قلائل هم الممثلون الذين تمكنوا من تحرير أدوار الشر من القالب النمطى، ليقدموها فى مساحات درامية أكثر عمقًا وتعقيدًا، تجعل المشاهد لا يكره تلك الشخصيات تمامًا، بل يسعى لفهم دوافعها وربما يتعاطف معها أحيانًا، ومن بين هؤلاء الفنان الكبير محمود حميدة، الذى ظهر بأداء ناضج ومتقن، فى مسلسل "ولاد الشمس" ليقدم صورة أكثر اكتمالًا ونضوجًا لمشروعه الفنى، مستعرضًا شخصية مركّبة تجمع بين السلطة والرأفة، العنف واللين، فى توازن نادر لا يقل حيوية عن أداء أبطال المسلسل الشباب أحمد مالك وطه دسوقي.
يجسد محمود حميدة فى المسلسل شخصية ماجد العيسوى، صاحب دار الأيتام، الذى يتحكم فى مصائر الأطفال، لكنه فى الوقت نفسه يستخدمهم فى عالم الجريمة، فى حبكة تذكرنا بشخصية مارلون براندو فى "الأب الروحي"، فلا يعتمد حميدة على القوة المباشرة أو العنف الصريح، بل على الإقناع والمكر، فهو لا يدفع الأبطال لمصيرهم بالقوة، بل يجعلهم يعتقدون أنهم المسيطرون، فى حين أنهم مجرد بيادق فى لعبته.
ما يميز أداء "حميدة" فى هذا " ولاد الشمس " هو التلاعب الصوتى والانفعالى، حيث يتحكم فى وقع كلماته كأنها سهم مسموم مغلف بالعسل، يجرّ الآخرين نحو الفساد دون أن يدركوا ذلك. كل نظرة محسوبة، كل جملة مقصودة، مما يجعل الشخصية كاريزمية ومخيفة فى الوقت ذاته. هذا الأداء يجعلنا نرى أبعادًا متعددة فى الشخصية، فهى ليست شريرة بالكامل، بل تحمل مبادئها الخاصة التى قد يكون فيها بعض العدل، جنبًا إلى جنب مع الكثير من القسوة.
أحد أهم عناصر التميز فى الأداء هو أن شخصية ماجد العيسوى ليست ثابتة، بل تمر بتحولات داخلية تؤثر على مسار القصة بأكملها، هذه القدرة على الجمع بين اللين والقسوة، الاستغلال والحماية، تجعل الشخصية محركًا أساسيًا للأحداث، وليس مجرد "الشرير التقليدي" الذى يُستخدم لدفع الأبطال إلى المواجهة.
فى "ولاد الشمس"، يثبت محمود حميدة مرة أخرى أنه قادر على التلون بين الأدوار دون أن يفقد جوهر شخصيته الفنية. أداءه ليس مجرد استعراض لقدراته التمثيلية، بل هو رؤية متكاملة لشخصية تحمل تناقضاتها داخلها، مما يجعلها أكثر واقعية وتأثيرًا. هذا الدور يعزز مكانة حميدة كواحد من أكثر الفنانين قدرةً على إعادة تشكيل مفهوم "الشرير"، ليصبح أكثر تعقيدًا، وأكثر إنسانية، وأكثر تأثيرًا.
شاهد المزيد من أخبار مسلسلات رمضان عبر بوابة دراما رمضان 2025