كتب - محمد شعبان:
في قلب حي مزدحم لا يكترث لأسرار الجدران، وخلف باب شقة صامتة، لا صوت فيها سوى صدى الموت، انبعثت رائحة كريهة فضحت جريمة مدفونة تحت السرير.
"أبو بكر" شاب سوداني لا أحد يعلم كيف انتهى به المطاف مكبلًا ومقتولًا على يد من ظنهم أبناء وطنه وأقرانه، الشك كان سلاحهم، والوحشية كانت وسيلتهم.
استدرجوه إلى الشقة وقيدوه بالحبال، وانهالوا عليه ضربًا بلا رحمة. سألوه عن هاتف لم يُثبت يومًا أنه سرقه لكنه لم يُجب بل أسلم روحه بين أيديهم، صامتًا إلى الأبد قبل أن يهربوا تاركين جثته تتحلل تحت السرير كأنها مجرد شيء ليقتل الضحية مرتين، مرة بالضرب والثانية بالنسيان.
جريمة صامتة هزت حي بولاق الدكرور كشفتها أنوف الجيران، شموا رائحة كريهة مصدرها شقة سوداني استأجرها للتو فأبلغوا شرطة النجدة التي أخطرت اللواء محمد الشرقاوي مدير مباحث الجيزة.
وصلت الشرطة إلى مسرح الجريمة بعد بلاغ الجيران بسبب الرائحة الخانقة اللي بدأت تنتشر في المكان. دخلوا الشقة فلم يجدوا أي علامة على اقتحام لكن تحت السرير، كانت الحقيقة المرعبة تنتظرهم.
جثة شاب سوداني في العشرينات يُدعى "أبو بكر" في حالة تعفن، اليدان والقدمان موثوقتان بالحبال مع وجود آثار كدمات متفرقة على الجسد تشير إلى اعتداء وحشي تعرض له قبل أن يلفظ أنفاسه.
صاحب العقار لم يتعرف عليه "ماعرفوش ولا شوفته قبل كده" مشيرًا إلى أن الشقة يقيم فيها شاب سوداني استأجرها من فترة قريبة.
في البداية، بدت الجريمة لغزًا، لا سرقة، لا بعثرة، لا دليل على اقتحام لكن تحريات العميد محمد الصغير مفتش مباحث فرقة غرب الجيزة، الدقيقة والتحقيقات المكثفة قادت إلى مفاجأة، مرتكبو الجريمة لم يكونوا غرباء بل من بني جلدته.
المشتبه به الأول مستأجر الشقة سوداني الجنسية، استأجر الشقة منذ فترة، استعان باثنين من أصدقائه. الثلاثة اتفقوا على أن "أبو بكر" سرق هاتف أحدهم دون دليل أو تأكيد، وقرروا أن يأخذوا العدالة بأيديهم.
استدرجوه إلى الشقة تحت ذريعة واهية، قيدوه وانهالوا عليه بالضرب المبرح في محاولة لانتزاع اعتراف منه لكنه لم يعترف أو ربما لأنه لم يكن يملك شيئًا ليعترف به.
وتحت وطأة الضرب، فارق الضحية الحياة. وفي لحظة رعب دفنوه حيًا تحت سريرهم وهربوا ليتركوه يتحلل في صمت، لولا الرائحة التي خانتهم، وفضحت فعلتهم البشعة.
فرار الثلاثة لم يطل كثيرًا، رجال المباحث بقيادة المقدم أحمد عصام تتبعوا تحركاتهم وحددوا أماكن اختبائهم حتى ألقي القبض عليهم واحدًا تلو الآخر. وأمام وكيل النائب العام انهارت أكاذيبهم، واعترفوا بالجريمة كاملة.