ينتظر العراق عودة امدادات الغاز الإيرانية التي انقطعت، الثلاثاء الماضي، عن محطات كهربائه في حادثة تتكرر مرات عدة سنوياً منذ 8 أعوام، مكبدة العراق خسائر كبيرة في قطاع الكهرباء.
وأعلنت وزارة الكهرباء العراقية، الثلاثاء، توقف الغاز الإيراني بالكامل، فيما أشارت إلى اتخاذ إجراءات بديلة لتجاوز الأزمة بمحطات الإنتاج لحين عودة الإمدادات.
وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد موسى في بيان، إن “ضخ الغاز الإيراني متوقف بالكامل، وخسرت المنظومة الكهربائية ما بين 4000 الى 4500 ميغاواط، نتيجة توقف بعض الوحدات التوليدية وتحديد أحمال وحدات أخرى بمحطات الإنتاج، مما أثر على ساعات التجهيز”، ولم يوضح أسباب انقطاع امدادات الغاز من إيران وكم سيستمر هذا الانقطاع.
لكن إيران أكدت أن توقف صادراتها من الغاز إلى العراق “مؤقت وطبيعي”.
وأوضح أمين عام غرفة التجارة الإيرانية العراقية المشتركة، حامد حسيني، في مقابلة مع موقع “اقتصاد 24” الايراني، أن “توقف صادرات الغاز إلى العراق يعود لنقص الغاز الذي نواجهه حاليًا في البلاد، وهو نقص غير مسبوق في السنوات السابقة”.
وأضاف حسيني: “بموجب الاتفاقيات القائمة مع العراق، علينا تصدير 20 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا. ونصدر هذه الكمية بشكل رئيسي في فصلي الربيع والصيف عندما يكون الوضع أفضل، ونقلل حجم الصادرات في فصلي الخريف والشتاء، وأحيانًا نتوقف عن التصدير في الشتاء”، مشيراً الى أنه وبمجرد حلّ المشاكل داخل إيران، ستُستأنف صادرات الغاز وستستمر كالمعتاد.
وعلى الرغم من أن تصريحات المسؤول الإيراني تشير الى ازمة طاقة كبيرة في إيران، الا صادرات الغاز الإيراني الى تركيا متواصلة على عكس العراق. وتزود إيران تركيا سنويا بقرابة 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي وفق عقد موقع بين أنقرة وطهران منذ عام 2001. ومن المقرر أن تنتهي مدة الاتفاقية البالغة 25 عامًا في منتصف عام 2026، بحسب منصة “الطاقة” ، وهي منصة بحثية واستشارية متخصصة في أسواق الطاقة مقرها واشنطن.
ويشير الباحث والخبير في مجال الطاقة، دريد عبدالله، إلى أن سبب انقطاع امدادات الغاز الإيراني الى العراق واستمراره الى تركيا يعود الى اختلاف البنية الفنية لشبكة نقل الغاز داخل إيران.
“العراق يتغذى من الأنبوب السادس (IGAT-6)والذي يزود أيضا محافظات غرب وجنوب غرب إيران، ومنها مناطق كردستان إيران وهو خط أقل مرونة من بقية الأنابيب ويتأثر مباشرة بذروة الاستهلاك الشتوي فعند ارتفاع الطلب المحلي، ينخفض الضغط في هذا الخط بشدة فتتقلص أو تتوقف الإمدادات المتجهة إلى العراق”، يوضح عبدالله لـ”الحرة”.
ويلفت عبدالله الى أن امدادات الغاز الى تركيا هي عبر الأنبوب التاسع (IGAT-9) المرتبط بشبكة أوسع في غرب وشمال غرب إيران، مما يسمح بالحفاظ على مستوى اقل من التدفق نحو تركيا عند توفر الضغط، لكن ليس بكميات كبيرة كما يُشاع، مشيرا الى أن تركيا نفسها لا تستلم غازًا ايرانياً بمعدلات ثابتة طوال السنة.
ووقعت وزارة الكهرباء العراقية في أبريل 2024، عقدا مع الشركة الوطنية الإيرانية للغاز ينص على تمديد تصدير الغاز الإيراني إلى العراق لمدة خمس سنوات، ستصدر بموجبه إيران 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا إلى العراق لتشغيل محطات توليد الطاقة.
ويؤكد الخبير في قطاع النفط والغاز، كوفند شيرواني، ضرورة أن يكون هناك “رد أو موقف عراقي من هذه الانقطاعات لوجود عقد موقع بين بغداد وطهران على توريد الغاز إلى العراق لمدة خمس سنوات او بواقع 50 مليون متر مكعب يوميا”.
“ينبغي على الجانب الإيراني الالتزام بهذه التوريدات من الغاز، لأنها ترسل مباشرة إلى محطات الطاقة الكهربائية، واي انقطاع لها يجعل العراق يفقد الكثير من الطاقة الكهربائية ويسبب أزمات اجتماعية وخاصة في فصل الشتاء، وهذا طبعا يزيد معاناة المواطنين”، يبين شيرواني لـ”الحرة”.
ووفقًا لإحصائية نشرتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) في نوفمبر الماضي، يحتاج العراق إلى 35 ألف ميغاواط من الكهرباء لتزويد البلاد، ويستمد نحو ثلث إنتاج محطات توليد الكهرباء، الطاقة من الغاز المستورد من إيران.
ويتفق الخبير الاقتصادي نبيل التميمي مع عبدالله من ناحية أن إيران تواجه عجزا في امدادات الغاز أو في كمية انتاج الغاز، الذي يستهلك داخل إيران خلال هذه الفترات في ذروة الشتاء والصيف، لأغراض زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية وللتدفئة بسب التغير الموسمي.
“العجز الذي يحدث عند إيران نتيجة محدودية الإنتاج دائما ما ينعكس على العراق أولا، لأن إيران قد لا تستطيع وقف الإمدادات عن تركيا، باعتبار تركيا متعاقدة جيدة تستطيع اخذ حقوقها التعاقدية بشكل كامل من إيران. لكن العراق قد يكون أضعف في هذا المجال، لعدم قدرته على استيفاء حقه التعاقدي، فضلا عن ان العراق غير قادر على الدفع تكاليف الغاز المستورد، إثر العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران”، يضيف التميمي لـ”الحرة”.
لكن المحلل السياسي الإيراني فرزين كرباسي، المقيم خارج البلاد، يرى أن كميات الغاز التي تصدرها إيران الى العراق ضخمة، ولم يعد باستطاعة طهران توفير الغاز لنفسها وتصدير هذه الكميات الى العراق في نفس الوقت.
يقول كرباسي إن “النظام في إيران يخشى من أن يؤدي العجز في انتاج الغاز وعدم تمكنه من توفيره داخليا للتدفئة وتوليد الكهرباء بالتزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وعدم تلبية حاجات المواطنين الى تأجيج الشارع واندلاع المظاهرات”.
ومنحت الولايات المتحدة العراق منذ عام 2018، وخلال الدورة الرئاسية الأولى للرئيس دونالد ترامب، إعفاءً من العقوبات الأميركية على إيران، ما سمح له بدفع ثمن الكهرباء للأخيرة، واستمر هذا الاعفاء على مدى السنوات الماضية لحين اعلان ترامب إلغائه في مارس الماضي في إطار حملة “الضغوط القصوى” ضد طهران، والهادفة إلى الحد من برنامجها النووي والصاروخي ومنعها من دعم الجماعات الإرهابية.
ونقلت رويترز ، في مارس الماضي، عن متحدث باسم الخارجية الأميركية دعوته للحكومة العراقية إلى “التخلص من اعتمادها على مصادر الطاقة الإيرانية في أسرع وقت ممكن”، مضيفاً إن إيران مورد طاقة غير موثوق به.
لكن العراق لم يتمكن، طيلة السنوات الماضية، من الوصول الى استثمار كامل الغاز المصاحب للنفط من حقوله كي يتمكن من الاعتماد عليه في الوصول الى الكتفاء الذاتي في مجال الغاز، ولم يجد بديلا عن الغاز الإيراني.
ويرى الخبير الاقتصادي نبيل التميمي أن العراق تأخر كثيرا في الاستثمار في مجال استخراج الغاز، فالدولة لم تتمكن على مدى أكثر من 3 عقود الماضية من الاستثمار في مجال الغاز.
“خلال الفترة الماضية من حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وقعت عقود واتفاقيات لاستثمار الغاز، لكن هذه العقود لا تظهر ثمارها الا بعد ثلاث او خمس سنوات، لذا تبقى قضية إنتاج الغاز المحلي مرهونة بانتهاء هذه الفترات الزمنية”، يتابع التميمي.
وفي أبريل الماضي، أعلنت وزارة النفط العراقية تحقيق العراق تقدما ملموسا في تقليص نسب حرق الغاز وتحويله إلى استثمار فعّال، مما أسهم في توفير نحو 17 مليار دولار وتحسين البيئة وتوفير فرص العمل.
ونقلت وكالة الانباء العراقية الرسمية عن وكيل وزارة النفط لشؤون الغاز، عزت صابر، قوله إن “نسبة استثمار الغاز في العراق ارتفعت من 53% في عام 2022 إلى 60% في 2023، وبلغت 68% في 2024، فيما وصلت خلال العام الحالي إلى 70%”، معتبراً أن “هذه النسبة تعني انخفاضًا بمعدل 17% في حرق الغاز خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو ما أسفر عن توفير نحو 17 مليار دولار للعراق”.
ويشير شيرواني إلى أنه، وبناء على احصائيات وزارة النفط، من المؤمل أن تصل نسبة استثمار الغاز المصاحب للنفط في العراق إلى 100% خلال ثلاث سنوات، اي في نهاية 2027 أو في 2028، مبينا أنه “عند تحقيق هذه النسبة يمكن الوصول إلى حالة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي والتخلص من فاتورة الغاز التي تكلف العراق حوالي 4 مليار دولار سنويا”.
لكن لماذا تأخّر العراق طيلة السنوات الماضية من استثمار الغاز أو حتى إيجاد بديل عن الغاز الإيراني؟
يجيب كرباسي عن هذا السؤال بالقول: “من المسائل الاستراتيجية بالنسبة لإيران وحتى لروسيا، هي الحيلولة دون استفادة العراق وإقليم كردستان من الغاز واستثماره. لذلك تحاول إيران إبقاء العراق على هذا الوضع كي يبقى تحت هيمنة الطاقة الإيرانية”، معتبراً أن “روسيا تنزعج أيضا من وصول العراق وإقليم كردستان الى مرحلة استثمار الغاز، خشية أن يتحول العراق مستقبلا الى مصدر للغاز الى دول أخرى خاصة أوروبا التي تستورد الغاز من روسيا”.
ويتهم كرباسي إيران بالتورّط، عبر أذرعها، في الهجمات المتكررة التي تعرضت لها حقول النفط والغاز في الإقليم كردستان وخاصة حقل كورمور الغازي، الذي تعرض منذ 2022 الى 11 هجوما بصواريخ وطائرات مسيرة. يضيف: “هذه الهجمات كانت بمثابة تحذيرات إيرانية للعراق وللإقليم بألا يفكرا بتطوير انتاج الغاز والاعتماد عليه وتصديره.”
المصدر:
الحرة