آخر الأخبار

مزاعم حول حماس و7 أكتوبر وخطة ترامب

شارك

ليست لدينا وسيلة للتعرف على اتجاهات الرأي العام الفلسطيني وتوجهاته سوى استطلاعات الرأي العام التي تجريها "بيوت خبرة" دأبت على سبر أغوار الجمهور الفلسطيني، وقدمت على نحو موضوعي صورة شاملة عما يدور في خلده. ولا سيما أن آخر انتخابات عامة في فلسطين جرت قبل عقدين من الزمان، و"الاستفتاء" ليس أداة معتمدة في معظم، إن لم نقل جميع، الدول العربية.

ويزداد تعلقنا باستطلاعات الرأي وانتظارنا الجديد منها، في ظل ما تزدحم به الشاشات من مزاعم ترد على ألسنة سياسيين ومعلّقين، تدعي أن وجهات نظر أصحابها إنما تعبر عن آراء الغالبية الساحقة من الفلسطينيين، ويريدون لنا أن نصدق هذه المزاعم، ساخرين ومشككين بالاستطلاعات والقائمين عليها، خصوصا حين تتعاكس أرقامها ونسبها المئوية مع مصالحهم وقراءاتهم الخاصة.

في الاستطلاع الأخير للدكتور خليل الشقاقي، الذي أجري في غزة والضفة الغربية، أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2025، يمكننا التعرف على إجابات الرأي العام الفلسطيني على أهم الأسئلة والمعضلات التي تواجه فلسطين وغزة والمقاومة، مدركين أن هذه النتائج تحتمل هامشا من الخطأ والصواب، وأن الرأي العام متغير بطبيعته، ولكنه لا يتغير بصورة انقلابية، إلا إذا وقع "انقلاب" في مسار الأحداث والتطورات، كما حصل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكما يحصل الآن، بعد أزيد من عامين على حرب التطهير والإبادة، فما الذي تنبِئنا به نتائج الاستطلاع، وما الذي أراد الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع أن يقوله؟

أولا: حول مبادرة ترامب ورد حماس عليها

حين يؤكد ثلاثة أرباع الفلسطينيين تقريبا أنهم على علم بمبادرة ترامب، فمعنى ذلك، وبالقياس مع استطلاعات أخرى، في دول أخرى، وحول مواضيع مختلفة، أننا أمام شعب على قدر عالٍ من المتابعة والشغف بملاحقة التطورات السياسية.

وحين ينقسم الفلسطينيون مناصفة (تقريبا) بين مؤيد للمبادرة في أحسن قراءة لها (العربية- الإسلامية) ومعارض لها، فمعنى ذلك أن المبادرة ليست حسنة، وأن قبول المقاومة بها كان اختيارا للسيئ درءا للأسوأ، وهذا ما قلناه في وصف موقف قيادة حماس من الخطة الأميركية في حينه.

إعلان

وأن يعرب ثلثا الشعب الفلسطيني (62٪) عن تأييده رد حماس على المبادرة، بمن في ذلك 56٪ من أهل القطاع المنكوب، وأن يكون معدل الرضا عن صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين أعلى من ذلك بشكل ملموس، فمعنى ذلك أن المقاومة وشعبها على نفس الموجة، ويقرآن من الصفحة ذاتها.

الفلسطينيون، بخلاف قيادتهم التي تروج في مجالسها الخاصة لدولة في غضون عام أو عامين، لا يرون أن خطة ترامب ستفضي إلى قيام دولة فلسطينية (70٪ منهم)، هؤلاء اختبروا حقيقة الكيان العنصري الإلغائي، ولم تعد تنطلي عليهم أوهام يجري تسويقها للتخدير أو التضليل. بل إن نسبة عالية من الفلسطينيين (62٪) لا تعتقد أن المبادرة ستنهي الحرب نهائيا، وأن حكومة نتنياهو ستعاود عدوانها، الذي لم يتوقف على أية حال.

صحيح أن ثمة "فجوة" بين أرقام الاستطلاع في غزة عن مثيلاتها في الضفة، وهذا أمر مفهوم، فالنار التي اكتوى بها أهل القطاع لم يكتوِ بمثلها أحد، لكن مع ذلك، تسجل غزة، بأغلبية واضحة، تماهيها مع الموقف الوطني الفلسطيني، ولم يَفتّ عاما التجويع والترويع في عضدها وإرادتها وصلابة موقفها.

ثانيا: عن السابع من أكتوبر/تشرين الأول ومسألة السلاح

بعد عامين من حرب التطهير والإبادة، ما زالت غالبية الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع (53٪) تعتقد أن قرار السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان صوابا، بزيادة ثلاث نقاط عن استطلاع مماثل في مايو/أيار.

مرد هذه الزيادة، ارتفاع نسبة من يعتقدون بصوابية القرار في غزة إلى (44٪)، صعودا من (37٪) في استطلاع مايو/أيار، وفي ظني أن دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وبدء دخول المساعدات الإنسانية والإغاثة، والشروع في إتمام صفقة تبادل الأسرى، كانت سببا في هذا التطور الذي طرأ على مواقف سكان القطاع، وربما يدحض ذلك بعض "النبوءات السوداء" لبعض القوى والشخصيات، التي ما فتئت تنذر بانقلاب القطاع على المقاومة ما إن تضع الحرب أوزارها.

دليل آخر يعزز ما ذهبنا إليه من "تقدير"، ويتعلق بموقف الفلسطينيين من مسألة "سلاح المقاومة"، أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني (69٪) ضد نزع السلاح، من بينهم أكثرية سكان القطاع (55٪)، حتى وإن كان ثمن ذلك العودة للحرب مجددا. تلكم معطيات وأرقام لا يرغب خصوم المقاومة ومجادلوها في سماعها ولا البناء عليها.

ثالثا: الموقف من حماس

درجة الرضا عن أداء حركة حماس بلغت (60٪)، وهي ضعف ما تحصلت عليه كل من حركة فتح (30٪) والسلطة (29٪)، وثلاثة أضعاف ما تحصل عليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (21٪).

النتائج التي جاءت بها غزة ليست تفصيلا في هذا السياق، ولا سيما أن سردية السلطة وخصوم المقاومة تنطلق من فرضية أن غزة استكملت، أو هي بصدد استكمال، استدارتها ضد حركة حماس، ولقد جرى "النفخ" في أحداث وشخصيات ومليشيات، بوصفها عناوين بديلة لحماس ما إن تصمت المدافع.

بعد عامين من حرب التطهير والإبادة، وبكلفة 70 ألف شهيد و10 آلاف مفقود و170 ألف جريح، دع عنك التدمير الذي أصاب (85٪) من البنية المدنية في القطاع، ما زالت حماس تستحوذ على النسبة العليا، وبفوارق كبيرة، في مقياس درجة رضا الغزيين عن الأداء (51٪)، مقابل (39٪) لحركة فتح، و(38٪) للسلطة، و(29٪) للرئيس عباس.

إعلان

ومع ذلك، لا يجد بعض المتحدثين و"المحللين" غضاضة في لي عنق الحقائق، ومواصلة إطلاق المزاعم بقرب تحول غزة من بيئة حاضنة للمقاومة، إلى بيئة طاردة لها.

يصل الاستطلاع موضع البحث إلى "استنتاج لا مفر منه" على حد تعبير التقرير، مفاده أن حرب العامين الفائتين مكّنت حماس من الحصول على دعم أكبر، وليس العكس، وأن هذا الاستنتاج صحيح في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكنه أكثر وضوحا في الضفة، ذلك أن (18٪) من المستطلعة آراؤهم قالوا إن دعمهم لحماس كان كبيرا قبل الحرب ولم يتغير، و(19٪) قالوا إن تأييدهم لحماس زاد كثيرا عما كان قبل عامين.

وقال (17٪) إن تأييدهم للحركة ارتفع ولكن بشكل قليل، في المقابل، قالت نسبة (16٪) إنها لم تكن مؤيدة لحماس قبل الحرب، وإن معارضتها لحماس بقيت على حالها، وقالت نسبة (12٪) إن نسبة تأييدها لحماس انخفضت قليلا، وقال (10٪) إنها انخفضت كثيرا.

هذا الاستنتاج تجري ترجمته لدى الإجابة على سؤال عن الحزب أو الاتجاه السياسي الذي سيصوت له في أي انتخابات مقبلة، إذ جاءت حماس أولا، بدعم من (35٪) من الناخبين، تليها فتح بنسبة (24٪)، و"التيار الثالث" بنسبة (9٪)، فيما عبر (32٪) عن عدم معرفة أو عدم رغبة في التصويت لكل من سبق. اللافت أن كتلة من (41٪) من غزة تدعم انتخاب حماس، مقابل (29٪) تدعم اختيار فتح.

رابعا؛ حول السلطة والإصلاح والانتخابات

ثلثا الفلسطينيين مع إجراء الانتخابات العامة، رئاسية وتشريعية، في أقرب وقت. نفس النسبة تقريبا لا تثق بأنها ستجري في الموعد الذي حددته السلطة، أي بعد عام من وقف الحرب في غزة، ونفس النسبة تقريبا لا تؤيد الشروط التي وضعها الرئيس عباس لمشاركة حماس وفصائل المقاومة في الانتخابات المقبلة.

والفلسطينيون لديهم حلولهم لمعالجة قضية مشاركة أهل القدس في الانتخابات، والتي كانت ذريعة لتعطيلها في عام 2021، منها التصويت "أونلاين"، وفي الأماكن المقدسة، ومن خلال نقل الناخبين إلى أقرب صناديق اقتراع. قرار الاحتلال منع إجراء الانتخابات في القدس يجب ألا يكون سببا في إلغائها، ولا يجوز بحال تمكينه من "حق الفيتو" تحت حجج وذرائع واهية.

في كل الاستطلاعات السابقة، يأتي مروان البرغوثي أولا في قوائم المتنافسين على الرئاسة، ويحل عباس أخيرا، فنسبة الرضا عن أداء الرئيس لا تتعدى (23٪)، والمطالبون باستقالته يناهزون (80٪)، وهذه الأرقام متكررة مع زيادة ونقصان بنسبة طفيفة للغاية.

غالبية أهل الضفة الغربية (85٪) لا يشعرون بالأمان الشخصي والعائلي، (92٪) منهم يعتقدون بأن ثمة فسادا في مؤسسات السلطة، وأن إقالة وزير النقل، ومسؤول المعابر، لا تعكس توجها جديا لدى السلطة لمحاربة الفساد.

أما الطريق للخروج من المأزق الراهن، فثمة من يدعو لإجراء انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية (37٪)، وثمة من يدعو لتشكيل حكومة وفاق وطني بمشاركة حماس وجميع الفصائل (31٪)، وهناك من يقترح خطوة أولى: مصالحة بين فتح وحماس (27٪)، وتلكم هي الخطوات التي استبطنتها مختلف المبادرات والنداءات التي صدرت عن فلسطينيين كثر، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وطيلة أشهر الحرب الممتدة، من دون أن تجد أذنا صاغية. الشعب يعرف طريقه، لكن ثمة من يمعن في إدارة الظهر والضرب بإرادته عرض الحائط.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا