كشفت وثيقة سرية مكونة من 1200 صفحة ملامح أهم خطة عسكرية في تاريخ ألمانيا الحديث. وصيغت هذه الوثيقة التي تحمل اسم OPLAN DEU بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وقد تحوّلت اليوم إلى العمود الفقري لاستعدادات حلف شمال الأطلسي "الناتو" لسيناريو مواجهة محتملة قد تندلع خلال الأعوام المقبلة مع روسيا.
ووفق تقديرات أمنية أوروبية، قد تكون روسيا جاهزة لمهاجمة دولة من دول حلف "الناتو" قبل عام 2030، وفق ما نقله تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
الخطة، التي وضعت في ثكنة "يوليوس ليبر" في برلين، تحوّل ألمانيا من دولة في الخطوط الخلفية إلى مركز انطلاق مهم ستعبر فيه قوافل عسكرية ضخمة - يصل تعدادها إلى 800 ألف جندي من الولايات المتحدة وألمانيا ودول حلف "الناتو" - نحو الجبهة الشرقية. وهي عملية لوجستية عملاقة تشمل الطرق والسكك الحديدية والأنهار والموانئ، وتستلزم تشغيل المؤسسات المدنية والقطاع الخاص جنباً إلى جنب مع الجيش.
ورغم هذا المخطط، تظهر تدريبات الجيش الألماني الفجوة بين التخطيط والجاهزية الفعلية. ففي تمرين "العاصفة الحمراء – برافو" في هامبورغ، تعطّل موكب يضم 65 مركبة عسكرية لمدة ساعتين بعد أن رمى متظاهرون بأنفسهم على الأرض لإعاقة حركة المركبات، بينما لم تمتلك الشرطة المعدات اللازمة لإزاحتهم. كما حلقت طائرة مسيّرة مجهولة فوق هذه التدريبات، وظهرت فجوات واسعة بين مركبات الموكب العسكري كان يمكن نظرياً لأي طرف استغلالها لاختراقه. كل هذه الثغرات ظهرت في تمرين كان يفترض أنه نموذج مصغّر للحركة الطارئة في حالة الحرب.
لا يقتصر القلق الألماني على تدريبات الميدان، فالهجمات التخريبية تتصاعد بشكل يثير الريبة في البلاد. فقد تعرضت السكك الحديدية الألمانية لعشرات عمليات التخريب، بينها حرق كابلات وتخريب أنظمة كهرباء، فيما أدين رجل في ميونيخ بالتخطيط لعمليات لصالح روسيا.
وتشير الاستخبارات الألمانية إلى أنها أجرت نحو 10 آلاف "فحص خلفية" لموظفي البنية التحتية الحساسة خلال عام واحد، وهو رقم غير مسبوق يشي باستشعار تهديد فعلي.
وفي الخلفية، تكشف الخطة عن معضلة بنيوية: ألمانيا - التي كانت تمتلك خلال الحرب الباردة بنية تحتية مصممة للاستخدام العسكري - لم تعد كذلك. ربع الجسور و20 بالمئة من الطرق السريعة بحاجة إلى إصلاحات عاجلة، بينما تتطلب موانئ بحر الشمال وبحر البلطيق تحديثات تتجاوز قيمتها الـ15 مليار يورو لاستيعاب حركة عسكرية كثيفة. وحتى اللوائح المدنية تقف عقبة أمام التحديث، فالقوانين تمنع الطائرات المسيّرة العسكرية من التحليق فوق المدن، وتفرض عليها تشغيل أضواء تحديد الموقع، ما حوّل أحدث المعدات العسكرية الألمانية إلى صادرات لأوكرانيا ورومانيا، بينما لا يمتلك الجيش الألماني منها سوى 14 طائرة.
وسط هذا المشهد، تعمل برلين على حشد المستشفيات والشرطة وخدمات الطوارئ والقطاع الخاص في "خطة ردع" تستهدف إرسال رسالة واضحة إلى موسكو مفادها أن "المرور عبر ألمانيا لن يكون سهلاً ولا مضموناً". ومع ذلك، يدرك المخططون أن السباق ليس فقط نحو تعزيز القوة، لكن نحو تضييق الفجوة بين الخطط على الورق وقدرات التنفيذ على الأرض.
المصدر:
العربيّة