في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تخيّل صاروخا موجّها يقترب من هدفٍ محدّد، بينما تستعد أنظمة الدفاع الجوي للتصدي له: خرائط الرادار تضيء والمشغلون يضغطون أزرار الإطلاق المضاد، ثم فجأة يحدث ما لا يخطر على بال أحد. فعلى شاشاتهم لا يظهر صاروخ واحد، ولا حتى رشقة صاروخية، بل تتشظى النقطة إلى مئة ظلّ في جزء من الثانية، وما كان هدفا واحدا أصبح على الفور مئة تهديد، وكل تهديد يطالب بإطلاق اعتراض فوريّ، الموارد تُستنزف والخوارزميات ترتبك، وعند الارتباك تولد الكثير من الثغرات.
الآن ارفع المقاييس، تخيّل جيشا يطور قدرة تجعل كل صاروخ حقيقي يبدو أمام أعين العدو وكأنه مئة صاروخ. إذا هاجم ألف صاروخ مدينة ما، فسترصد دفاعات المدينة على شاشاتها مئة ألف هدفٍ، منها ألف حقيقية وتسعة وتسعون ألفا مجرد سراب.
النتيجة ليست مجرد إرباك تكتيكي، بل انهيار عملي لتوازن التكلفة والقدرة، فأنظمة الدفاع ستفرغ مخزونها من الصواريخ الاعتراضية على أشباحٍ زائفة، وتُترك الأهداف الحقيقية عرضة للنجاح.
هذا التكتيك ليس مجرد فكرة نظرية، بل له أمثلة ميدانية، ففي أغسطس/آب 2022 شرق أوكرانيا، رصدت مسيّرة روسية ما بدا أنه قاذفة صواريخ أميركية من طراز "هيمارس" مخبأة قرب صف من الأشجار، وبناء على ذلك، أطلقت منصات البحرية الروسية صواريخ من طراز "كاليبر" ودمرت الموقع.
ولكن بعد انقشاع الدخان لم تُظهر الأطلال أنابيب إطلاق أو هيكلا معدنيا حقيقيا، بل مجرد شظايا خشب وطلاء، ليتضح لاحقا أن ما استُهدف لم يكن سوى طُعم أوكراني بسيط، أوقع الروس في الفخ وكبّدهم ملايين الدولارات ووقتا ثمينا، مقابل تدمير مواد زهيدة التكلفة.
توضح هذه الحادثة وجها أساسيا من أعمدة الخداع العسكري الحديث، فالفكرة ليست مجرّد خداع بصري، بل خلق واقع يُجبر الخصم على إنفاق موارد كبيرة أو تعديل خططه، بما يعيد تشكيل حسابات التكلفة والفعالية في الحرب الحديثة.
يُعرَّف الخداع العسكري (MILDEC) بأنه أي جهدٍ مقصود تقوم به قوةٌ مسلحة لتضليل صُنّاع القرار لدى الخصم، ما يدفعهم إلى التصرف (أو الامتناع عن التصرف) بما يخدم مصلحة المنفِّذ. يخلق الخداع ضبابا حربيا مصطنعا عبر وسائل متعددة، مثل الإشارات الزائفة والمعلومات المضلِّلة، فضلا عن الخِدع البصرية أو الإلكترونية التي تُشوِّش صورة العدو عن الواقع.
هذا المفهوم يشمل العمليات النفسية والتضليل الإعلامي والخِدع الميدانية، إلى جانب استخدام وحدات أو مواقع وهمية، وكما لاحظ صن تزو قبل أكثر من 2500 عام، فإن كلّ الحروب مبنية على الخداع، وهو ما يعدّ تذكيرا بأن الخداع ليس انحرافا بل مبدأ أساسي في فن الحرب لتحقيق المفاجأة والتفوّق الإستراتيجي.
فطالما مثّل الخداع عنصرا جوهريا في فنون الحرب عبر التاريخ، فمن حصان طروادة وتكتيكات الانسحاب الوهمية في العصور القديمة، مرورا بمبادئ صن تزو التي توصي بالظهور ضعيفا حين تكون قويا والعكس، ظل مبدأ واحد هو الجوهر: جعل الخصم يخطئ في تقدير الواقع ويدفع ثمن هذا الخطأ.
ومع انتقال الساحات إلى عصر البارود والصناعة ازداد تعقيد الخداع وتنوعت أدواته. في الحرب الأهلية الأميركية برزت حِيَل عملية مثل "مدافع الكويكر"، وهي جذوع أشجار مطلية ومرتّبة لتشبه المدافع وتخيف العدو. ثم تطورت في الحرب العالمية الأولى إلى تطبيقات صناعية للتمويه، كطلاء المركبات بأنماط مضللة وإنشاء مواقع مدفعية مزيفة واستخدام رؤوسٍ وهمية على طول الخنادق لاستدراج القناصة وكشف مواقعهم.
أما الحرب العالمية الثانية فكانت ذروةً الخداع المنهجي، الذي صار جزءا من التخطيط الإستراتيجي، حيث استخدمت الدول الكبرى حملات تضليل واسعة النطاق. فأنشأ البريطانيون "مطاراتٍ وهمية" ومجمّعات قادرة على جذب قنابل العدو، واستغل السوفيات الدمى والدبابات المزيفة لدعم هجماتهم المضادة.
أبرز مثال على ذلك "عملية الثبات" قبيل إنزال نورماندي، حيث ابتُكر "جيش" وهمي كامل مع قيادة بلا وجود فعلي، وبُثَّت اتصالات مصطنعة ونُشرت مركبات قابلة للنفخ وزوارق إنزال خشبية، ليبدو من الجوّ أن الإنزال سيجري في مكان آخر، فاحتفظ الألمان بقواتهم في مواقع خاطئة مما ساهم في نجاح الإنزال.
وفي حرب الخليج 1991، حاول العراق مواجهة تحالفٍ تقنيّ متفوق بقيادة الولايات المتحدة من خلال توظيف طعومٍ وخدَع ميدانية، وذلك بنثر براميل مملوءة بالنفط تحت صفائح معدنية في الصحراء لمحاكاة بصمة الأشعة تحت الحمراء لقاذفات سكود، ونشر دبابات ومواقع وهمية، مما أربك مجسات التحالف وأهدَر طلعات جوية على أهداف زائفة.
أما في تسعينيات القرن الماضي، فقد برزت صِيغ أخرى من التضليل، فخلال حرب كوسوفو 1999، استخدمت القوات الصربية دبابات مصنوعة من جذوعٍ وبلاستيك وقماش، كما أضافت في أحيان مصادر حرارة (مثل زيوت محترقة)، لخداع صور الاستشعار الحراري لطائرات الناتو، فانتهى الأمر بقصف نماذج خشبية ومركبات مهجورة، بينما كانت الخسائر الحقيقية أقل بكثير مما رُوِّج لاحقا.
في هذا الإطار، يُعدّ الطُّعم أداة مادية محورية، فهو مجسّم أو نسخة مطابقة لمعدّة أو موقع أو وحدة، تُستخدم لجذب مراقبي العدو أو أجهزة استشعاره ودفعه إلى استهداف ما ليس حقيقيا. تتراوح أمثلة الطعوم من دبابات مطاطية ومدافع خشبية إلى طائرات مسيرة تبثّ إشارات لاسلكية مزيفة، وحتى مجموعات كاملة تحاكي منصّات إطلاق أو مطارات أو مراكز قيادة.
لكي تكون فعّالة، لا يكفي أن تبدو الطعوم حقيقية بصريا، بل يجب أن تحاكي أيضا بصماتٍ طيفية أخرى، منها الحرارة والتوقيع الراداري وسلوك الاتصالات وغيرها، وأن تكون أرخص وأسهل في النشر من العنصر الحقيقي.
ومع أن نشر الطعوم قد يبدو حيلة عتيقة في عصر القنبلة الذكية، غير أن منطقها التكتيكي والاقتصادي يجعلها اليوم أداة فعّالة واقتصادية، فهي تعمل كدرع غير مكلف عبر عرض أهداف بديلة، تُبعد الضربات عن الأصول الحقيقية وتزيد قابلية بقاء المنظومات الحيوية، مثل بطاريات الصواريخ ومراكز القيادة.
كما تُحوّل ميزان التكلفة، فبضع آلاف من الدولارات التي تُصرف على الأسلحة الوهمية (الطُّعوم)، تستنزف طلعات العدو الجوية وصواريخه التي تتكلف مئات الآلاف أو الملايين، وهو ما يلخصه المحلل العسكري روب لي بقوله: إن "صاروخ كاليبر الذي أُطلق على هدف هيمارس وهمي في حقل هو صاروخ لا يمكن استخدامه ضد مدينة أوكرانية"، بمعنى أنه استُنزِف على وهمٍ بدل أن يُستخدم في ضرب هدف حقيقي ذي أهمية إستراتيجية.
وبالإضافة إلى البُعد الاقتصادي، تُهدر الطعوم أيضا وقت العدو وتركيزه، فقد يطارد "أشباحا" لساعات أو لأيام، بينما يعيد تموضع وحداته ويجري استطلاعات إضافية لافتراض وجود تهديد حقيقي، وفي الحرب، كل ساعة يقضيها الخصم في مطاردة أوهام، تعني فرصة تكتيكية لاستغلال محور آخر أو لتنفيذ هجومٍ فعلي في منطقة مُخفّفة الحماية.
علاوة على ذلك، لا يقتصر دور الطعم على الإلهاء أو تشتيت الانتباه، بل يهدف أيضا إلى إغراء الخصم ليفصح عن موقعه. فقد تدفع محطة رادار وهمية أو نقطة نيران مزيفة الخصم إلى الرد، لتبرز وميض الفوهة أو أثر صاروخ أو انبعاثات إلكترونية يمكن تتبعها بدقة، كي تتحول الاستجابة نفسها إلى دليل يقود إلى ضربة مضادة أو إلى تعطيل منظومات العدو، بعبارة أخرى، الطُّعم هنا ليس مجرد هدف زائف، بل فخ تكتيكي يفرض على الخصم "إظهار يده"، بما يمنح المخادع الفرصة لتحويل كشف العدو عن منطقة تواجده إلى خسارة فعلية في الساحة.
وإذا ما كان الطُّعم يُظهر للعدو شيئا غير موجود، فالتمويه يسعى إلى إخفاء شيء موجود. يمكن أن يكون التمويه بصريا، مثل الطلاءات وشبكات التمويه، أو بزّات تتناسب مع التضاريس. لكنّه قد يمتد إلى طبقات طيفية أخرى، فمثلا، تُستخدم أغطية تقلّل البصمة الحرارية للدبابة لتصعيب اكتشافها بكاشفات الأشعة تحت الحمراء.
وغالبا ما يُوظَّف التمويه والطُّعم معا، ويُشار إليهما مجتمعين بمصطلح "التمويه والإخفاء والخداع" (CCD). ففي التطبيق العملي، قد يتم إخفاء بطارية صواريخ حقيقية تحت شبكة، بينما تُعرض بطارية مُزوّرة في العراء لجذب نار العدو.
ومع تطور ساحة الحرب الحديثة لم تعد الطعوم البصرية، مثل الدمى القابلة للنفخ أو الهياكل الخشبية، تكفي لخداع منظومات الاستشعار المتعددة، لذلك تُزوَّد الطُّعوم بتقنيات طيفية أخرى لزيادة مصداقيتها.
ضمن هذه التقنيات طعوم التوقيع الحراري والأشعة تحت الحمراء، القادرة على توليد حرارة اصطناعية تحاكي حرارة محرك أو عادم، بحيث تبدو مقنعة أمام نُظم التصوير الحراري، ويتكامل ذلك مع طعوم أخرى مصممة لتضليل رادارات العدو، يتألف بعضها من هياكل معدنية صغيرة تُسمّى "عاكسات الزاوية" تعمل كـ"مرايا" للرادار، حيث تعكس موجات الرادار بقوة فتُظهر على الشاشة هدفا كبيرا رغم أنها قطعة معدن صغيرة.
أما الطعوم المتقدّمة فليست صامتة، بل تبثّ إشارات تحاكي توقيع الهدف الحقيقي على الموجات اللاسلكية، بغرض تضليل منظومات الرصد. ومن أمثلتها الطعوم الجوية المصغّرة التي تُطلق من الطائرات، وتطير في مسارات مبرمجة، بينما تبثّ توقيعات تشبه طائرة حقيقية أو سربا من الطائرات، فتشغل شاشات الرصد وتشتت جهود الدفاع الجوي.
وهناك طعوم إلكترونية تُحاكي الاتصالات ونُظم الملاحة؛ تبثّ إشارات شبكية أو حزم موقع مزوَّرة لخلط صورة المراقبة الإلكترونية، ففي تجارب ميدانية بسيطة، رُبطت حواسيب مصغّرة بمنصّات طيران مسيّرة مدنية متاحة تجاريا لبثّ إشارات مزوّرة، مما يبيّن أن بعض أشكال التضليل لا تتطلب معدات باهظة لِتحقيق أثرٍ فعّال.
أما ذخائر الطُّعم، فهي مواد أو أجهزة قصيرة الأمد تُستخدم لحظةَ التهديد بغرض تشتيت أو خداع حسّاسات العدو أو صواريخه الموجَّهة، من خلال خلق مصدر مغشوش يملك خصائص تجذب السلاح أو جهاز الرصد بدلا من الهدف الحقيقي. أمثلتها الشائعة تشمل الصواريخ المضيئة التي تُشعل حرارة مؤقتة لخداع الصواريخ الحرارية.
وتكمن قيمة هذه الوسائل في سعرها المنخفض مقارنة بالذخائر الدقيقة أو الخسارة المحتملة، لكنها حلول مؤقتة قد تُكشف أمام أنظمة استشعار متكاملة، لذلك تُستخدم عادةً كطبقة دفاعية مساندة ضمن منظومة أوسع، بمعنى أنها بالأساس عناصر مساعدة.
ورغم إمكانية استخدام كل طعم بمفرده، لكن الخداع الحديث غالبا ما يجمع بينها للحصول على تأثيرٍ متعدد الأطياف. فمثلا، قد يُبنى موقع دفاع جوي وهمي من أنابيب إطلاق قابلة للنفخ (طُعوم بصرية)، ومصادر حرارة مركّبة عليها لتوليد توقيع حراري (طُعوم حرارية)، وعاكس رادار، وحتى جهاز إرسال راداري نشط يبثّ إشارات إلكترونية مزيفة، مع محادثات لاسلكية مفبركة (طعوم صوتية) تُظهر حركة وتواصل الوحدة. وعندما تتضافر هذه العناصر تصبح أجهزة المراقبة -سواء بشرية أو آلية- غير قادرة على تمييز الطُّعم عن الهدف الحقيقي.
لهذا السبب، يركّز المُخططون على خلق خدعة متجانسة تؤثر على كل أجهزة الاستشعار في آن واحد، فما تراه العين يجب أن يتطابق مع ما تكشفه الكاميرا الحرارية والرادار ونُظم التنصت والأنظمة الإلكترونية، ولذلك، يصف المحللون الخدعة الفعّالة بـ"إنتاج فيلم ضخم"، يتطلب تنسيق الديكور والمؤثرات لجعل الوهم مقنعا.
من هنا تنبثق صناعة متخصصة كاملة لإنتاج هذه الطُّعوم والفخاخ متعددة الطبقات. فشركات مثل: روسبال الروسية وساب السويدية ولوبافا البولندية، إلى جانب تمبستيني الإيطالية وإنفلاتيك التشيكية، تخصصت اليوم في تصنيع مجسّمات وأنظمة تهدف إلى خداع كل من المراقبة البشرية والحساسات الآلية. وبعض هذه الشركات يركّز على أقمشة التمويه متعددة الأطياف، وأخرى على الطعوم القابلة للنفخ، وثالثة تطوّر عواكس رادار ومحاكيات إلكترونية.
وتبدأ عملية التصنيع من أبسط عناصر الطعم إلى أعقدها. فأولا يُبنى الشكل الخارجي من قماش قابل للنفخ أو ألواح خشبية أو هياكل مطاطية، ليحاكي البُعد البصري للمنظومة المراد تقليدها. ثم تُضاف طبقات تقنية لإعادة إنتاج بصمات الحساسات، باستخدام عناصر تسخين أو مقاومات لخلق توقيعٍ حراري يلتقطه التصوير تحت الحمراء، بالإضافة إلى عواكس لرفع البصمة الرادارية، ومكوّنات بثّ لاسلكي تُقلّد أنماط الاتصالات والملاحة.
وتختلف الطرازات وطُرق النشر حسب الحاجة اللوجيستية، فثمة نماذج خفيفة تُفكّك وتُحزم في حاويات أو تُحمّل على شاحنات لحركية عالية، ونماذج أثقل تُثبّت على مقطورات وتُنشر خلال دقائق، كما توجد مجموعات معدنية قابلة للتفكيك تقبل الشحن البحري.
تتراوح أسعار النماذج متعددة الأطياف عموما من عشرات الآلاف إلى مئات الآلاف من اليوروهات لكل وحدة، أي أقل بكثير من تكلفة منصة قتالية حقيقية؛ وهذا ما يجعل الطعوم "صفقة اقتصادية" فعّالة لإجبار العدو على إنفاق ذخائر وطلعات مكلفة على أوهام. وهو ما يؤكده فويتخ فريسر، المدير التنفيذي لشركة "إنفلاتيك" التشيكية، بقول: "إذا أجبرت العدو على تدمير شيء 4 مرات، باستخدام أداة قد تكون أغلى بـ20 مرة، فأنا هنا الفائز اقتصاديا".
تُنتج "إنفلاتيك" أكثر من 30 نوعا من الفخاخ العسكرية القابلة للنفخ، تشمل دبابات ومركبات مدرعة وطائرات ومدافع هاوتزر، كما توفر أيضا نسخا مزيفة من أنظمة صواريخ "هيمارس" أميركية الصنع، وقد أُشير إلى أن هذه الأنظمة كانت جزءا من المساعدات العسكرية الغربية التي دعمت المجهود الحربي الأوكراني، نظرا لقدرتها على خداع أجهزة الرصد على امتداد مسافة ميدانية معقولة.
هذه الأنظمة يمكن استغلالها في ساحة المعركة أو في التدريب، وتستخدم "إنفلاتيك" مواد خفيفة مثل الحرير الصناعي، فيبلغ الوزن الإجمالي للخزان المزيف نحو 100 كيلوغرام، ويتطلب تشغيل كل قطعة 4 جنود، في حين تكفي 10 دقائق فقط لفكها ونفخها.
في السياق ذاته، تقدّم "روسبال" الروسية نماذج هوائية تُحاكي البصمات الحرارية والرادارية لأنظمة دفاع جوي متقدّمة، مثل منظومة إس-300، في حين تعمل "ساب" السويدية على تطوير فخاخ جوّية مخصصة للمقاتلات، تُدمَج مع قدرات الحرب الإلكترونية للطائرة لتشتيت الدفاعات الجوية وإشغال شاشاتها. أما "لوبافا" البولندية، فتركّز على أقمشة وغطاءات التمويه متعدد الأطياف التي تقلّل البصمة البصرية والحرارية والرادارية للمركبة.
هذه النماذج تُظهر أُطُر عمل مختلفة، من القابلية للنفخ والسرعة في النشر، إلى الدمج الطيفي متعدد القنوات، وصولا إلى تشتيت قدرات الدفاع الجوي، وكل نهج منهم يخدم سيناريو خداعيا تكتيكيا مختلفا، ويُستخدم حسب الهدف والبيئة والقيود اللوجيستية.
فيما يخص مستقبل صناعة الطعوم، يمكن تمييز اتجاهات عدة في هذا الجانب، أولها يتعلق بجعل الطعوم الأرضية متحركة يتم التحكّم بها عن بُعد. فالطعوم الروبوتية قادرة الآن على السير أو السحب، بحيث تواكب سرعة وحدات المدرعات الحقيقية، مما يزيد مصداقيتها في مناورات التحرك والهجوم.
هذه الطعوم تتحكم بها لوحات أو حواسب لوحية من مسافات قد تصل لعشرات الكيلومترات، وهذا يسهّل استخدامها في مهام خداعية أثناء التقدّم أو التراجع بدل أن تبقى ثابتة وتكشف بسهولة.
اتجاه آخر يتمثل في دمج الذكاء الاصطناعي في تنسيق تشكيلات الطعوم، فأدوات التحكّم الحالية تتيح بالفعل تحريك أهداف عدة معا أثناء التدريب، ومع تقدم الذكاء الاصطناعي ستتمكّن تشكيلات روبوتية من تكرار أنماط حركة وحدات حقيقية، بهدف إرباك المراقب وتضليل قرار العدو. تدريجيا سيصير الفاصل بين الطُّعم والروبوت القتالي الحقيقي أقل وضوحا، لأن الطعوم الروبوتية قد تؤدي أدوارا هجومية خفيفة إلى جانب وظيفتها الخداعية.
الاتجاه الثالث يخص أسراب الطائرات بدون طيار، إذ يمكن لطائرة أو سرب من الطائرات الصغيرة أن يُعيد إنتاج توقيع راداري أو كهرومغناطيسي لطائرة هليكوبتر هجومية أو ناقلة، أو أن يحمل عواكس رادارية ومحاكيات إشارات ليغمر شاشات الرصد بتنبيهات زائفة. هذا الاستخدام يربك منظومات الاعتراض ويشغلها، خاصة عندما تعمل المسيرات في تناغم مع طعوم أرضية روبوتية.
وتشير تقارير إلى أن التشكيلات الوهمية سوف تتطور بحلول منتصف القرن الحالي لتحاكي التشكيلات الحقيقية، لدرجة أن العدو لن يستطيع التمييز بينها إلا عند إطلاق النار. كما أن المسيرات الوهمية يمكن أن تُسلّح، مما يدمج بين الخداع وأدوار القتال الفعلية، حيث يمكن الخلط بين وحدات شبحية، جزء منها مادي والآخر زائف.
فعلى سبيل المثال، يمكن تسليح طائرة واحدة فقط من كل 5 طائرات مسيّرة في السرب واستخدام البقية طُعما، لكن العدو لن يستطيع تحديد أي منها يحمل رأسا حربيا، مما يُعقّد الدفاع بشكل كبير ويخلق حالة عدم يقين مزعجة.
من جهة أخرى، يتسع نطاق الخداع الرقمي عبر إدخال بيانات مزيفة في شبكات العدو، أو اختراقها لإدراج صور وأهداف مصطنعة في نُظم استخباراته، بل وحتى استغلال ثغرات الذكاء الاصطناعي بإدخالات مضلِّلة، لذلك سيصير الخداع عبر الفضاء السيبراني جزءا من "خداع عابر المجالات" يرافق الطعوم المادية.
فضلا عن ذلك، ثمة تقنيات طموحة لكنها ليست ناضجة بعد، مثل التصوير المجسّم ثلاثي الأبعاد "الهولوجرام"، الذي ينتج مؤثرا بصريا مقنعا، مع إمكانية إضافة صوت وتفاعل لمسي في المستقبل. فعندما تصبح هذه الشاشات محمولة وذات دقة عالية قد تُستخدم لصناعة طعوم بصرية متقدمة جدا.
في المقابل، هناك ممارسات تقليدية لا تزال تُستخدم أحيانا، مثل "تعديل المظهر" للمركبة نفسها، أي تحويل دبابة بصريا إلى شاحنة باستخدام ستائر وإطارات خشبية، أو تحويل مركبة قتالية إلى مظهر مدني في بيئة حضرية. هذه الأساليب، رغم بساطتها، تظل فعّالة، رغم أن بعضها قد يثير مسائل قانونية وأخلاقية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة