حذرت الولايات المتحدة وأدانت وضغطت وشددت مرارا وتكرارا على أن أي ضم، سواء أكان بسن قانون أم بمجرد إعلان، سيتجاوز خطا أحمر لواشنطن ، لكن السؤال الحقيقي هو إلى أي مدى تغير هذه المعارضة الواقع على الأرض؟
هذه الإشكالية طرحها الكاتب بصحيفة هآرتس جاك خوري في تحليل اختار له عنوان: "مفارقة ترامب: معارضة ضمّ الضفة الغربية بالكلام والسماح به في الواقع"، تناول فيه التناقض الكامن في صميم سياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط .
وأبرز الكاتب أن الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته ماركو روبيو حذرا مرارا من أي ضم رسمي للضفة الغربية، مشيرا إلى أن تصريحاتهما ولدت انطباعا بوجود موقف أميركي مبدئي متزن، إلا أن خوري يرى أن السياسة الأميركية، في جوهرها، سمحت لإسرائيل بمواصلة توسيع سيطرتها على الأراضي الفلسطينية دون أي رادع فعلي.
ويشير خوري إلى أن الواقع على الأرض تجاوز منذ زمن مرحلة التصريحات السياسية، فحياة الفلسطينيين اليومية مقيدة بمئات الحواجز والبوابات الإسرائيلية وبعنف المستوطنين المتكرر، وغالبا ما تستهدف هذه الاعتداءات القرى الفلسطينية والمزارعين، خصوصا خلال موسم قطف الزيتون، مما يؤدي إلى تدمير الممتلكات وإلحاق الأذى بالسكان، ويؤكد خوري أن هذه الهجمات تحدث "بمرافقة أو بموافقة ضمنية من قوات الأمن الإسرائيلية"، مما يجعل الضم واقعا معيشا وليس مجرد احتمال سياسي.
ويصف خوري هذه العملية المتواصلة بأنها "ضمّ فعلي" (de facto) يتم تدريجيا دون الحاجة إلى إعلان رسمي، فالأراضي الفلسطينية الخاصة تُصادر، والبؤر الاستيطانية غير القانونية تُشرعن، والتوسع الاستيطاني يستمر بلا توقف.
وبغياب أي تصويت في الكنيست أو خطاب رسمي، تواصل إسرائيل إحكام قبضتها على الضفة الغربية، ويكتب خوري أن ذلك يحدث "في ظل نظام فصل عنصري قاس يعمق الانقسام ويكرس السيطرة"، مشيرا إلى البنية العنصرية التي يقوم عليها الاحتلال.
وفي حين تفتخر إدارة ترامب بموقفها المبدئي ضد الضمّ الرسمي، يرى خوري أن أفعالها، أو بالأحرى غياب أفعالها، يحكي قصة مختلفة، إذ يقول: "تتمتع إسرائيل بحرية كاملة في كل ما يتعلق بحياة الفلسطينيين"، بدءا من مصادرة أموال الضرائب التابعة للسلطة الفلسطينية، وصولا إلى إجهاض أي محاولة لإحياء العملية الدبلوماسية، ومن خلال تجاهل هذه السياسات، تضفي واشنطن شرعية ضمنية على التوسع الإسرائيلي المستمر.
المفارقة الأساسية في نهج ترامب بخصوص ضم إسرائيل للضفة الغربية قائمة على معارضة رمزية لذلك تقابلها سلبية سياسية
ويُبرز خوري المفارقة الأساسية في نهج ترامب فهو قائم على معارضة رمزية تقابلها سلبية سياسية، فواشنطن، رغم أنها ربما منعت مشروع قانون الضم، فإنها "تمنح الضوء الأخضر لكل ما عداه"، من دون فرض عقوبات أو تأكيد واضح لحقوق الفلسطينيين.
ويؤكد خوري أن وقف الضم الفعلي يتطلب خطوات ملموسة، مثل الإفراج عن أموال الضرائب المجمدة، ووقف التوسع الاستيطاني، وإعادة فتح القنوات الدبلوماسية كالقنصلية الأميركية في القدس الشرقية ومكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
ويشير الكاتب إلى أن هذه الإجراءات البسيطة، التي كانت تُعد في السابق الحد الأدنى من الاحترام والدعم الدبلوماسي، أصبحت بالنسبة للفلسطينيين "حلما بعيد المنال، أشبه بالخيال".
ويتسع الفارق بين الخطاب الأميركي والواقع الميداني يوما بعد يوم، في حين تتغير خريطة الضفة الغربية "تلة بعد تلة، وطريقا بعد طريق"، وباختيارها الاكتفاء بالتصريحات، تسمح الولايات المتحدة لإسرائيل بتعميق سيطرتها تحت ستار "الوضع القائم"، على حد تعبيره.
وفي ختام مقاله، يؤكد جاك خوري أن سياسة ترامب تجسّد تناقضا أخلاقيا وسياسيا عميقا، فواشنطن يمكنها "أن تتفاخر بمعارضتها المزعومة للضمّ"، لكنها عمليا تكرّس نظاما "يفرض العزل، وينكر الحقوق، ويوسّع السيطرة بالقوة".
وكما يكتب خوري بعبارة مؤثرة، لا حاجة إلى قانون لتسمية ما هو قائم بالفعل، إذ إن الضمّ "مرئي في كل بوابة مغلقة ونقطة تفتيش، في كل شجرة زيتون مقتلعة، وفي كل قرية فلسطينية مقطوعة باسم "الاحتياجات الأمنية لإسرائيل".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة