لم تتخيل الطفلة، التي تنتمي لفئة "قادرون باختلاف"، أن مكالمة واحدة للنجدة ستكون كفيلة بتغيير مشهد مؤلم عاشته، إلى لحظة إنسانية خالصة ستظل محفورة في ذاكرتها للأبد.
كانت قد خرجت في طريقها إلى محل بقالة بقرية "صلاح الدين" في محافظة البحيرة، تريد شراء كارت شحن وبعض الحلوى من مصروفها البسيط، حين اصطدمت بتصرف جارح من أحد البائعين، طلبت منه أن يخبرها بسعر علبة اللبان، فصرخ في وجهها بطريقة قاسية، رافضًا الرد باحترام، ثم قام بإلقاء النقود في وجهها، كل ذلك لم يكن مجرد مشادة، بل جرح حقيقي في كرامتها، كطفلة وإنسانة.
لم تصمت، رغم الدموع التي ملأت عينيها، قررت أن تتصل بالنجدة، صوّرت الموقف وكأنها تستنجد بالعالم: "أنا موجوعة ومكسورة.. ومحتاجة حد يحس بيا."
ولم يمر سوى دقائق قليلة، حتى كانت سيارة الشرطة تقف أمام المحل، رجال الشرطة ترجلوا سريعًا، وتوجهوا نحو الطفلة، لم يكن هناك عنف، ولا تعنيف، بل حوار أبوي حنون، الضابط سألها: "قوليلي إيه اللي يرضيكي وأنا أعملهولك؟".. لحظة جعلت دموعها تسيل، لا من الألم، بل من الفرح.
البائع نفسه، الذي كان قبل دقائق يتعالى عليها، وقف خائفًا، مرتبكًا، واعتذر لها أمام الجميع، بل وانحنى ليقبل رأسها، وكان ذلك كافيًا بالنسبة لها، لتتنازل عن البلاغ.
الضابط كتب محضرًا بذلك، وحرص على أن يشعرها بأن كرامتها ليست أمرًا قابلًا للتنازل، بل هي حق مصان.
الطفلة عادت إلى بيتها، لكن قلبها ظل ممتنًا، كتبت على حسابها في فيسبوك رسالة شكر للرئيس عبد الفتاح السيسي ووزارة الداخلية، قائلة: "بجد غيرتوا حياتنا.. شكرًا على اهتمامكم بينا، إحنا قادرون باختلاف.. بس مش لوحدنا."
وفي بلد أصبح فيه لصوت ذوي الهمم صدى، نشرت الصفحة الرسمية للاتحاد المصري للإعاقات الذهنية منشورًا يقول:
"في بلد بتحمي كرامة كل مواطن.. مفيش أغلى من الإحساس بالأمان."
ما حدث لم يكن مجرد تدخل أمني عابر، بل رسالة قوية بأن كرامة ذوي الهمم خط أحمر، وأن اهتمام الدولة ليس شعارات، بل واقع يعيشه الناس، ويشعرون به في تفاصيلهم اليومية.
شكراً لمن جعلوا هذه الفتاة تبتسم من جديد، شكراً لكل من آمن أن الكرامة لا تحتاج إلى وساطة.. فقط تحتاج إلى ضمير حي.