تصاعدت خلال الآونة الأخيرة حملة القبض على عدد من صانعي المحتوى عبر تطبيق "تيك توك" في مصر، وبالتحديد صانعي المحتوى المتعارض مع قيمة وأخلاقيات المجتمع، الأمر الذي يُثير التساؤول هو تداعيات تلك الحملة ومدى الحاجة إلى وضع ضوابط قانونية واضحة تنظم استخدام منصات التواصل الاجتماعي.
وتأتي الحملات أيضًا في مشهد يعكس تصاعد المخاوف من تحول "التيك توك" إلى منصة لنشر كل ما يتعارض مع القيم الأخلاقية والمجتمعية.
وفي تحرك أمني لافت، ألقت أجهزة وزارة الداخلية القبض على ما يزيد عن 11 من مشاهير "تيك توك" خلال أسبوع واحد فقط، بعد توجيه اتهامات إليهم بنشر مقاطع خادشة، والتحريض على سلوكيات منافية للآداب، والتربح غير المشروع من المحتوى.
ومن بين أبرز الأسماء التي جرى القبض عليها كل من "شاكر محظور دلوقتي، سوزي الأردنية، مداهم، أم سجدة، ليلى الشبح".
يقول محمد حامد سالم، المحامي بالنقض، لـ "مصراوي"، إن الجهات الأمنية تعتمد بشكل كبير على المواد القانونية المتعلقة بـ"مكافحة جرائم الإنترنت" و"مخالفة قيم الأسرة والمجتمع" في القبض على رواد "تيك توك" ممن يبثون مواد مرئية غير أخلاقية؛ لكن حاليًا هناك ضرورة لاتخاذ إجراءات صارمة بحق العديد من صانعي المحتوى، الذين قد لا يكون لهم أي علاقة بنشر محتوى هادف فعليًا.
أضاف سالم أن الحملة الحالية تأتي ضمن ما أسماه بحملة "تطهير المجتمع"، مؤكدًا أنها لا تستهدف الأفراد، بل السلوكيات التي تُهدد الوعي العام، وتستغل الشهرة المصطنعة لتحقيق مكاسب غير مشروعة، داعيًا الدولة إلى مواصلة التصدي لهذه الظواهر بكل حزم.
لفت إلى أن عديد من الدول بدأت في اتخاذ إجراءات مماثلة، منها أستراليا التي صنّفت التطبيق كـ"مهدد للأمن القومي" بسبب جمعه لبيانات المستخدمين بشكل مخالف للقانون.
أشار إلى أن ما وصل إليه رواد السوشيال ميديا من صناعة فيديوهات مُخلة باتت تُهدد استقرار المجتمع وتؤثر بشكل مباشر على الأجيال القادمة التي يمكن استغلالها بشكل سهل للغاية في ارتكاب مخالفات يُعاقب عليها القانون وتُهدد تربية وسلوكيات الأطفال والشباب في المراحل العمرية الصغيرة.
وقال المحامي محمد فايز، لـ "مصراوي" إن هناك حاجة ملحة إلى تنظيم قانوني شامل للتعامل مع المحتوى الرقمي، "التواصل عبر الإنترنت أصبح من أبرز وسائل التعبير والتفاعل الاجتماعي، ولا بد من إيجاد توازن بين احترام قيم المجتمع وحماية حرية التعبير. وبالتالي لابد من التعامل مع لجان التشريع على إعداد تعديلات قانونية تحدد بوضوح الضوابط التي يجب أن تلتزم بها منصات التواصل ومستخدميها، مع ضمان حقوق الأفراد.
وأكد أن الحملة على التيك توكرز يجب ألا تتحول إلى وسيلة لإبعاد من يقدمون محتوى تعليمي هادف، مضيفًا:"نؤمن بضرورة وجود ضوابط تحمي المجتمع من المحتوى الضار، ولكن هذه الضوابط يجب أن تكون شفافة، بحيث تسمح لمن يروجون للدولة عبر المحتوى السياحي والتاريخي وكذلك من يقدمون محتوى تعليمي وتكنولوجي هادف، أن يقدمون محتواهم بسلاسة كبيرة".
ويشير شحاته محمد شحاته مدير المركز العربي للنزاهة والشفافية، لـ "مصراوي"، إلى أن الحملة الحالية أدت إلى حالة من التراجع في إنتاج المحتوى غير الأخلاقي والمخالف لتقاليد المجتمع على المنصات الرقمية.
وحول طبيعة العقوبات، أكد شحاته أن قانون تقنية المعلومات يتضمن عقوبات رادعة تصل إلى السجن المؤبد في بعض الحالات. مطالبًا الجهات المعنية بإشراك المجتمع المدني والمنصات الرقمية في صياغة إطار قانوني متوازن يراعي جميع الأطراف "الدولة والأجهزة الرقابية وصانعي المحتوى الهادف" على أن يتضمن تغليظ العقوبات على مخالفي آليات البث واحترام قيم المجتمع.
لفت إلى حتمية تطبيق القانون بحزم على كل من ينتهك الضوابط الأخلاقية عبر المنصات الرقمية، بالإضافة إلى دور المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في متابع قضية التيك توكرز.
طالب شحاته المنصات العالمية بتعيين ممثلين قانونيين في مصر لضمان سرعة التعامل مع أي مخالفات في محتوى نشر الفيديوهات.
أشار إلى أن حملة القبض على التيك توكرز تعكس تحديات حقيقية تواجه الدولة في مخالفي قواعد النشر في منصات السوشيال ميديا، في الوقت الذي تسعى فيه الدولة للحفاظ على قيم المجتمع وأمنه، مؤكدًا على ضرورة وضع تشريعات حديثة تراعي حقوق المستخدمين وحرياتهم، مع الحفاظ على النظام العام بالتزامن مع تطبيق القانون بحزم على كل من ينتهك الضوابط الأخلاقية عبر المنصات الرقمية.
وفي سياق متصل، تقدّمت النائبة مي غيث بطلب رسمي إلى مجلس النواب لحظر تطبيق "تيك توك" في مصر، محذّرة من تأثيره الخطير على القيم المجتمعية، وواصفةً إياه بأنه "أخطر من المخدرات" بسبب ما يروّج له من انحلال وانفلات أخلاقي.
وأكدت النائبة أن التطبيق بات يُمجد الجهل والانحراف، ويشوّه القدوات الحقيقية في المجتمع، مطالبةً بتدخل عاجل لوقف ما وصفته بـ"النزيف القيمي".
من جانبه، قال النائب أحمد بدوي، رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، إن منصة "تيك توك" أمام مهلة نهائية مدتها 65 يومًا لتحسين محتواها وفقًا للضوابط القانونية والقيم المجتمعية في مصر، مشيرًا إلى أن عدم الالتزام سيؤدي إلى تطبيق إجراءات صارمة وفق قانون تقنية المعلومات.
وأضاف "بدوي"، لـ "مصراوي"، أن اللجنة عقدت اجتماعات متتالية مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات والمدير الإقليمي لتيك توك لمناقشة هذه التجاوزات. وأن الاجتماع الأخير، الذي عُقد قبل شهر، شهد مطالبات واضحة بضرورة حجب المحتوى المخالف للقيم المصرية، مثل الفيديوهات المنافية للآداب، مؤكدًا أن المنصة فشلت في اتخاذ إجراءات فورية لحماية المستخدمين من هذا المحتوى.
وتابع رئيس لجنة الاتصالات بالنواب، أن الدولة المصرية تدعم الاستثمارات التكنولوجية، لكنها لن تتهاون مع أي محتوى يضر بالمجتمع، مشددًا على أن 75% من صناع المحتوى المخالفين على تيك توك اختفوا من المنصة بعد تحركات الجهات الأمنية.