في عصر يتميز بالانقسامات السياسية الكبرى وتراكم الثروات الضخم بيد الأغنياء، ينفق مليارديرات أميركا مبالغ غير مسبوقة على السياسة في بلدهم، مما يشير إلى تأثيرهم السياسي الكبير، حسب تحليل لصحيفة واشنطن بوست.
وضربت الصحيفة مثالا بتبرع ملياردير العقارات والنفط جون كاتسيماتيديس عام 2024 بمبلغ 2.4 مليون دولار لدعم الرئيس دونالد ترامب و الجمهوريين ، وهو ما يقرب من ضعف تبرعاته عام 2016، وقد قال إنه يشعر بضرورة متزايدة لمحاولة التأثير على مسار السياسة الأميركية، نظرا للفجوة الكبيرة بين الحزبين.
وأضاف كاتسيماتيديس الذي تقدر ثروته الصافية بنحو 4.5 مليارات دولار "إذا كنت مليارديرا، فأنت تريد أن تظل مليارديرًا"، وأوضح أن الأمر لا يتعلق بثروته الخاصة فحسب، بل "أنا قلق بشأن أميركا وأسلوب حياتنا".
وتوضح التحليلات -كما تقول الصحيفة- أن تبرعات أغنى 100 أميركي للانتخابات الفدرالية ارتفعت منذ عام 2000 بمقدار 140 مرة، لتشكل نحو 7.5% من إجمالي الإنفاق الانتخابي بحلول 2024، بعد أن كانت لا تتجاوز 0.25% عام 2000.
ورأت الصحيفة -في تحليل مشترك بين بيث راينهارد ونفتالي بندافيد وكلارا إنس موريس وآرون شافر- أن هذا يعكس النفوذ الكبير للأثرياء في تحديد السياسات والمرشحين، وذلك ما يثير قلق علماء السياسة والجمهور على حد سواء.
وقد شهدت العقود الأخيرة تغييرات سياسية وقانونية واقتصادية عززت قوة الأثرياء -كما يبين التحليل- من بينها ثورات التكنولوجيا والأسواق، وسياسات الضرائب المخففة، وقرارات قضائية ألغت قيود التمويل الانتخابي، مما سمح بتبرعات غير محدودة للانتخابات.
ونتيجة لذلك، أصبح السياسيون الأميركيون أكثر اعتمادا على سخاء المليارديرات، وذلك ما منح أقلية لا تتجاوز 0.5% من الأميركيين نفوذا استثنائيا في نجاح السياسات والسياسيين، في وقت يشير فيه علماء السياسة والمراقبون إلى أن الأموال الكبيرة ترفع تكاليف الحملات وتقوض ثقة الجمهور في الديمقراطية الأميركية.
ولا يعتمد الأثرياء فقط على التبرعات -كما ترى الصحيفة- بل إن بعضهم اتجه إلى المناصب العامة مباشرة، إذ وجدت مراجعة أجرتها الصحيفة أن 44 من أصل 902 ملياردير أميركي في قائمة فوربس 2025، أو أزواجهم، تم انتخابهم أو تعيينهم في مناصب حكومية خلال العقد الماضي، من مناصب وزارية رفيعة إلى مقاعد استشارية أقل شهرة.
وذكرت واشنطن بوست بأن ثروة هؤلاء المليارديرات مجتمعة تجاوزت 6.7 تريليونات دولار، مقارنةً مع 2.6 تريليون قبل عقد من الزمن، وقد دعم أغلبهم سياسيا حزب ترامب الجمهوري حيث ذهب أكثر من 80% من مساهمات أغنى 100 أميركي في 2024.
وتحولت بعض الثروات التكنولوجية الكبرى -حسب الصحيفة- إلى دعم الجمهوريين بعد خلافات مع إدارة الرئيس السابق جو بايدن ، في الوقت الذي دعم فيه ترامب إجراءات مثل خفض الضرائب وإلغاء اللوائح التنظيمية مما يعزز مصالح الأغنياء.
وبالفعل وجد كبار أثرياء التكنولوجيا، من أمثال إيلون ماسك و بيتر ثيل في الجمهوريين شركاء أكثر توافقا مع مصالحهم الاقتصادية وميولهم الليبرالية جزئيا -كما تشير الصحيفة- وقد أنفق ماسك 294 مليون دولار عام 2024، للمساعدة في انتخاب ترامب وجمهوريين آخرين، كما منح آخرون 509 ملايين دولار إضافية للجمهوريين مقارنة بنحو 186 مليون دولار ل لديمقراطيين .
وقال توماس بيترفي، وهو مؤسس شركة وساطة إلكترونية تبلغ ثروته الصافية 57.3 مليار دولار "اليسار التقدمي في الحزب الديمقراطي حزب اشتراكي. أغنى الناس هم رجال الأعمال، وهم يتجهون نحو ترامب لأنهم يدركون مدى نفعه لاقتصاد مزدهر"، وقال كاتسيماتيديس، وهو ديمقراطي سابق إنه لا يثق بقدرة الديمقراطيين على التعامل مع الهجرة غير النظامية والجريمة والاقتصاد.
ورغم نفوذه الكبير، فإن المال لا يضمن الفوز دائما في الانتخابات، كما أظهرت خسارة بعض المرشحين الممولين من المليارديرات، فعلى سبيل المثال، ساعد الملياردير رائد المشاريع بيتر ثيل صديقه وموظفه السابق بلاك ماسترز، في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في أريزونا عام 2022 بمبلغ 15 مليون دولار، وقد أظهرت خسارته أمام الديمقراطي مارك كيلي أن دعم المليارديرات لا يضمن النجاح دائما.
الأثرياء أصبح لهم نفوذ غير مسبوق في السياسة الأميركية، سواء عبر التمويل المباشر للانتخابات أو من خلال المناصب العامة، مما يثير مخاوف من تحول الديمقراطية الأميركية نحو أوليغارشية تتحكم فيها الثروة والقوة
وقد تكاتف العديد من المليارديرات، بمن فيهم كاتسيماتيديس، لمحاولة إيقاف مرشح عمدة نيويورك زهران ممداني ، محذرين من أن انتخابه سيكون كارثة اقتصادية، لكنه تفوق عليهم، معتبرا أن معارضته لهم وسام شرف، وقال في خطاب نصر حماسي "يمكننا الرد على الأوليغارشية والاستبداد بالقوة التي تخشاها، لا بالتهدئة التي تتوق إليها".
وقالت النائبة السابقة تشيري بوستوس إن المال أو القدرة على جمعه تعتبر عاملا مهما عند اختيار المرشحين من قبل الأحزاب، وأضافت "عند اختيارك المرشح، تنظر إلى مدى قدرته على جمع الأموال ومن لديه علاقات يمكن أن تجلب تبرعات كبيرة".
ورغم ذلك، فإن القوة السياسية للأثرياء ليست مطلقة، ولكنهم يظلون قادرين على رفع تكاليف الحملات الانتخابية وزيادة اعتماد السياسيين على أموالهم، مما يقلل من ثقة الجمهور في الديمقراطية، كما يقول تحليل الصحيفة.
ومع أن بعض السياسيين الليبراليين يحاولون مهاجمة النفوذ المتزايد للأثرياء، مستشهدين بالقيم الدينية والعدالة الاجتماعية، فإنهم في الوقت نفسه يقبلون تبرعات من المليارديرات إذا دعمت قضايا عامة، مما يعكس صعوبة تحدي نفوذ المليارديرات، حسب واشنطن بوست.
وخلصت الصحيفة إلى أن الأثرياء أصبح لهم نفوذ غير مسبوق في السياسة الأميركية، سواء عبر التمويل المباشر للانتخابات أو من خلال المناصب العامة، مما يثير مخاوف من تحول الديمقراطية الأميركية نحو أوليغارشية تتحكم فيها الثروة والقوة بشكل متزايد.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة