أعلن الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، عبر كلمة مسجلة، خلو جمهورية مصر العربية -رسميًّا- من مرض «التراكوما» كمشكلة صحية عامة.
ووجَّه تيدروس تهنئة خاصة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، وصف خلالها هذا الإنجاز بأنه «تاريخي ويُضاف إلى سجل مصر الحافل بخلوها من الأمراض» وقد تحقق من خلال استراتيجية وطنية شاملة، تضمنت: تنفيذ حملات علاجية واسعة النطاق، تحسين الظروف البيئية والصحية، خاصة في المناطق الريفية، برامج توعوية مكثفة.
أسفرت هذه الجهود مجتمعة عن انخفاض معدلات الإصابة بالمرض إلى أقل من 5% بين الأطفال، وهي النسبة التي تؤهل للحصول على شهادة الخلو من المرض كأحد مشكلات الصحة العامة.
بدوره، أكد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، أن هذا الإنجاز يمثل «نقطة تحول في مسيرة الصحة العامة المصرية، وهو دليل ساطع على قوة الشراكة الدولية والفعالية في العمل المشترك لتحقيق الأهداف الصحية العالمية».
يذكر أن مرض التراكوما كان يصنف سابقًا من بين الأسباب الرئيسية للإصابة بالعمى في مصر.
ومصر هي سابع بلد في الإقليم ينجح في تحقيق هذا الإنجاز، ليصبح بالتالي إجمالي عدد البلدان التي تخلصت من التراخوما بوصفها من مشاكل الصحة العامة في جميع أنحاء العالم 27 بلداً عقب التصديق على هذا الإنجاز الكبير الذي حققته مصر.
وقال المدير العام للمنظمة: "أهنئ مصر على تحقيقها لهذا الإنجاز وتخليص شعبها من التراخوما، فهو دليل على الدور القيادي الوطني الفاعل والمُستدام، والرصد الفعّال، ومشاركة المجتمع في القضاء على مرضٍ عانى منه البشر منذ القدم".
أوضحت المنظمة أنه رغم نجاح مصر في تحقيق هذا الإنجاز، فما زالت التراكوما تمثل مشكلة صحية عامة في 30 بلداً، فهي مسؤولة عن إصابة نحو 1,9 مليون شخص بالعمى أو ضعف البصر، علماً بأن العمى الذي تسببه يصعب شفاؤه.
ووفقاً للبيانات الواردة خلال شهر أبريل 2024، يوجد 103 ملايين شخص يعيشون في مناطق موطونة بالتراكوما من المعرضين لخطر الإصابة بالعمى بسببها.
تؤيد الوثائق أن التراكوما موجودة في مصر منذ أكثر من 3000 عام. وقد شُرع في بذل جهود في مجال الصحة العامة لتخفيف عبء التراخوما في أوائل القرن العشرين، عندما قام طبيب العيون الرائد السير آرثر فيرجسون ماكالان بإنشاء أول مستشفيات متنقلة ودائمة لعلاج العيون في مصر، وأرسى الأساس اللازم لمكافحة التراخوما بشكل منتظم على الصعيد العالمي. ولكن بحلول ثمانينيات القرن الماضي، ظل المرض يسبب العمى للكثير من البالغين ويؤثر على أكثر من نصف الأطفال إجمالاً في صفوف بعض المجتمعات المحلية التي تقطن دلتا النيل.
كما سعت وزارة الصحة والسكان في مصر، منذ عام 2002، بالتعاون مع المنظمة والجهات الأخرى الوطنية والدولية صاحبة المصلحة إلى التخلص من التراكوما باتباع استراتيجيةSAFE المعتمدة من المنظمة، والمتمثلة في جراحة داء المشعرات واستعمال المضادات الحيوية لإزالة الكائنات المسببة للداء ونظافة الوجه وتحسين البيئة.
وأظهرت عمليات رسم الخرائط وجهود الترصد المكثفة المُضطلع بها بين الأعوام 2015 و2025 في جميع محافظات مصر البالغ عددها 27 محافظة انخفاضاً مطرداً في نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة واحدة و9 سنوات من المصابين بالتراكوما (الالتهابية) النشطة، وعدم وجود عبء كبير من مضاعفات التراكوما المسببة للعمى لدى البالغين. وهذان المؤشران كلاهما هما أدنى الآن من العتبات التي تحددها المنظمة بشأن معدلات انتشار التخلص من المرض في جميع أنحاء البلد. كما قامت مصر في عام 2024 بدمج جهود ترصد التراخوما في نظامها الإلكتروني الوطني للإبلاغ عن الأمراض الذي من شأنه أن يسهل الاستجابة بسرعة لأية حالات في المستقبل.
ومرض التراكوما هو ثاني مرض من أمراض المناطق المدارية المهملة الذي تتخلص منه مصر، إثر تصديق المنظة في عام 2018 على تخلص البلد من داء الفيلاريات اللمفاوي بوصفه من مشاكل الصحة العامة.
وبذلك يصبح مجموع بلدان العالم التي تخلصت من مرض واحد على الأقل من أمراض المناطق المدارية المهملة 58 بلداً، منها تسعة بلدان في إقليم المنظمة لشرق المتوسط.
كما تحدث الدكتور نعمة عبد ممثل المنظمة في مصر قائلاً: "إن هذا الإنجاز يُضاف إلى سجل مصر الحافل في ميدان التخلص من الأمراض السارية، بما فيها شلل الأطفال والحصبة والحصبة الألمانية والملاريا في الآونة الأخيرة. فهو إنجاز يثبت ما يمكن تحقيقه عندما تتضافر الالتزامات السياسية مع الشراكات القوية والجهود المبذولة باستمرار لسنوات في مجال الصحة العامة بقيادة وزارة الصحة والسكان من أجل تحقيق رؤية مشتركة. كما أن هذا الإنجاز الذي حققته مصر هو بمثابة مثال يشكل مصدر إلهام لبلدان أخرى، سواء داخل الإقليم أم خارجه".
وشددت المنظمة على أنه جاء التخلص من التراكوما في مصر ثمرة دور قيادي وطني قوي وعمل منسق وتعاون واسع النطاق عبر أنحاء القطاعات ككل. وعملت المنظمة عن كثب مع وزارة الصحة والسكان لتقديم الإرشادات التقنية ودعم جهود الرصد والتحقق من النتائج طوال فترة الاضطلاع بعملية التخلص من المرض.
وتحقق هذا الإنجاز بفضل المدخلات التقنية والمساهمات المالية المقدمة من جهات شريكة كثيرة، منها مؤسسة "حياة كريمة" وتحالف مكافحة التراكوما في إقليم شرق المتوسط ومؤسسة نورسين الخيرية والمبادرة الدولية لمكافحة التراخوما والمشروع العالمي لرسم خرائط التراخوما ورابطة الكومنولث الملكية للمكفوفين (رابطة منقذي البصر) والبعثة المسيحية لمساعدة المكفوفين ومركز كليمنجارو لطب العيون المجتمعي ومؤسسة مغربي والمبادرة العالمية للبيانات الاستوائية.
المصدر:
مصراوي
مصدر الصورة