سلطت صحيفة "فاينانشيال تايمز" الضوء على الحضارة المصرية القديمة ومدى ولع البريطانيين ب الآثار المصرية ودلالاتها الثقافية والحضارية، وذلك بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير، مؤكدة أن "الهوس بالحضارة المصرية" (إيجبتمانيا)، يتجدد باستمرار بين البريطانيين بانتماءاتهم الثقافية المختلفة.
وأفردت الصحيفة ملفا خاصاً، أعده الناقد المعماري البريطاني البارز، إدوين هيثكوت، الذي عمد إلى استعراض تقريره معززاً بثمان صور بانورامية تبرز مدى تأثر المعمار البريطاني وعشق الإنجليز لتفاصيل الحضارة المصرية القديمة في معابدها وآثارها وتماثيلها ونقوشها المعمارية الفريدة، التي استوحى منها كثير من المعماريين تصميماتهم للمتاحف والبيوت في كثير من المقاصد الشهيرة في البلاد.
وعرض الناقد هيثكوت سلسلة من المشاهد التي تعكس تأثر المعمارين البريطانيين وولعهم بالحضارة المصرية القديمة، مبرزاً تابوت الفرعون سيتي الأول في حجرة الدفن ب متحف السير جون سولن في هولبورن ، ورسم يعود تاريخه إلى عام 1809 لمعبد إدفو في مصر بريشة الفنان تشارلز مالتون، الذي كان يعمل لدى المهندس المعماري السير جون سوان. إضافة إلى رسم توضيحي يظهر زوار معرض جيوفاني بيلزوني في لندن عام 1820، والذي أعاد بناء قبر الفرعون سيتي الأول.
ويفرد الناقد هيثكوت صوراً ل قصر الكريستال القديم المزين بنسخ طبق الأصل من تماثيل رمسيس الثاني العملاقة كانت شاخصة في بهو القصر، فيما يعرف بـ"الفناء المصري"، والتي ظهرت في صورة للمعرض الكبير في عام 1851، وحتى مصنع سجائر "كاريراس" السابق، شمال لندن، اتسم بواجهته المستوحاة من الحضارة المصرية، وهو الآن "مبنى لندن الكبرى"، أحد المباني الأيقونية في العاصمة البريطانية الذي يتميز بواجهة معمارية فريدة مستوحاة من المعمار الفرعوني القديم بأعمدته ونقوشه المميزة.
ولم يغفل عن استعراض الواجهة الغربية والملونة لـ"المنزل المصري" في شارع شابل، في بنزانس، ومنزل جون أوترام على "تلة أبو الهول" في ملوسفورد، أوكسفورد شاير، إضافة إلى دار "سينما كارلتون" السابقة في شارع إسبكس، إزلنجتون، الذي شُيد في عام 1930، على طراز آرت ديكو"، ومستوحى من اكتشافات الأثري البريطاني هوارد كارتر، الذي اكتشف مقبرة توت عنخ آمون، التي سيرى أغلبها النور في افتتاح "المتحف المصري الكبير اليوم. ولم يكتف الناقد المعماري البريطاني الشهير بعرضه وشروحاته على الصور التي تعكس ملامح الحضارة المصرية القديمة وتأثيرها على الطابع المعماري في بريطانيا، بل أعد خريطة تفاعلية تتضمن المواقع الرئيسية لعشاق الحضارة المصرية في لندن وتفاصيلها المعمارية الفريدة.
ويأخذ الناقد المعماري هيثكوت قراءه في جولة إلى تلك المعالم قائلاً "ليس بعيدًا عن قبر والديّ في إحدى مقابر لندن، يوجد ضريح لافت للنظر على الطراز المصري الأصيل. دُفن فيه الكولونيل ألكسندر غوردون، الذي توفي عام 1911. بحثتُ عنه. ومثل الكولونيلين باركر وساندرز، كان اللقب تشريفياً، وليس رتبة عسكرية؛ فقد عاش معظم حياته في الولايات المتحدة حيث كان رجل أعمال. في عام 1977، استخدمت فرقة ’جوداس بريست’ الموسيقية قبره على غلاف ألبومها الشهير "ذنب بعد آخر". كما يُدفن هوارد كارتر، مكتشف مقبرة توت عنخ آمون، بالمناسبة في مكان قريب، لكن شاهد قبره بسيط للغاية". ويتابع قائلاً "إذا سرت في شارع بيكاديللي، مقابل ممر بيرلينغتون مباشرة، ستجد ’البيت المصري’، ولا يبدو مصرياً جداً، لكن هذا كان موقع ’القاعة المصرية’، وهي مساحة عرض كبيرة وغريبة بُنيت عام 1812 وعُرض فيها، من بين أشياء أخرى، عربة نابليون التي تم الاستيلاء عليها، والتحف التي أحضرها الكابتن كوك، ولوحة "عوامة ميدوسا" للفنان الفرنسي تيودور جيريكو.
واستعراضا لملامح الحضارة المصرية في العاصمة البريطانية، يبين الناقد المعماري هيثكوت أنه على بُعد دقائق قليلة من كنيسة "سان جورج" سيراً على الأقدام "يقع متحف السير جون سوان، أروع منزل في لندن، الذي يضم في قبوه الرئيسي التابوت الحجري الضخم المصنوع من المرمر للفرعون سيتي الأول، الذي اشتراه المهندس المعماري عام 1824 بعد أن تبين أن سعره البالغ 2000 جنيه إسترليني كان باهظاً جداً بالنسبة للمتحف البريطاني. اشترى سوان التابوت من جيوفاني بيلزوني، رجل السيرك ذو البنيان الضخم والمستكشف الأثري، الذي نجح قبل بضع سنوات في استخراج تمثال ضخم لرمسيس الثاني (المعروف باسم "ممون الأصغر") من طيبة، وشحنه إلى إنجلترا ليتم تثبيته في المتحف البريطاني. كما أقام بيلزوني معرضاً رائداً غامراً لإعادة بناء كاملة الحجم لمقبرة مصرية في القاعة المصرية في بيكاديللي عام 1821".
وخلال الحقبة ذاتها، يسرد هيثكوت تفاصيل أخرى حين سافر أحد أمناء "متحف سوان" السابقين، جوزيف بونومي، وهو نحات وفنان رائع بحد ذاته، إلى مصر عام 1824 لرسم آثارها، وبالتعاون مع أوين جونز (الذي غيرت أعماله أنماط التصميم والزخرفة البريطانية)، أنشأ المحكمة المصرية الشاسعة في قصر الكريستال عام 1854. كما صمم بونومي "مصنع غزل الكتان" المثير للإعجاب في ليدز بواجهته المصرية الضخمة المستوحاة من "معبد إدفو". ويوصي هيثكوت قراءه بمشاهدة رسومات لهذه المباني داخل معرض صغير حيوي وجميل في "متحف السير جون سوان"، حيث يتتبع تأثير مصر على التصميم البريطاني من القرنين الثامن عشر إلى الحادي والعشرين، لافتاً إلى أن سوان نفسه كان يعشق القطع الأثرية المصرية القديمة، رغم أنه كان يكره الموضة المبتذلة في عصر الوصاية الملكية لتزيين واجهات المتاجر والمنازل والمطابع والكراسي بزخارف اللوتس والشمس والمسلات وغيرها.
ويقول إن "الهوس بمصر" تجدد مرة أخرى بعد اكتشاف هوارد كارتر لمقبرة "توت عنخ آمون" عام 1922، هذه المرة في موجة كبيرة من الغرابة الفنية على طراز "آرت ديكو"، الذي يتميز بالأشكال الهندسية الجريئة المطعمة بالزخارف الفاخرة، ويعكس روح الحداثة والفخامة والتقدم التكنولوجي، لتقديم مزيج من تأثيرات متنوعة مثل التكعيبية والحداثية والتصميمات المستوحاة من الحضارات القديمة، ممزوجة بعناصر التصميمات الحديثة.
تستمر مصر القديمة في العودة لتطل مرة أخرى على العالم. فقد أدت الحملة النابليونية في مصر، وعمليات المسح والتنقيب التي تلتها، والهزيمة اللاحقة على يد القوات البريطانية والعثمانية، إلى زيادة الاهتمام في الداخل بالأيقونات الأثرية. انتشرت المقابر والديكورات الداخلية والمدافئ والمسلات في كل مكان وازدهرت في منازل الريف والمدن في أوائل القرن التاسع عشر. ويضم معرض سوان بعض الرسومات الرائعة لهذه التصاميم الداخلية، بما في ذلك أعمال سيدني سميرك (مهندس غرفة القراءة الدائرية في المتحف البريطاني) وتوماس هوب (الذي أثارت غرفته المصرية في ’شارع الدوقة’ ضجة كبيرة)، إلى جانب الصور المذهلة للأطلال المصرية نفسها، التي رسمها الفنان بونومي واستوديو سوان لاستخدامها في المحاضرات.
المصدر:
اليوم السابع