في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بيروت- يشهد ملف التفاوض بين بيروت وتل أبيب تحولا نوعيا، بعد تكليف الرئاسة اللبنانية السفير السابق لدى واشنطن سيمون كرم برئاسة وفد لبنان إلى اجتماعات لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية في الناقورة، داخل مقر قوات يونيفيل جنوبي البلاد.
ويُعد كرم أول شخصية مدنية غير عسكرية تمثل لبنان في هذه الاجتماعات، في خطوة تنقل المسار من إطاره العسكري التقني البحت إلى مقاربة مدنية ذات غطاء سياسي واضح.
على مدى عقود، اقتصرت مستويات التواصل غير المباشر مع إسرائيل عبر لجان تقنية يقودها عسكريون حصرا، لكن المرحلة الماضية شهدت ضغوطا متزايدة، خصوصا من الجانب الغربي، باتجاه إدخال بُعد سياسي على عمل اللجنة، عبر ترؤس شخصية مدنية لها تمتلك خبرة دبلوماسية وقدرة على إدارة الملفات التفاوضية المعقدة.
من حيث الشكل، جاء التكليف عبر بيان رسمي من القصر الجمهوري أفاد بأن الرئاسة اللبنانية تضع مظلة سياسية واضحة فوق الموفد الجديد، وأشار إلى أن الرئيس جوزيف عون كلّف السفير السابق سيمون كرم بعد التشاور مع رئيسي الحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري ، في دلالة على وجود حد أدنى من التوافق الداخلي حول هذه الخطوة، خصوصا مع شمول بري، الحليف الأساسي لحزب الله، في هذه المشاورات.
أما في الجوهر، فيعكس هذا القرار انتقالا من مرحلة إلى أخرى، فلبنان يسابق الزمن لاحتواء اندفاعة الحرب الإسرائيلية الأخيرة وتفادي تجددها مع نهاية العام، وسط تحذيرات دولية من قابلية انفجار الجبهة الجنوبية مجددا. كما يرتبط بالوقائع التي فرضتها الحرب الأخيرة، وما نتج عنها من معادلات جديدة على الحدود الجنوبية، وإعادة طرح الملفات السيادية الكبرى، ومن بينها ملف حصر سلاح حزب الله داخل النقاشات السياسية.
وفي مقابلة مع قناة الجزيرة، قال سلام إن إدخال شخصية مدنية إلى فريق التفاوض يعكس طابعا مختلفا للمرحلة الجديدة، ورأى أن الخطوة تظهر جدية لبنان واستعداده للانخراط الكامل في المسار التفاوضي وفق الآلية المعتمدة، لافتا إلى إمكانية توسيع الفريق لاحقا ليضم اختصاصيين إضافيين كخبراء الجغرافيا والطبوغرافيا لتعزيز قدرة اللجنة.
في السياق، يؤكد رئيس تحرير جريدة اللواء اللبنانية صلاح سلام -للجزيرة نت- أن دخول كرم إلى اجتماعات لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية يمثل خطوة لافتة، ومؤشرا واضحا على توجه رسمي لإظهار الاستعداد للانخراط في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.
ويأتي هذا التطور -برأيه- في ظل تزايد الضغوط الأميركية والإسرائيلية في الفترة الأخيرة، وبعد مرحلة سادها التوتر وارتفاع منسوب الحديث عن احتمال اندلاع حرب بعد زيارة البابا ليو الـ14 إلى بيروت. وأضاف أن هناك محاولة لبنانية جدية لنزع الذرائع من يد تل أبيب لمنع أي عمل عسكري جديد ضد لبنان، من خلال التقدم في مسار التفاوض عبر آلية عمل اللجنة، خصوصا أن الرؤساء الثلاثة متوافقون على هذا الاتجاه.
ويشير إلى أن الحديث عن اتفاق هؤلاء الرؤساء ينسحب أيضا على دور بري بوصفه جزءا أساسيا من هذا التفاهم، فهو المفاوض باسم الثنائي الشيعي، وبالتالي فإن أي ملاحظات أو تحفظات لدى حزب الله يجب أن تناقَش معه مباشرة لا في أي مكان آخر، باعتباره الجهة التي تولت التفاوض وصولا إلى اتفاق وقف القتال يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وهو اليوم من يمثّل موقف الثنائي في هذا المسار.
بدوره، قال المحلل السياسي جورج علم، للجزيرة نت، إن لجنة "الميكانيزم" التي كانت مهمتها الأساسية الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار تحولت للمرة الأولى إلى لجنة تفاوضية أوسع نطاقا، وهو ما منح الملف اللبناني الإسرائيلي أبعادا جديدة.
ويعتبر أن هذه النقلة تحمل 3 أبعاد رئيسية:
ويتساءل علم، "هل تهدف المفاوضات إلى تطبيق القرار 1701 وتسوية الحدود وفق اتفاق الهدنة كما تطالب بيروت، أم أنها قد تفتح الباب أمام اتفاقات جديدة تحمل طابعا اقتصاديا وأمنيا كما يقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ؟ وهل ستستمر المفاوضات في ظل استمرار الاحتلال والاعتداءات، أم أنها ستصاحب انسحابا تدريجيا من الأراضي المحتلة مع إحراز تقدم ملموس في الحوار؟".
من جانبه، يرى المحلل السياسي واصف عواضة أن هذا التعيين لم يكن مفاجئا، موضحا أنه قيد البحث منذ شهرين إلى 3 أشهر، مع وجود موافقة من جميع السلطات اللبنانية، وأن بيان رئاسة الجمهورية كان واضحا في هذا الإطار، ويشير إلى أن ذلك يعكس توافق الرئاسة على توفير الغطاء السياسي لهذه الخطوة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يتساءل عواضة "ماذا سيتغير؟ وهل ستتغير النوايا الإسرائيلية؟ وهل ترغب إسرائيل فعليا في تنفيذ وقف إطلاق النار؟"، ويؤكد أن من المبكر اتخاذ موقف حاسم بشأن النتائج، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
ويضيف أن السلطات والحكومة اللبنانية لا تعتبر هذه المفاوضات سياسية بالمعنى المباشر، بل تأتي في إطار تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية، بما يشمل القرار 1701.
وحسب عواضة، فإن الضغوطات الدولية، لا سيما الأميركية والإسرائيلية، لعبت دورا في دفع لبنان للمشاركة، غير أنه يرى أن هذه الخطوة لن تحدث تغييرا جوهريا ما لم تكن نية تل أبيب لتنفيذ الاتفاق قائمة، وهو ما يشكك فيه.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة