أربيل – عشية الانتخابات البرلمانية المقررة غدا الثلاثاء، يركز المشهد في إقليم كردستان العراق على صراع بين ثوابت القوى التقليدية وصحوة أخرى جديدة، وسط استعداد أمني ومراقبة مكثّفة تعكس حساسية المرحلة.
ويدخل الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني المنافسة مطمئنا إلى قاعدته في أربيل ودهوك، مع تنظيم دقيق وحملة منضبطة. وقال القيادي في الحزب دلشاد شهاب للجزيرة نت إن الانتخابات هذه المرة تشكل اختبارا حقيقيا لشراكة الكُرد في العملية السياسية العراقية، مشيرا إلى أن الحزب يسعى للحصول على مليون صوت لتعزيز تمثيله في بغداد.
وأوضح أن الحزب ركز في حملته على الاستقرار وتطبيق الدستور وحماية حقوق المكونات، معتبرا أن نتائج هذه الجولة ستكون معيارا لمستقبل العلاقة مع الحكومة الاتحادية. وقد اتخذ الديمقراطي الكردستاني في حملته الانتخابية شعارا من ثلاث كلمات هي الشراكة والتوازن والتوافق، إذ اشتكى من أن هذا الأمر "تم تجاهله من قبل السلطة في بغداد".
في المقابل، يخوض الاتحاد الوطني الكردستاني ، برئاسة بافل الطالباني النجل الأكبر للرئيس الراحل جلال الطالباني ، السباق من معقله في السليمانية محافظا على ثقله التاريخي، رغم ما يواجهه من تحديات داخلية وانشقاقات سابقة.
وقال عضو الاتحاد محمود خوشناو للجزيرة نت إن الانتخابات تبقى الوسيلة الوحيدة للتداول السلمي للسلطة، مضيفا أن الكرد يشكلون ركنا دستوريا أساسيا في العراق ، والاتحاد الوطني يسعى لترسيخ هذا الدور من خلال العمل البرلماني. وأكد أن الأولوية بعدها يجب أن تكون لإعادة بناء الثقة بين بغداد وأربيل وتفعيل المؤسسات الدستورية بما يحقق الاستقرار السياسي.
وقد ركز الوطني الكردستاني في حملته الانتخابية على انتقاد حزب البارزاني شريكه الرئيسي في السلطة بالإقليم، وسبق هذه الانتخابات باعتقال رؤساء أهم العناصر المعارضة له في السليمانية وهم رئيس حزب "الجيل الجديد" شاسوار عبد الواحد، وابن عمه رئيس جبهة الشعب لاهور شيخ جنكي، والرئيس السابق للائتلاف الوطني آرام قادر، وذلك "لتعزيز موقعه الذي كان يتأثر بنشاط هذه القوى داخل السليمانية وتقوية منافسته للحزب".
أما الأحزاب الإسلامية الكردية، وأبرزها الاتحاد الإسلامي الكردستاني وجماعة العدل الكردستانية، فتسعى للحفاظ على حضورها التقليدي الذي يتأرجح بين 7% و10% مقارنة بالآخرين، وتركز برامجها الانتخابية على العدالة الاجتماعية، ومكافحة المحسوبية داخل المؤسسات العامة، ومعالجة المشاكل الدستورية بين بغداد وأربيل.
وأما حزب الجيل الجديد بزعامة شاسوار عبد الواحد المعتقل منذ أشهر، وقائمة الموقف التي يرأسها علي حمة صالح، فيمثلان التيار المعارض الأبرز بين الأحزاب الكردية الحديثة. واعتمدا خطابا حادا ضد الحزبين التقليديين (البارزاني والطالباني)، ووجّها حملتيهما الانتخابية إلى الناخبين الشباب، مستخدميْن الإعلام الرقمي ومنصات التواصل بدل الوسائل التقليدية.
من جانبه، قال رئيس قائمة "هەڵوێست" (الموقف) علي حمة صالح للجزيرة نت إن خوض الانتخابات في إقليم كردستان دون امتلاك وسيلة إعلامية هو تحدٍّ كبير، مؤكدا أن العمل السياسي معقّد، ومن دون دعم إعلامي يكاد من المستحيل الوصول إلى الجمهور.
وأضاف أن "القوتين الرئيسيتين تمتلكان أجنحة مسلحة ونفوذا واسعا، بينما نحن لا نملك حتى جهاز حماية بسيط، مما يجعل المنافسة في التصويت الخاص شبه مستحيلة". وأوضح أن قائمته تركز على محورين، هما قضايا المعيشة والوضع الاقتصادي المتدهور، واستخدام الإعلام الرقمي كبديل عن القنوات التقليدية.
ويرى المحلل السياسي كمال رؤوف رحيم أن الانتخابات الحالية تجري في ظرف إقليمي حساس، ويربط مستقبل الإقليم بالتحولات الجارية في المنطقة. وقال للجزيرة نت إنه "إذا تغيّر تصميم المنطقة السياسي ليشبه ما يجري في سوريا ولبنان، فمشاركة الكرد ستكون شكلية أكثر منها جوهرية، ولن تغيّر مقاعدهم في بغداد ميزان القوى".
وأضاف أن التحولات الحقيقية قد تحدث في مدن الجنوب والوسط العراقي، و"إذا توافقت مع إرادة إيران فقد نشهد تغييرات أمنية كبرى تُنهي نموذج 2003″.
من جهته، أفاد ممثل تحالف شبكات مراقبة الانتخابات في العراق هوشيار مالو للجزيرة نت أن مفوضية الانتخابات أنهت تحضيراتها اللوجستية وتوزيع المعدات وأجهزة التحقق، مشيرا إلى وجود أكثر من 6 آلاف مراقب محلي و800 دولي لرصد مراكز الاقتراع.
وأوضح أن المراقبين المحليين يعملون وفق أسلوب العينة العشوائية لضمان تغطية شاملة، مؤكدا أن أولوياتهم تتركز على نزاهة العملية، وحرية الناخب، وشفافية الإجراءات. وأضاف أن المراقبة هذا العام تجري دون تمويل دولي أو حكومي، واصفا الجهد بأنه "طوعي بحت في ظل عزوف المانحين الدوليين عن تمويل الرقابة الانتخابية".
أمنيا، اتخذت سلطات إقليم كردستان والحكومة الاتحادية ترتيبات مشددة لتأمين مراكز الاقتراع ونقل صناديق التصويت. وتشير المفوضية إلى أن المدارس والمراكز جُهّزت بالكاميرات وأجهزة تحقق الهوية، وأن إجراءات التصويت الخاص سارت بسلاسة قبل يومين من الاقتراع العام.
يبدو المشهد الانتخابي في الإقليم مزيجا من الثبات والتحدي، فبينما تحافظ الأحزاب الكبرى على نفوذها، تسعى الأحزاب الإسلامية لإثبات الوجود، في حين يراهن "الجيل الجديد" و"الموقف" على وعي الناخبين الشباب، في وقت يترقب فيه الجميع ما إذا كان التغيير هذه المرة ممكنا أم أن الدورة ستعيد رسم الخريطة القديمة بألوان جديدة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة