حوار- محمد شاكر:
يعد الدكتور صلاح هاشم أستاذ التنمية والتخطيط، ومستشار وزارة التضامن للسياسات الاجتماعية السابق، واحدًا من أبرز خبراء التنمية في مصر وعلى مستوى العالم، له إسهامات كبيرة في هذا المجال.
شارك الدكتور صلاح هاشم في وضع الخطة الاستراتيجية القومية للحماية الاجتماعية بوزارة التضامن بالتعاون مع البنك الدولى وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، وتمثيل مصر في وضع خارطة الطريق للحماية الاجتماعية لشمال إفريقيا والشرق الأوسط، والمشاركة في وضع الخطة الخمسية لوزارة الأوقاف لسنة 2019.
وهو أيضا محاضر بجامعة ديوك - بولاية كارولينا الشمالية - بالولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك محاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، وله أكثر من ٢٣ مؤلفًا تدور جميعها حول الفقر والعدالة والتنمية، كما حاز الكثير من التكريمات الدولية، ورشحته 6 جامعات مصرية لنيل جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية.
وفتح الدكتور صلاح هاشم خلال حواره مع مصراوي العديد من الملفات المهمة فيما يخص الحماية الاجتماعية وكيفية القضاء على الفقر.
وإلى نص الحوار..
أظهرت الأزمات الاقتصادية العالمية الراهنة العديد من الأزمات المعيشية والاجتماعية والسياسية لكثير من الدول وخاصة النامية، وكان لمصر نصيب كبير منها، فيما يتعلق بارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار بشكل غير مسبوق. الأمر الذي جعل لبرامج الحماية الاجتماعية وشبكات الأمان الاجتماعي الجيدة أهمية خاصة في الحد من الفقر وعلاج مواطن الضعف والخلل في السياسات الاقتصادية والمالية، والتصدي للأزمات والكوارث، عن طريق بناء شبكات جيدة للأمان الاجتماعي، لضمان تقديم مساعدات أكثر فعالية لشرائح والأسر الأولى بالرعاية.
لا يمكننا بحالٍ أن نتحدث عن الحماية الاجتماعية بعيداً عن الحديث عن الفقر، باعتبار أن القضاء عليه والتخفيف من تدعياته هو الهدف الأول والأسمي لسياسات الحماية الاجتماعية.
أرى أن الحد من تداعيات الفقر والقضاء عليه، يجب أن تكون الأولوية الأولى والأهم لدى الدولة لتحقيق الاستقرار الداخلي الذي يعد في تصوري هو الجبهة الأقوى لمواجهة المؤمرات الخارجية، وأتصور أن استقرار الداخل المصري مستهدف من الخارج ووحدة الصف والالتفاف خلف القيادة السياسية مطلب وطني، وإذا كان الحديث عن الفقراء وأوضاعهم المعيشية هو الشغل الشاغل للقيادة السياسية في هذه المرحلة الحرجة من عمر الوطن، فمن الأهمية بمكان ألا نغض الطرف عن المهددين بالفقر، والذين لا يجب أن تتجاهلهم السياسات والبرامج الجديدة التي تتبناها الدولة للحد من الفقر والانطلاق نحو التنمية بمفهومها الشامل والمستدام، وهنا يجب أن نتحدث عن ثلاثة مفاهيم أساسية مجتمعة وهي: (الفقر والمهددين بالفقر والفقراء الجدد).
الفقراء الجدد هم أبناء الطبقة الوسطى الذين سقطوا بفعل الظروف الاقتصادية القهرية في دائرة الفقر فأصبحوا فقراء بخصائص وثقافة مغايرة، أما المهددين بالفقر فهم الأشخاص الذين يعملون ويكسبون دخلاً لا بأس به يتجاوز حد الفقر، ولكن ظروف عملهم ومعيشتهم من الهشاشة وعدم الاستقرار ما يجعلهم مهددين باستمرار بالوقوع في دائرة الفقر مع أي تغير سلبى غير متوقع، سواء كان ذلك لأسباب شخصية (مثل الإصابة بالمرض أو الفصل من العمل) أو لأسباب قطاعية (مثلما هو حال من يتعرضون لتقلبات التشغيل فى قطاعي البناء والسياحة) أو لأسباب محلية (حينما يصيب الاقتصاد ركود عام) أو لأسباب دولية أو إقليمية (كما حدث وقت عودة العمال المصريين من ليبيا)، أو بفعل سياسات اقتصادية تسببت في ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار بصورة تفوق الدخل المادي للمواطنين.
تحقيق العدالة الاجتماعية يعتمد ذلك على مصفوفة ضخمة من المتغيرات التي يجب وضعها في الاعتبار عند صياغة الاستراتيجية العامة للتنمية والحماية الاجتماعية، ومن بين هذه المتغيرات طبيعة التناقض بين الريف والحضر، ومستوى التطور الاقتصادي والإنتاجي، وأحجام الأحياء والقرى الصغيرة، بالنظر إلى الأحياء والقرى الكبيرة، ومراكز التركز السكاني، ومناطق الجذب السكاني في المدن، فضلاً عن متغيرات أخرى كثيرة مثل حجم الاستثمارات المخصصة لكل محافظة، وتنمية القرى والمدن في إطار خطة تنموية قومية.
إن تسييس برامج التنمية كارثة، فبطون الفقراء لا تملأها صور المسئولين مع المعوزين وأصحاب الحاجة، وأعتقد أن ملف التضامن الاجتماعي أمن قومي ووزارة التضامن الاجتماعى يجب أن تكون وزارة سيادية، وأرى أنه حتى الآن لا نملك رؤية واضحة للخروج من دائرة الفقر، ومعظم البرامج الموجهة للحد من الفقر تتعامل مع العرض وليس المرض، كما أن التوسع في برامج الدعم النقدي مؤشر على ضعف السياسات الموجهة للحد من الفقر، وأن التوسع في زيادة أعداد الأسر المستفيدة من برامج الدعم النقدي إذا لم يقابله زيادة في معدلات التخارج من هذه البرامج من خلال تعزيز قدرة المستفيدين على تبني مشروعات مدرة للدخل فإنه يكرس الاتكالية ويزيد من معدلات الفقر، وأرى أن برامج الدعم النقدي لا تحد من الفقر وإنما تخفف من تداعياته.
أرى أن الفقر ليس شبحاً لا يمكننا التغلب عليه ولكنه تحدي يمكن هزيمته إذا توافرت إرادة حقيقية، ولكن لا يمكن القضاء على الفقر دون إصلاحات اقتصادية واجتماعية حقيقية يمكن قياسها في ضوء رضا المواطنين والمقاييس العالمية، وأنا الآن أعكف على الانتهاء من كتاب جديد حول متلازمة الفقر والإصلاح والتنمية.
يجب أن تركز هذه السياسات على عدة جوانب رئيسية، أهمها خلق فرص عمل مناسبة، خاصة في المناطق الفقيرة، يمكن تحسين الدخل ورفع مستوى المعيشة، وتمكين الفقراء من الحصول على التعليم والتدريب اللازمين لزيادة فرصهم في الحصول على عمل أفضل، وتوفير شبكات أمان اجتماعي قوية لحماية الفئات الضعيفة من الصدمات الاقتصادية والاجتماعية، وضمان تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين في الحصول على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، وتعزيز الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والجمعيات الأهلية لضمان فعالية برامج الحماية الاجتماعية.
هذا الوضع ليس مقصور علينا، ويمكن أن ينسحب على أغلب الدول التي تصنف بأنها فقيرة أو أقل نموًا، حيث أشارت معظم التقارير العالمية إلى أنه بعد قرابة خمسة وأربعين عامًا من البرامج التنموية، والمساعدات، وبرامج الاستهداف والمساعدات الاجتماعية للفقراء في الدول الأقل نموا، انخفضت حصة الفرد في هذه البلدان من متوسط الدخل العالمى من 18 % عام 1971 إلى 15 % عام 2012، وأن الدول التي صنفت بأنها أقل نموا عام 1971 كان عددها "51" دولة، صار عددها "49" دولة عام 2012، أي أن دولتين فقط من غادرتا الفقر هما "الصين والهند"، والأمر يدعونا بقوة أولًا إلى التشكك في مضامين كل برامج التنمية التي تم تنفيذها خلال السنوات الماضية، وإلى ضرورة البحث في التجربة الصينية والهندية في مجال مواجهة الفقر على وجه التحديد، والغريب ليس في التناقض بين برامج التنمية والفقر، وإنما في استمرار تلك الحكومات في انتهاج نفس السياسات في مواجهة نفس المشكلة.
إذا كنا فعلًا صادقين في مواجهة الفقر، فعلينا أن نتخلى عن الخرافات التي توارثناها في مواجهة الفقر، ونبحث لنا عن نُهجٍ تنموية جديدة، فهناك خرافتان متعلقتان بسياسات الحد من الفقر، الأولى تحصر عدد الفقراء في 20% من سكان العالم، رغم أن النسبة الحقيقية للفقراء في العالم تتراوح بين 40% و60%، والغرض من تقليص أعداد الفقراء واضح، وهو إرجاع أسباب الفقر إلى الفقير نفسه، وليس الفقر نتاجًا لسياسات اجتماعية واقتصادية تستهدف عزل النتائج عن الأسباب، وعزل الفقر عن الإفقار وآلياته، وفى ذلك تحامل واضح على الفقراء، وتحايل أوضح على الحقائق؛ حتى تتنصل الحكومات من مسئولياتها كمصدر أساسى للإفقار، وفي هذا الصدد أطالب بإعادة النظر في رؤية مصر 2030، لأنها وضعت قبل قرار التعويم.
أما الخرافة الثانية فإنها تكمن في الاعتقاد بأن خط الفقر لا يمكن تحديده إلا من خلال قياس مدى استهلاك السعرات الحرارية والقوة الشرائية لكل أسرة، رغم ثبوت عدم دقة هذين المؤشرين في تحديد خط الفقر، وأن نسبة الفقر عادة ما تكون أكبر بكثير من النسبة التي أسفرت عنها هذه المؤشرات.
الحكومات جميعها وليس في مصر وحدها لا تملك مقاييسًا عادلة لتحديد من هُم الفقراء؛ ولهذا فدائمًا ما تتحدث حكوماتنا بأن "دعمها" عادة ما يصل إلى غير مستحقيه، وربما تكون الدولة محقة في ذلك، ويجب على الدولة أن تفرق في مشاريعها بين المشاريع الاجتماعية ذات العائد "الاقتصادي" كالصندوق الاجتماعي للتنمية، وبين المشروعات الاقتصادية ذات العائد "الاجتماعي" كالبنوك والشركات، فالنوع الأول لا بد أن يكون منحازًا لصالح الفقراء وليس لـ"رأس المال" كالنوع الثاني، وإذا أُجيز للمصرفي أو "البنكير" رئاسة المشروعات الاقتصادية؛ فإن رئاسة "المصرفي" للمشروعات الاجتماعية يعتبر جريمة في حق الفقراء وبرامج التنمية معًا!
نعم، فعادة ما يصم المصرفيون آذانهم عن نصائح التنمويين ويعتبرونها بمثابة إهدار للمال، ويتعاملون مع برامج مواجهة الفقر بمبدأ المكسب والخسارة، ويحسبون نجاحهم في إدارة مؤسساتهم بحجم الأرباح التي تحققت من جراء إقراض الفقراء، وليس بعدد الفقراء الذين تجاوزوا خط الفقر!
توليت مستشار وزير التضامن الاجتماعي مرتين الأولى من عام 2017 إلى 2018، والثانية من يناير 2020 إلى يوليو 2024، وعملت في الفترة الأولى بالشراكة مع البنك الدولي في إنشاء الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية لأنني كنت من الذين استعانت بهم الأمم المتحدة في 2013 لوضع مفهوم الحماية الاجتماعية وكان مصطلحا جديدا، وتحدثت عنه بعد الحراك الشعبي في 2011، كمفهوم بديل لحقوق الإنسان بعد ثورات الربيع العربي، وكان مفهوما سيء السمعة وكان لابد من بديل لا يركز فقط على الحقوق السياسية وحرية الرأي وإنما يحمي أيضا الحقوق الاجتماعية، وحدث اجتماع مهم في الرباط برعاية الأمم المتحدة ومنظمة العدل الدولية ومنظمة الصحة العالمية، وفكرنا في مفهوم بديل وكان الحماية الاجتماعية ولكن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان لم يكن به شيء يخص هذا المصطلح وجعلناه بديلا عن مفهوم الضمان الاجتماعي، ووضعنا خارطة الطريق لمفهوم الحماية الاجتماعية بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، ثم توليت منصب مستشار وزير التضامن للحماية الاجتماعية، وقدمت الاستراتيجية القومية للحماية الاجتماعية، ثم برنامج سكن كريم ولقي قبول ومساندة الرئيس بشكلٍ كبير، ووضعت محور العدالة الاجتماعية للتنمية المستدامة مصر 2030.
في الفترة الثانية توليت مستشارا للسياسات الاجتماعية، قدمت العديد من المشروعات منها إنشاء وحدات للتضامن الاجتماعي بالجامعات وكانت حوالي 32 وحدة بمثابة وزارة تضامن مصغرة بتمويل ذاتي وصل إلى مليار و200 مليون جنيه، وأصبحت هذه الوحدات بمثابة حاضنات للطلبة وحلت محل الجماعات المتطرفة التي كانت تستغل الطلبة وتستقطبهم بدفع المصروفات وخلافه، كما قدمت مشروع الإسعاف الاجتماعي، أيضا تبنينا مشروعا عن المفرج عنهم وأسرهم، فيما قدمت مشروع بنك التطوع المصري، بالتعاون مع المؤسسات الأهلية، وعديد من بروتوكولات التعاون مع أهل مصر وجمعية أهل الخير والجمعية الشرعية وأصبح المتطوعون في هذا البنك 61 ألف شخص منتشرين في جميع ربوع مصر، ولم تعتمد هذه المشاريع على أي مصدر تمويل دولية أو محلية أو حتى موازنة الدولة.
بالفعل قدمت نظرية متلازمة الإصلاح والتنمية، وأرى أنه لا يمكن وجود تنمية دون إصلاح اجتماعي حقيقي، والدولة منذ السبعينيات تعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية، والسؤال هل نجحت خطط الدولة الاقتصادية في تحقيق أهدافها بالقطع لم تنجح لأن الفقر يتزايد، ومنذ الأربعينات لم نجد من يتحدث عن الإصلاح الاجتماعي، وهذه النظرية تنظر إلى الحياة باعتبارها سيركا كبيرا، وليس مسرحا كبيرا، وحين يقع لاعب السيرك فإنه يقع بشكل حقيقي على عكس الممثل، والمواطن ليس ممثلا وإنما لاعب اكروبات يدخل حلبة الحياة لينتقل من حبل إلى حبل ولذا لا يجب أن يقع وإذا وقع لا يموت، وهذا هو دورنا والنظرية تناقش تقليل عدد مرات سقوط الأكروباتي أي المواطن في الفقر وإذا سقط في الفقر لا يقع في الجوع، وذلك عن طريق شبكة حماية اجتماعية طارئة حتى ننقذه.
قدمنا في جامعة دوك بولاية كارولينا الشمالية رؤيتنا لتحقيق الاصلاح والتنمية ولاقت قبولا دوليا كبيرا واستحساناً من خبراء التنمية في العالم وأكثرها ما يميزها أنها قريبة من أوضاع الدول النامية، وتم بناء أفكارها في ضوء خبرات الدول التي قفزت من دائرة الفقر إلى التنمية وفي ضوء الظروف الحالية التى تعيشها الدولة المصرية من زيادة كبيرة في معدل التضخم وارتفاع معدل الفقر.
أدركت أن لغة الحديث عن الحماية الاجتماعية وأرضياتها والتنمية ومفاهيمها ليست واحدة بين صانعي القرار والمسئولين ولهذا عكفت لمدة ٧ سنوات لإعداد معجم يضم كافة المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بالتنمية والحماية الاجتماعية والمتفق عليها دولياً لتوحيد لغة الحوار بين المعنيين بما ينعكس على سياسات التنمية والحماية الاجتماعية ويقلل معدلات الهدر ويجعل سياسات الدولة متصلة وغير منفصلة ولا ترتبط بوجود مسئول أو رحيله ويعتبر هو المعجم الأول عالميا في مجال الحماية الاجتماعية وهناك عروض لترجمته إلى الانجليزية والفرنسية.
عرف المواطن المصري بالصلابة والجدية والكفاح والمثابرة، ولكن في الفترة الماضية أضيفت إليه صفات جديدة، مثل ثقافة "التيك أواي"، وهذا الشعب الذي قاوم الاحتلال على مدار العصور المختلفة، من المماليك والدولة العثمانية مروراً بالاحتلال الفرنسي والإنجليزي، وصولاً إلى تتويج كفاحه بنصر أكتوبر على العدو الإسرائيلي، بات يميل إلى الفهلوة والاستعجال، وحتى أشكال الفنون تغيرت، بما في ذلك الأغنية والفلكلور والدراما. كذلك طرأت تغييرات على بعض الظواهر الاجتماعية مثل طريقة الحلاقة والملبس. كل هذه التغيرات تشير إلى أن المواطن المصري تخلص من بعض السمات التي كان يتسم بها تقليدياً.
التغير في الشخصية المصرية مرتبط بتطورات اقتصادية واجتماعية عميقة، منها الانفتاح الاقتصادي الذي بدأ في السبعينيات. هذه الفترة شهدت تحولات كبيرة، حيث دخلت أنماط جديدة من الاستهلاك والسلوكيات الاجتماعية، مما أدى إلى تغييرات ملحوظة في القيم والعادات.
الدول المتقدمة تراهن على الاستثمار في العقل البشري باعتباره القاطرة الآمنة للتنمية، فهو مصدر ثروتها الذي لا ينفد. على العكس، تعتمد الدول المتخلفة على استنزاف مواردها الطبيعية فقط لتعيش وتتطور.
على سبيل المثال، شركة مثل "سامسونج" حققت أرباحاً تصل إلى 327 مليار دولار في عام واحد، وهو رقم قد تحتاج دول كثيرة إلى مائة عام لتحقيقه من ناتجها المحلي.
اليابان مثال واضح على ذلك، فقد هُزمت في الحرب العالمية الثانية، لكنها خلال أقل من خمسين عاماً انتقمت من العالم بالعلم والتقنية. وكما قال فيكتور هوجو: "المحنة تصنع الرجال، ورغد العيش يصنع الوحوش".
بناءً على نظرية "الثلث في المائة"، يمكن تقسيم المجتمع الإنساني إلى ثلاث فئات رئيسية:
1. الثلث الأول: يمثل الأشخاص الإيجابيين والمثابرين، الذين يمتلكون إرادة قوية للإصلاح والإنتاج.
2. الثلث الثاني: يمثل الفئة السلبية، التي تميل إلى الفساد والتكاسل، وتعيش على حساب الآخرين.
3. الثلث الثالث: يمثل الأشخاص الذين يقفون في منطقة وسطى، وصفهم "مالك بن نبي" بـ"إنسان النصف". هؤلاء يتسمون بعدم القيام بالحد الأدنى من واجباتهم، رغم مطالبتهم بحقوقهم.
على مدى الثلاثين عاماً الماضية، أثرت الخصخصة على المجتمع المصري بشكل كبير. رغم أنها تستهدف في ظاهرها توسيع قاعدة الملكية، فإنها في الواقع تنقل الأصول من مجموع الشعب إلى فئة صغيرة.
توسيع ملكية الفقراء ومحدودي الدخل في بعض المشروعات قد يساعدهم على تحسين مستواهم المعيشي وتنمية هذه المشروعات، مما يحد من اتساع الهوة بين الطبقات.
صندوق النقد الدولي طرح ثلاثة سيناريوهات لتطبيق "الدخل الأساسي الشامل" في مصر، تستهدف جميعها الحد من الفقر، وهي:
1. السيناريو الأول: منح جميع المواطنين مبلغاً مالياً قدره 725 جنيه سنوياً، بتكلفة 3.5% من الناتج المحلي، مما يخفض الفقر بنسبة 4.1%.
2. السيناريو الثاني: توجيه المبلغ للأطفال دون سن 17، بتكلفة 1.3% من الناتج المحلي، مما يخفض الفقر بنسبة 5.6%.
3. السيناريو الثالث: توجيه الدعم للأطفال وكبار السن، بتكلفة 1.5% من الناتج المحلي، مما يخفض الفقر بنسبة 6.1%.
بالفعل، فوجئت برأيي في سياسات الصندوق منشورة على موقعهم بجوار كبار المفكرين العالميين مثل الخبير الألماني أرنست فولف أستاذ الفلسفة في جامعة بريتوريا، والمسؤولة السابقة في برنامج الأمم المتحدة للتنمية «إيزابيل غرامبرغ»، وأرى أنه على مدار 90 سنة من وجود الصندوق، ما من دولة حصلت على قرض منه وحققت عائداً تنموياً ملموساً، وأن كل الدول التي حصلت على قروض من الصندوق لا تستطيع تحقيق نهضة اقتصادية أو تنموية، فالقرض يدمر الاقتصاد، ويؤدي إلى تآكل الطبقة الوسطى لتهبط إلى طبقة الفقراء، وتتقلص طبقة الأغنياء.
نجاح سياسات الحماية الاجتماعية يتوقف على:
1. تحقيق تكافؤ الفرص بين المواطنين في التعليم والصحة والعمل وكافة الحقوق الأساسية.
2. الحفاظ على الطبقة الوسطى والحد من الفوارق بين الطبقات.
3. التركيز على المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر كمحرك رئيسي للنمو
4. تقليل الاعتماد على القروض، وتوحيد السياسات الائتمانية لدعم الفقراء وتحفيز الإنتاج.