خبّأته عن العالم.

مصدر الصورة

بين ولاء وسعاد.. أنوثتان تفهمان الصمت

الجميل في تجربة ولاء جمال أنها لم تُحاكم سعاد، ولم تبتزّ وجعها، بل آمنت أن المعرفة تُبنى على الرفق، ولأنها صحفية تعرف حدود الضوء، فقد اختارت أن تكتب بضمير الباحثة لا بفضول المتفرّجة، بهذا الحسّ، تحوّل الكتاب من سيرةٍ عابرة إلى وثيقة وجدانية، تضع القارئ في مواجهة امرأة كتبت نفسها قبل أن يكتبها أحد.


«سعاد حسني بخطّ إيدها» ليس كتاباً فقط، بل بوحٌ مؤجّل خرج من درج الذاكرة ليعيد ترتيب صورة فنانة كانت أكبر من أدوارها وأعمق من شهرتها. ولاء جمال، في انفرادها هذا، لا تُعيد لنا سعاد كما نعرفها، بل كما لم نعرفها من قبل: هشّة، صادقة، تكتب لتعيش. وفي هذه الطبعة الثانية، يبدو أننا لا نقرأ سعاد… بل نسمعها وهي تهمس إلينا من بين السطور.

مصدر الصورة
ولاء جمال


شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا