لأسابيع ظلّت أسرة فاطمة خيري تبحث عن دواء لعلاج القلب "كاردكسين" بين الصيدليات، وصولًا إلى الانتقال بين عدة محافظات على أمل العثور على عبوة واحدة تضمن استمرار العلاج لحين توافره بشكل طبيعي.
تكلّلت هذه الرحلة الطويلة بالعثور على "علبة" داخل ما وصفت الأسرة بـ"صيدلية مجهولة" في منطقة وسط القاهرة، وسط آمال ألا يضطروا لتكرار المعاناة والتنقلات المضنية بين الصيدليات في المرة المقبلة.
تقول ابنة فاطمة: "لفّينا كتير على أمل إننا نلاقي الدواء علشان حالة أمي، دورنا في أغلب مناطق القاهرة، وقرايبنا في القليوبية، ورحنا صيدلية الإسعاف، وملقيناش الدواء غير في صيدلية صغيرة في وسط البلد، وكانت آخر علبة".
هذا الدواء هو واحد من عدد من الأصناف التي يشتكي منها مرضى من عدم توافرها بالأسواق، ورصدها المركز المصري للحق في الدواء مؤخرًا، وسط مخاوف من عودة "شبح أزمة نواقص الأدوية" التي عانت منها مصر لأشهر طويلة خلال عام 2024، قبل أن تشهد انفراجة في النصف الأول من العام الجاري.
وتزامنت هذه الأزمة مع عودة مطالب شركات برفع أسعار عدد من أصنافها على وقع ما اعتبروه "زيادة في تكاليف الإنتاج"، في الوقت الذي سبق أن أكد رئيس هيئة الدواء المصرية د. علي الغمراوي لمصراوي، أنه "لا يوجد مبرر في الوقت الحالي لزيادة أسعار الأدوية".
وقدّر الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الدواء باتحاد الغرف التجارية، في تصريحات لمصراوي، نواقص الأدوية بنحو 200 صنف "وفق الأسماء التجارية"، بينهم 20 صنفًا من أدوية "مُنقذة للحياة".
وأوضح محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، لمصراوي، أن المركز وجه استغاثة لرئيس مجلس الوزراء للتدخل لتوفير تلك "الأدوية المنقذة للحياة" التي ليس لها بدائل وعددها 22 صنفًا، من بينها 3 أدوية أساسية لمرضى القلب لا يمكن الاستغناء عنها مثل "أيزوبتين، ولانوكسين، وكاردكسين".
بيد أن النقص، وفق "فؤاد"، يمتد لأصناف أساسية أخرى، مثل "تريفيكتا" بكل تركيزاته لعلاج مرضى الفصام، و"ريمينل" لعلاج ألزهايمر، ودواء "الفيوفاكت"، الذي يستخدم في حالة عدم اكتمال رئة الأطفال مع دخول الحضانات، لافتًا إلى أن هناك "استغاثة من مستشفيات متعددة من عدم توافره".
كما تشمل "قائمة النواقص" أدوية سبترين، وهو مضاد حيوي للعدوى البكتيرية، وسولوبريد لعلاج الالتهابات، ولوجيماكس وهو خافض لضغط الدم، ودوفالاك لعلاج الإمساك، وميكارديس وسيلوكينزوك لعلاج ارتفاع ضغط الدم والسيطرة على النوبات القلبية، إضافة إلى حقن ليبيدول للصبغة.
لكن الدكتور أسامة حاتم، معاون رئيس هيئة الدواء المصرية، سبق أن ذكر أن عدد المستحضرات التي ينطبق عليها مفهوم نواقص الأدوية في السوق يتراوح حاليًا بين 9 و11 مستحضرًا فقط.
قال الدكتور علي عوف، إن الشعبة رصدت خلال الفترة الماضية نقصًا في عدد من الأدوية الأساسية، بعضها لا يملك بدائل علاجية أو تتوافر له بدائل محدودة، مشيرًا إلى أن الأزمة تفاقمت بصورة أوضح خلال الشهرين الأخيرين.
وأوضح عوف أن أزمة نقص الأدوية لا ترتبط بتوافر الدولار، إذ إن البنوك توفر العملة الصعبة للشركات دون عوائق، وإنما ترجع في الأساس إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج والاستيراد.
وأضاف: "الشركات المستوردة إذا وجدت أن تكلفة الدواء ارتفعت بشكل لا يسمح بتحقيق هامش ربح مقبول، فإنها قد توقف التوريد، خاصة إذا رفضت هيئة الدواء الاستجابة لطلباتها بتحريك الأسعار. في هذه الحالة، الشركة ببساطة تفضل بيع منتجاتها في أسواق أخرى، باعتبار أن الأمر بالنسبة لها لا يمثل أزمة".
وعندما سأل "مصراوي" رئيس هيئة الدواء بشأن ما إذا كانت بعض الشركات قلصت إنتاجها للمطالبة بزيادة أسعار منتجاتها، أكد أن "الهيئة لم تتلقَ أي إشارات أو طلبات رسمية من شركات تفيد بنيتها التخارج من السوق المصري أو تقليص حجم أعمالها. هذا الأمر لم ولن يحدث، ومصلحة المواطن ستظل أولوية لا يمكن التنازل عنها".
وعاد الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية، للقول إن هناك أسبابًا فنية أخرى قد تؤدي إلى النقص، مثل تعطل خطوط إنتاج أو نقص مادة فعّالة تدخل في تصنيع دواء بعينه، "لكن السبب الجوهري يظل مرتبطًا بزيادة التكلفة وعدم تحريك الأسعار بما يتناسب معها".
وفيما يتعلق بالتسعير، شدّد عوف على أن السياسة الدوائية يجب أن تراعي الأولوية القصوى وهي حياة المريض، قائلاً: "إذا كان الدواء مستوردًا ولا يوجد له بديل محلي، فالأهم هو توفيره حتى لو كان مكلفًا. لا يصح أن نرفض زيادة السعر ثم نسمح بنقص الدواء بما يعرّض حياة المريض للخطر. هذا قرار غير عادل".
وعن إمكانية اعتبار هذه المطالب "ضغوطًا من الشركات"، قال عوف: "لا مانع من رفض الضغوط إذا كان لدينا بدائل محلية تغطي احتياجات السوق، لكن في حالة غياب البديل، على الهيئة أن تتعامل بمرونة لحماية المريض المصري. وعندما يتوافر البديل المحلي بكميات مناسبة، عندها يمكن تقليل الاعتماد على الدواء الأجنبي".