كردفان- قطع خطوط الإمداد أحد أبرز أهداف المعارك الطاحنة التي يشهدها إقليم كردفان جنوبي السودان بين الجيش و قوات الدعم السريع ، ففي الوقت الذي أحرز فيه الجيش السوداني تقدما ملحوظا فى محاور شمال كردفان، تسعى قوات الدعم السريع إلى تأمين إقليم دارفور والسيطرة على مدينة بابونسة الإستراتيجية.
ويقول مصدر عسكري للجزيرة نت إن ما حققته القوات المسلحة خلال الأسبوع الماضي من انتصارات في محاور شمال وغرب كردفان، أدى إلى انهيار "المليشيا" بعد الضربات الدقيقة التي نفذها سلاح الجو عبر الطائرات المقاتلة والطيران المسير على خطوط إمدادها إضافة إلى العمليات البرية الناجحة في 5 محاور.
وأشار المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إلى أن الانتصارات في غرب مدينة الأبيض ومحاصرة مدينة بارا، أمران خففا الضغط على الفرقة 22 في بابنوسة وأربكا مخطط المليشيا. وقال إن "القوات المسلحة تمتلك الآن زمام المبادرة في إقليم كردفان بعد قطع خطوط إمداد العدو ومحاصرته في عدة مناطق. العمليات تسير وفق ما خطط لها في محاور متعددة، وستتواصل حتى يتم تحرير كل كردفان ودارفور من دنس المليشيا".
وفي المقابل، أعلنت قوات الدعم السريع تحقيق تقدم في مناطق جبل أبو سنون وجبل عيسى والعيارة غرب مدينة الأُبَيِّض الجمعة. وأعلنت في بيان عبر تطبيق "تليغرام" عن تحقيق "انتصارات" على الجيش والقوات المساندة له في محور شمال كردفان. وقالت "هذه الانتصارات ترسّخ السيطرة الكاملة للدعم السريع على معظم إقليم كردفان".
وبث عناصر من الدعم السريع، أمس السبت، مقطع فيديو على القناة الرسمية للقوات بتطبيق تليغرام، أعلنوا فيه "اقتراب تحرير مدينة بابنوسة".
وقال العميد الركن الدكتور جمال الشهيد، الخبير الإستراتيجي المختص في الشؤون العسكرية والأمنية، في حديث للجزيرة نت إن مدينة بابنوسة لا تزال تعيش ظروفا صعبة نتيجة محاولات "المليشيا" فرض حصار خانق.
ويشير الشهيد إلى أن فتح الجيش لمحاور عمليات متعددة في شمال وغرب وجنوب كردفان أحدث إرباكا واضحا في منظومة الدعم السريع، ما دفعه إلى توزيع قواته على مسافات واسعة، وفقدت تبعا لذلك القدرة على الحفاظ على فرض حصار محكم حول مدينة بابنوسة.
ولفت إلى أن هذه التحركات العسكرية رفعت من احتمالات فك الحصار تدريجيا مع استمرار الضغط على المسارات الخلفية للدعم السريع، ومع ذلك يبقى فتح ممر آمن ومستدام للمدينة هدفا لم يتحقق بالكامل بعد، على الرغم من المؤشرات الإيجابية على الأرض.
بدوره، يرى الخبير الأمني والإستراتيجي اللواء الدكتور أمين مجذوب، في حديث للجزيرة نت أن "دخول الدعم السريع إلى كردفان مغامرة الهدف منها السيطرة على مدينة بابنوسة لتأمين خطوط الإمداد من دولة جنوب السودان وتشغيل خطوط السكك الحديدية المتوفرة في بابنوسة والمربوطة مع دولة جنوب السودان وهذا هدف إستراتيجي غير معلن، ويهدف للوصول إلى مناطق البترول وقطع إمدادات البترول عن الحكومة السودانية".
ويشير العميد الركن الشهيد إلى أن إقليم كردفان يشهد لحظة حاسمة في الصراع الدائر، بدخول الجيش السوداني مرحلة جديدة من العمليات الواسعة التي تستهدف استعادة السيطرة على النقاط الحيوية وقطع شرايين الإمداد التي تعتمد عليها "المليشيا المتمردة".
وبحسب الشهيد يهدف الجيش من عملياته في كردفان إلى:
ويذهب مجذوب إلى أن المعارك الطاحنة في إقليم كردفان عبارة عن تداعيات ما بعد دخول الدعم السريع إلى مدينة الفاشر ، فالقوات المسلحة تسعى لمنع سقوط أي منطقة أخرى، بينما يحاول الدعم السريع التوغل جنوبا في شمال كردفان لتأمين ما يعرف بـ"الإقليم الواحد" الذي يشمل دارفور وكردفان أو الإقليم الغربي للسودان.
ويوضح أن هذا المخطط يتطلب من الجيش قطع خطوط الإمداد عن قوات الدعم السريع التي تعتمد على الحدود مع تشاد وليبيا، منبها إلى متغير مهم بتحول المعركة من المدن إلى منطقة مفتوحة صحراوية وهذا يتيح للجيش السوداني التفوق عبر القوات الجوية.
بينما يرى الشهيد أن الجيش حقق نجاحا عملياتيا كبيرا لكنه ما يزال في طور الاكتمال، لافتا إلى أن القوات المسلحة أغلقت معظم المسارات الرئيسة، ودمرت عددا كبيرا من عربات الإمداد، "وأربكت قدرات العدو على المناورة، لكن بقاء بعض المسارات الريفية المفتوحة يشكل تحديا يتطلب إسنادا مستمرا".
يرى الشهيد أن المشهد الميداني يشير بوضوح إلى أن ميزان القوة يتغير لصالح الجيش السوداني، فـ"المليشيا" باتت تحت ضغط خانق، وخطوط إمدادها تتآكل يوما بعد يوم، بينما تستعيد الدولة زمام المبادرة في كردفان على نحو تدريجي وثابت.
ويوضح مجذوب أن الطريق الآن أصبح سالكا للجيش للوصول إلى مدينتي الخوي والنهود الإستراتيجيتين ومنها إلى دارفور، وذلك بعد نجاحه في صد عدة هجمات على بابنوسة وتأمين غرب الأبيض، بينما تتعرض قوات الدعم السريع لضغوط كبيرة وتعاني من انهيار، وما يتم الآن من هجمات محدودة بكردفان تقوم بها مجموعات متفرقة ولا توجد سيطرة مركزية وهذا ما يعجل بتغيير الأوضاع لصالح الجيش السوداني.
ويضيف أن فرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي على عبد الرحيم دقلو الرجل الثاني في قوات الدعم السريع أحدث انقسامات داخل القوات، وصارت هناك مجموعات تخشى على نفسها من مصير دقلو والقيادي السابق في مليشيا " الجنجويد " السودانية علي كوشيب الذي طلب ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية ، الاثنين الماضي، بالسجن المؤبد له بتهم تشمل ارتكاب جرائم حرب في دارفور قبل أكثر من عقدين.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة