يترك الراحلون بصمات لا تنسى في قلوب محبيهم، وتظل ذكراهم حية في الأعمال التي قدموها، وقد جاء رحيل الفنان حسن يوسف الذي يعد من أبرز رموز الفن العربي، ليشكل صدمة حقيقية في قلوب محبيه، وعشاق فنه، فرحيله لا يمثل فقدان فنان وحسب، بل فقدان جزء من تاريخ الفن العربي والمصري، ولكن إسهاماته الكبيرة ستبقى خالدة وستظل أعماله تروي قصصاً عن القيم والمبادئ.
كان حسن يوسف عاشقا للمسرح، وقدم العديد من الروايات على خشبة المسرح القومي، حتى قبل تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية، كان قد قدم خمس روايات وهو لا يزال طالبا، وكان كل طموحه في الفن لا يتعدى خشبة المسرح، فالمسرح بالنسبة له كان الحياة.
ولكن دفعه القدر ليكون واحداً من أبرز نجوم السينما المصرية، ويعود الفضل لذلك الفنان الكبير الراحل حسين رياض، الذي ساعده في بداية طريقة وكان بمثابة الأب الروحي له، وجاء ذلك بسبب موقف قام به حسن يوسف دون ترتيب عندما كان يعرض مسرحية "زواج الحلاق" على المسرح القومي، وكانت بطولة حسين رياض، وحسن يوسف كان أحد أبطالها الخمسة، بالرغم من كونه أصغرهم.
عرضت مسرحية "زواج الحلاق" على مسرح الأوبرا القديمة وفي يوم الافتتاح حضر العرض قامات كبيرة لعل أبرزهم الراحل طه حسين، حتى جاءت لحظة التحية، وجد حسن يوسف نفسه في وسط أربع قامات كبيرة مثل حسين رياض وفردوس حسن، فشعر بخجل "كيف أقف بجانب هؤلاء القامات في التحية وأتساوى بهم"، فلم يجد نفسه سوى أنه أخذ خطوة للوراء ليقف وراءهم، وعندما لاحظ حسين رياض هذا الموقف ما كان عليه إلا أنه مسك بيده وأوقفه بجانبه على المسرح، وبسبب هذا الموقف لمس حسين رياض فيه القيم النبيلة.
وهناك موقف لا ينسى قام به حسين رياض معه، عندما تخرج حسن يوسف فى المعهد العالي للفنون المسرحية، وجاء وقت التعيينات بالمسرح القومي، فوجئ حسين رياض أن كل المعينين من أبناء الموظفين، وهنا سأل لماذا لم يعين حسن يوسف، وجاءه الرد أنه في كل الأحوال يعمل بالمسرح القومي ويقدم روايات، فما كان عليه إلا أن قام بكتابة استقالته اعتراضا على عدم تعيينه، فوافقوا على الفور على التعين.
ولم يكتف حسين رياض بذلك فقط، بل رشحه لأول فيلم سينمائي له وهو "أنا حرة" عندما كان يعرض إحدى الروايات في المسرح القومي، وجاء صلاح أبو يوسف لمشاهدته وبعد العرض مباشرة، استدعاه في المكتب وعرض عليه العمل معه في السينما، ومن هنا جاءت انطلاقته السينمائية.
فحسن يوسف لم يكن أبداً فنانًا عاديًا، بل كان رمزًا للأخلاق والقيم الفنية الرفيعة، لقد أثر في جيل كامل من الفنانين الذين اعتبروا أعماله مصدر إلهام، بالإضافة إلى موهبته الفائقة، فحسن يوسف برغم رحيله سيظل خالداً في ذاكرتنا وسيبقى اسمه مرتبطاً بالإبداع، فرحمة الله على الفنان حسن يوسف.