آخر الأخبار

جمال عبد الناصر يكتب: يحيى العلمى.. صانع الدراما التى لم تنكسر

شارك

في مثل هذا اليوم، وُلد أحد أبرز الأسماء التي حفرت عميقًا في وجدان الدراما العربية، المخرج الكبير يحيى العلمي الذي لم يكن مجرد صاحب كاميرا، بل مهندس وعي، ومؤسس مدرسة سردية قائمة على الصدق، والعمق، والقدرة المذهلة على نقل الأدب والتاريخ والبطولة إلى الشاشة دون أن يفقدها نبضها الإنساني.

إن أي حديث عن دراما الجاسوسية في مصر، لا يمكن أن يبدأ أو يكتمل دون أن يُذكر اسم يحيى العلمي وحده، أو ربما في طليعة قلة نادرة، استطاع أن يصنع من قصص المخابرات المصرية مادة درامية مشوقة، دون أن يسقط في فخ التهويل أو التسطيح، ففي "دموع في عيون وقحة"، رسم شخصية الجاسوس المصري "جمعة الشوان" كإنسان من لحم ودم، وطنه يسكنه أكثر مما يسكن هو الوطن، أما "رأفت الهجان"، فقد تجاوز به العلمي مجرد توثيق لسيرة جاسوس، ليُقدّم ملحمة نفسية عن الاغتراب، والانتماء، والتضحية المستترة خلف الأقنعة، وكان يحيى العلمي هنا، أشبه بمخرج أوبرا درامية كبرى، يحرك الإيقاع بحرفية ويستخرج من محمود عبد العزيز أعظم أداء في مسيرته.

لكن العلمي لم يكن فقط "مخرج الجاسوسية"، بل كان مخرجًا للمجتمع، لقضاياه، لأسئلته المزمنة، وفي أعمال مثل "الأيام" لطه حسين، أو " لا " لمصطفى أمين، تجلى حسه الأدبي العالي، وقدرته على تحويل النصوص الكلاسيكية إلى سرد بصري نابض، بينما كان في "نصف ربيع الآخر" و"الزيني بركات"، أكثر شاعرية وغضبًا ليرصد للمشاهدين تحولات الشخصية المصرية بين الفقد والانكسار، بين البطش والمقاومة.

مصدر الصورة
جمال عبد الناصر يكتب عن يحيي العلمي

على امتداد ثلاثين فيلمًا سينمائيًا، منها "تزوير في أوراق رسمية" و"طائر الليل الحزين"، ظلّ يحيى العلمي صوتًا هادئًا لكن حاضرًا بقوة، لا يلهث وراء موضة، بل ينحت لغته الخاصة في الإخراج، لغة لا تستعرض، بل تُضيء؛ لا تصرخ، بل تهمس في الضمير.

كان يحيى العلمي جزءًا من جيل نحت ملامح التليفزيون المصري كمنصة تثقيف وترفيه في آن، جيل آمن بأن الدراما ليست للتسلية فحسب، بل لبناء الإنسان، وتحريض العقل، وطرح الأسئلة.

وفي ذكرى ميلاده، لا نملك إلا أن نتأمل أثره الممتد، لا فقط في أعماله، بل في كل محاولة درامية صادقة تسعى اليوم للاقتراب من العمق، أو من الحكاية المتعمقة بوجدان هذا الوطن، فما زال "دموع في عيون وقحة" يقارن به كل جديد، وما زال "رأفت الهجان" نموذجًا في الصنعة والبناء، وما زال يحيى العلمي علامة لا تتكرر، في زمن صار فيه الصدق عملة نادرة.

مصدر الصورة
اعمال يحيي العلمي



شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا