في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
دمشق- في الأشهر الأولى التي تلت سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 وسيطرت المعارضة على دمشق ومعظم المدن السورية الرئيسية، دخلت البلاد مرحلة انتقالية معقدة تتطلب إعادة بناء مؤسسات الدولة من الصفر، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية.
ويُعدّ إعادة دمج عشرات الآلاف من الضباط وصف الضباط الذين انشقوا عن جيش النظام السابق منذ 2011 و2012 أحد أبرز الملفات الإستراتيجية على طاولة وزارة الدفاع في الحكومة الحالية، ليس فقط لسدّ النقص الحاد في الكوادر القيادية والفنية الذي خلّفته سنوات الحرب الطويلة، بل لأن هؤلاء الضباط يحملون خبرات ميدانية وقيادية تراكمت على مدى أكثر من عقد من القتال.
وأعلنت شعبة التنظيم والإدارة في وزارة الدفاع، يوم الجمعة الماضي، بدء استقبال طلبات عودة صف الضباط المتطوعين المنشقين إلى صفوف الجيش السوري اعتبارا من أول أمس الأحد.
وأكد وزير الدفاع السوري، الفريق مرهف أبو قصر ة، عبر منصة " إكس " أن هذه الخطوة تأتي "إيمانا بدور الضباط المنشقين خلال سنوات الثورة، وحرصا على دمجهم في تشكيلات الجيش العربي السوري كركيزة أساسية في الجيش الجديد وفي عملية البناء الوطني".
وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، أكد مدير فرع العلاقات الإعلامية في وزارة الدفاع، عدي العبد الله، أن الوزارة ترحب دوما بعودة الضباط المنشقين المقيمين خارج سوريا ، مشددا على أنه لا تُتخذ أي إجراءات عملية أو عقابية بحقهم في الوقت الراهن طالما هم خارج نطاق الخدمة العسكرية المباشرة.
وقال إن وزارة الدفاع وجّهت دعوات رسمية للضباط المنشقين لمقابلتهم وتعبئة استمارات خاصة تتضمن بياناتهم الشخصية وخبراتهم العسكرية، كما جهَّزت مواقع خدمة تتناسب مع رتب وتخصصات الراغبين في العودة والانخراط في الجيش السوري الجديد، مؤكدا أن قرار العودة يبقى شخصيا تماما مع توفير كل الضمانات الأمنية والقانونية اللازمة.
وفيما يخص إعادة التعيين، أشار العبد الله إلى أن الضباط العائدين يُعاد تفعيل خدمتهم بالرتب التي كانوا يحملونها عند انشقاقهم، على أن تُعتمد لاحقا آلية موحدة وعادلة للترقيات تضمن تكافؤ الفرص للجميع.
كما كشف عن تشكيل لجنة متخصصة في إدارة شؤون الضباط، تجري مقابلات فردية مع كل ضابط عائد، بهدف تقييم خبراته الميدانية والقيادية التي اكتسبها خلال سنوات الثورة ، ومن ثم تحديد موقع خدمته الأنسب وفق احتياجات التشكيلات العسكرية الجديدة.
وعن البعد الوطني، شدد العبد الله على أن الوزارة تنظر للضباط المنشقين كجزء أصيل من النسيج الوطني السوري وكأبناء مخلصين، أثبت كثير منهم التزامهم بوحدة سوريا ومبادئ الثورة، معتبرا عودتهم خطوة إستراتيجية أساسية لتعزيز اللُحمة الوطنية وسد الفجوات البشرية والميدانية في الجيش.
ولمعالجة التحديات النفسية والولائية، أعلن المسؤول ذاته أن الوزارة تعمل على إعداد برامج توجيهية ونفسية وإدارية خاصة تهدف إلى تهيئة العائدين للاندماج الكامل في البيئة العسكرية الجديدة على قاعدة الثقة المتبادلة والانضباط وروح الانتماء الوطني، إضافة لتنفيذ سلسلة من البرامج التدريبية والتأهيلية المتطورة تشمل الرتب جميعها وتجمع بين الخبرات التراكمية للضباط المنشقين والطاقات الشابة.
ومن المهجر، يُقدم العقيد المنشق مصطفى فرحات، المقيم حاليا في ألمانيا ، وجهة نظر الضباط الذين لم يعودوا بعد، مبينا التحديات والتطلعات حول ذلك.
ويقول فرحات في حديث خاص للجزيرة نت، إن عودة الضباط المنشقين إلى سوريا ليست قرارا شخصيا، بل قرار وطني يجب أن يتم في إطار خدمة الدولة والمؤسسة العسكرية وفق أطر تنظيمية وقانونية واضحة المعالم للجميع، مضيفا أن هذه العودة المنظمة ستُعزز ثقة الشعب السوري في المؤسسة العسكرية الجديدة، كما ستُرسّخ ثقة العسكريين أنفسهم في مؤسستهم الناشئة.
وعن مخاوف السلامة الشخصية، نفى فرحات وجود أي خطر حقيقي اليوم على حياة الضباط المنشقين، مؤكدا أن النظام السابق الذي كان يشكل تهديدا على حياة الجميع -وليس الضباط المنشقين فقط- قد انتهى".
وحول آليات العودة، أوضح أن وزارة الداخلية أنشأت رابطا إلكترونيا مخصصا وفعالا لضباط الشرطة المنشقين، بينما لم تنشئ وزارة الدفاع رابطا مماثلا حتى الآن، وتعتمد آلية تتطلب من الضابط العودة مباشرة إلى بناء الأركان في دمشق لإجراء مقابلة مع لجنة خاصة.
واقترح العقيد فرحات إنشاء مكاتب عسكرية للارتباط في الدول التي تأوي أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين، وخاصة ألمانيا التي تستضيف أكثر من مليون سوري بينهم أعداد كبيرة من العسكريين المنشقين، أو إجراء المقابلات الأولية داخل السفارات السورية الجديدة، بدلا من إلزام الضابط بالعودة إلى سوريا لإجراء المقابلة فقط.
وختم قائلا: إننا أمام دولة وجيش في طور الولادة، وأعرب عن تقديره للجهود المبذولة حتى الآن، لكنه أكد ضرورة تطوير الآليات لتكون أكثر انفتاحا وسرعة وثقة، بما يشجع أكبر عدد ممكن من الضباط المنشقين على العودة والمساهمة في بناء المؤسسة العسكرية السورية الجديدة.
أما من داخل الجيش الجديد، فيروي الضابط في القوات الجوية عبد الله الحمدو، الذي انخرط قبل أسابيع فقط في الجيش السوري الجديد، الواقع الميداني لعملية الدمج في أحد أهم الأسلحة وأكثرها حساسية.
وكشف الحمدو للجزيرة نت، أنه بعد التحرير عُيّنت لجنة من الضباط في القوات الجوية لإجراء مقابلات مع كافة الاختصاصات والرتب المنشقّة من القوات الجوية والدفاع الجوي، وحدّدت مواعيد لإجراء المقابلات، وتم الوقوف على عدد الضباط وصف الضباط المنشقين ومؤهلاتهم ورغباتهم في العمل.
كما أُعدّت سير ذاتية لجميع من أجروا المقابلات، وشُكّلت لجانٌ للكشف على حالة المطارات من حيث العتاد والطائرات وغيرها.
وأضاف الحمدو: "عاد الكثير من الضباط المنشقين إلى وزارة الدفاع، وغالبيتهم شغَل مناصب قيادية جيدة، والطريق مفتوح أمام نظرائهم".
وعن رغبته الشخصية قال: "بغض النظر عن المهام التي كُلّفت بها، كانت رغبتي الأولى العودة إلى مجال الطيران، فهي الواجب الذي يلائم إمكانياتي ويُحقق رغبتي".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة