في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
عدن- دخلت المحافظات الجنوبية في اليمن مرحلة غير مسبوقة من التصعيد السياسي والعسكري، وسط مخاوف شعبية متزايدة من انزلاق الأوضاع نحو مواجهة مسلحة واسعة النطاق، إذا لم تُحتو الأزمة سريعا.
وجاءت شرارة هذا التصعيد عبر ضربة جوية نفذها تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية استهدفت معدات عسكرية وصلت على متن سفينتين إلى ميناء المكلا بمحافظة حضرموت، بالتزامن مع قرارات وُصفت بالحاسمة أصدرها مجلس القيادة الرئاسي، شملت إعلان حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، واتخاذ إجراءات تتعلق بالوجود العسكري الإماراتي في الجنوب.
وتعود جذور التوتر الحالي إلى التحركات العسكرية المفاجئة التي نفذها المجلس الانتقالي الجنوبي مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، الذي أعلن خلالها سيطرته على محافظتي حضرموت و المهرة، اللتين تشكلان نحو نصف مساحة اليمن، رافضا الدعوات المحلية والإقليمية للانسحاب.
وتمكن المجلس من فرض سيطرته بعد أيام من التوتر مع " حلف قبائل حضرموت"، الذي يطالب بالحكم الذاتي ضمن إطار الدولة اليمنية الموحدة، في مقابل مساع من الانتقالي لترسيخ مشروعه القائم على إقامة دولة جنوبية مستقلة.
ومع انتهاء المهلة غير المعلنة التي حددها التحالف لانسحاب قوات المجلس، تتصاعد التحركات العسكرية بوتيرة متسارعة، حيث دفعت قوات " درع الوطن" الموالية للمجلس الرئاسي والمدعومة من السعودية بتعزيزات كبيرة إلى حضرموت والمهرة، في محاولة واضحة لإنهاء سيطرة الانتقالي الجنوبي على المواقع والمعسكرات الحيوية في المنطقتين.
وتتمركز هذه القوات حاليا في مواقع إستراتيجية بمحافظتي شبوة وحضرموت، مع وصول تعزيزات إضافية إلى منطقة العبر على تخوم وادي حضرموت.
في المقابل، اعتبر الانتقالي الجنوبي هذه التحركات بمثابة استهداف مباشر لنفوذه، متهما مجلس القيادة الرئاسي بتجاوز التوافقات السياسية ودفع البلاد نحو صدام داخلي، في حين لم يستجب الانتقالي لدعوات التهدئة وعمل على تكثيف انتشاره العسكري في مدن الساحل الحضرمي، مثل المكلا والشحر، وأرسل تعزيزات إضافية من محافظات عدن ولحج والضالع باتجاه حضرموت والمهرة.
وخلال اليومين الماضيين، شهدت مناطق عدة بمحافظة حضرموت مثل "وادي خرد" شمال الشحر و"غيل بن يمين"، تحركات ميدانية وتطورات متسارعة، شملت فرض أطواق أمنية واستنفارا واسعا في صفوف القوات المنتشرة على الأرض.
ووصف الصحفي والناشط الحضرمي عبد الجبار الجريري الوضع الراهن في المحافظة بأنه "بالغ الخطورة"، وقال في حديثه للجزيرة نت إن "مواجهات محدودة اندلعت في وادي خرد، لكنها توقفت لاحقا، ف حين لا يزال التوتر سيد الموقف، وسط قلق شعبي متزايد من احتمالات الانزلاق إلى صدام شامل خلال الأيام المقبلة".
وأضاف "توجد حاليا حشود عسكرية كبيرة لقوات درع الوطن في منطقة العبر، وهي في حالة جاهزية تامة بانتظار أوامر التقدم وفق ما أكدته مصادر مطلعة داخلها"، لافتا إلى أن "قوات المجلس الانتقالي عززت انتشارها في حضرموت، ولم تستجب لدعوات خفض التصعيد أو الانسحاب منها ومن المهرة، بل دفعت بتعزيزات إضافية من عدن والضالع ولحج".
ويسيطر المجلس الانتقالي حاليا على معظم المحافظات الجنوبية، وتُعدّ عدن والضالع ولحج معاقله التقليدية التي يتمتع فيها بنفوذ عسكري وأمني واسع. أما حضرموت، فرغم أنها ليست من حواضنه التاريخية، فإن قادتها يرون في مواردها النفطية وموقعها الجغرافي عناصر إستراتيجية حاسمة "لإنشاء دولة جنوبية مستقلة وقابلة للحياة".
لكن هذا الطموح يواجه رفضا واضحا من الرياض، التي ترى في أي خطوة نحو الانفصال تهديدا مباشرا لاستقرار المنطقة ولمشروعها الداعم لوحدة اليمن تحت مظلة الشرعية، فهي تنظر إلى حدودها الطويلة مع اليمن، والتي تمتد لأكثر من 425 ميلا، وإلى الروابط القبلية والاجتماعية العميقة مع حضرموت، باعتبارها جزءًا من أمنها القومي. كما تتابع سلطنة عُمان التطورات في المهرة بقلق، نظرا لأهميتها الإستراتيجية المباشرة لأمنها واستقرارها.
ويرى مراقبون أن المشهد في الجنوب يتجه نحو مرحلة شديدة التعقيد، فمع أن المؤشرات الراهنة لا تمنح يقينا باندلاع مواجهة واسعة، فإنها في الوقت نفسه لا تستبعد انفجار الوضع في أي لحظة، خصوصا في ظل الضبابية المحيطة بإعلان الإمارات سحب قواتها.
ويرجّح خبراء أن المشهد في محافظتي حضرموت والمهرة لا يزال مفتوحا على أكثر من سيناريو، في ظل استمرار التحشيد العسكري من قبل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، مقابل تعزيزات لقوات "درع الوطن" الموالية للمجلس الرئاسي والمدعومة من السعودية.
وأكد الباحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية علي الذهب أن المؤشرات الحالية لا تكفي للجزم بحدوث صدام واسع في المدى القريب، خصوصا بعد إعلان الإمارات سحب ما تبقى من قواتها أو الفرق المسلحة التابعة لها، لكنه شكك في مصداقية هذا الإعلان، معتبرا أنه قد يكون مجرد محاولة لتهدئة التوتر مؤقتا، تمهيدا لاستئناف الدعم العسكري للمجلس الانتقالي عبر الموانئ والمطارات.
ويرى في حديث للجزيرة نت أن السيناريو الأقرب هو استمرار حالة التوتر الأمني والعسكري، مع بقاء احتمالات الانفجار قائمة إذا شعرت السعودية والحكومة اليمينة الشرعية أن الإمارات تحاول كسب الوقت لإعادة ترتيب أوراقها، خصوصا في ظل الدفع الكبير لقوات الانتقالي وتسليحها وإسنادها اللوجستي والاستخباراتي.
وحسب الذهب، فإن حضرموت تمثل نقطة الاشتعال الأخطر، إذ قد تتحول إلى ساحة مواجهة بين القوات الحكومية المدعومة بتحالف قبائل حضرموت وقوات "درع الوطن" من جهة، وقوات المجلس الانتقالي من جهة أخرى، محذرا من أن تفجير الوضع هناك "لن يبقى محصورا في الجنوب، بل قد يفتح شهية الحوثيين لاستغلال الموقف والتحرك باتجاه مناطق حساسة مثل مأرب وتعز، بما يعيد خلط الأوراق عسكريا ويضعف موقع الحكومة الشرعية".
من جهته، يقرأ أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء ورئيس مركز اليمن لدراسات النزاع والسلام، ناصر الطويل، تحركات الانتقالي في حضرموت والمهرة ضمن سياق أوسع يرتبط بتراكمات سياسية وأمنية، في مقدمتها الدعم الذي تلقته تشكيلاته العسكرية وتنامي نفوذه على حساب مؤسسات الدولة، في ظل هشاشة السلطة الشرعية و"تباطؤ التعاطي السعودي الحاسم مع هذا الملف خلال الفترة الماضية".
وقال للجزيرة نت إن وصول قوات الانتقالي إلى مناطق قريبة من الحدود السعودية، بالتزامن مع تطورات إقليمية حساسة كالحرب في السودان، والاعتراف الإسرائيلي ب أرض الصومال، دفع الرياض -وفق تقديرات سياسية- إلى اعتبار ما حدث تجاوزا لخطوط حمراء تمس أمنها القومي، مما يفسر التحرك السعودي الأكثر حزما، والقرارات التي تبناها مجلس القيادة الرئاسي مؤخرا.
وباعتقاد الطويل، فإن المشهد مفتوح على عدة سيناريوهات، أبرزها انسحاب قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة كحد أدنى يُرضي السعودية، أو مضي الرياض في ترتيبات سياسية وعسكرية أوسع تُضعف الانتقالي وتعزز حضور السلطة الشرعية، مشيرا إلى أن السعودية لم تعد في موقع يسمح لها بالتراجع قبل تحقيق أهدافها في هذا الملف.
وفي حال انزلاق الأوضاع إلى صدام مباشر، رجح الطويل حدوث تحولات داخل بنية المجلس الانتقالي، بما في ذلك انشقاقات محتملة في بعض الألوية، وابتعاد شخصيات سياسية عنه إذا تراجعت الضمانات أو ضعف الدعم الخارجي، في وقت تملك فيه الرياض أدوات ضغط واسعة تخولها التأثير في مسار الأحداث وتوجيهها بما يخدم رؤيتها الإستراتيجية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة