في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
جنوب سوريا- عند الساعة الثانية والنصف ليلا، لم يكن الهدوء سيد الموقف في قرية جملة الحدودية في حوض اليرموك بريف درعا الغربي.
وقالت السيدة ختام البريدي إن قوة عسكرية إسرائيلية اقتحمت منزلها بعد خلع الباب الرئيسي، وحاصرت العائلة قبل أن تدهم غرفة نجلها بلال، وسط صراخ الأطفال ومحاولات يائسة لفهم ما يجري.
وأضافت للجزيرة نت أن الجنود مكثوا داخل الغرفة دقائق معدودة، لكنها بدت دهرا، قبل أن يخرجوا مقتادين نجلها إلى جهة مجهولة خلف الحدود، دون تقديم أي تفسير.
بلال وهو أب لطفلين، لم يسبق له الانخراط في أي نشاط عسكري، ورجع قبل أشهر إلى قريته بعد سنوات من العمل خارج سوريا، قبل أن تنتهي عودته باعتقاله وترك أسرته في مواجهة مصير مجهول.
لم تعد الحدود في جنوب سوريا مجرد خطوط فاصلة على الخرائط، بل تحولت إلى مساحة مفتوحة لتحركات عسكرية إسرائيلية متكررة، طالت القرى الحدودية في ريف درعا الغربي ومحافظة القنيطرة. ويعيش السكان على وقع اقتحامات ليلية مفاجئة، ومداهمات للمنازل، وقيود مشددة على الحركة والعمل، أعادت الخوف إلى تفاصيل حياتهم اليومية.
على بعد كيلومترات قليلة من جملة، تشهد قرية كويا بريف درعا الغربي نزوحا صامتا، فرضته التوغلات المتكررة والقيود المفروضة على الأراضي الزراعية.
من جانبه، غادر الشاب رياض العقلة منزله قبل أشهر بعد أن مُنع من الوصول إلى الوادي الذي يشكل مصدر رزقه الوحيد. وقال للجزيرة نت إن البقاء في القرية بات صعبا في ظل التضييق المعيشي ومحدودية الحركة، مشيرا إلى أن النزوح كان أقل مرارة من الاستمرار في مكان لا يستطيع فيه تأمين احتياجات أسرته الأساسية. وهو يقيم مع أسرته في مدينة نوى، ويعمل بشكل متقطع في انتظار فرصة تعيده إلى حياة أكثر استقرارا.
هذه المنطقة، المعروفة بحساسيتها الجغرافية وتعقيداتها الأمنية، عاشت سنوات طويلة من القلق دون مواجهات مباشرة، قبل أن تفرض التطورات الأخيرة واقعا أمنيا جديدا بالقوة.
من جهته، أوضح مدير إعلام القنيطرة محمد السعيد، في تصريح للجزيرة نت، أن القرى الحدودية في القنيطرة وريف درعا الغربي و ريف دمشق شهدت أكثر من 1500 توغل منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، ترافقت مع عمليات اعتقال طالت أكثر من 30 شخصا، لا يزال بعضهم معتقلا منذ ما قبل سقوط النظام.
وأشار السعيد إلى أن هذه الانتهاكات انعكست بشكل مباشر على حياة المدنيين، لا سيما في القطاع الزراعي، حيث يُمنع المزارعون من الوصول إلى نحو 150 هكتارا من الأراضي، ما تسبب بتعطل الإنتاج الزراعي وخسائر واسعة.
كما لفت إلى تكبد الثروة الحيوانية خسائر كبيرة شملت فقدان أكثر من 200 رأس غنم و14 بقرة، وحرمان مربي المواشي من الوصول إلى المراعي، مؤكدا أن الاحتلال يتمركز حاليا في 10 قواعد عسكرية أُنشئت بعد سقوط النظام، أبرزها في الحميدية وجباتا الخشب.
ويرى ناشطون ميدانيون في المنطقة أن التوغلات الإسرائيلية المتكررة تهدف إلى فرض واقع أمني جديد في الجنوب السوري، عبر الجمع بين الضغط العسكري المباشر وقيود الحركة، إلى جانب سياسات تهدف إلى تطويع المجتمعات المحلية.
ويؤكدون أن هذه التحركات تجري في ظل غياب أي ضغط دولي فاعل، ما يترك السكان وحدهم في مواجهة تداعياتها الإنسانية والمعيشية.
وبين منازل لم تعد آمنة وأراضٍ زراعية حُرم أصحابها من فلاحتها، يجد سكان القرى الحدودية في جنوب سوريا أنفسهم عالقين بين الخوف والنزوح، في انتظار مستقبل لا تزال ملامحه غامضة، وسط صمت دولي يزيد من ثقل المعاناة اليومية.
المصدر:
الجزيرة