في شهادة شخصية مؤثرة، يعرض الكاتب والأكاديمي اللبناني الفلسطيني الفرنسي جاد هلال تجربته مع الإعلام الفرنسي بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ، كاشفا عن نمط من التهميش والتحيز والعنف الرمزي الموجه ضد الأصوات الفلسطينية في فرنسا.
وعبر جاد هلال -في مقال بموقع أوريان 21- عن تردده في البداية في قبول الظهور الإعلامي بعد التصعيد الدامي في غزة، يقول "نعم، كان هناك تردد. هل أقبل الحديث لأنني لا أسمع الصوت الفلسطيني كفاية؟ أم أرفض مسبقا تحسبا لانحياز الإعلام وللانتقادات والشتائم والتهديدات الموالية لإسرائيل التي ستتبع حديثي؟
ويؤكد هلال قائلا "كنت أشعر بهذه العواصف القادمة"، ولكنه أبرز أنه شعر بالمسؤولية تجاه من لا يملكون فرصة الكلام -كما يقول- فقرر ألا يترك "الكرسي الفلسطيني فارغا".
ورغم معرفته المسبقة بالتحامل الإعلامي، قبل جاد هلال دعوة قناة معروفة بدعمها العلني لإسرائيل، محاولا إيصال الصوت الفلسطيني إلى جمهور أوسع، لكنه شعر، منذ دخوله الإستوديو بالعداء، حيث لم يخبره أحد بموضوع النقاش مسبقا، ووجد نفسه في مواجهة "خبراء عسكريين" لمناقشة خطاب لم يسمعه، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية .
تم تقديم جاد هلال كمحاور مضاد للضيوف الآخرين، وسط أجواء من العنف اللفظي والعداء الصريح، مما جعله يشعر "بالاختناق" -كما يقول- خلال البث، وفي طريق العودة، وحتى أثناء نومه.
بعد تلك التجربة، لاحظ هلال ومحيطه من الفنانين والمثقفين الفلسطينيين تراجعا حادا في فرص التعبير، إذ لم يكن الأمر مجرد انحياز، بل تجاهل تام وإسكات متعمد، مشيرا إلى أن هذا الصمت هو أحد أشكال العنف، وأن كثيرا من وسائل الإعلام الفرنسية لم تفسح المجال للأصوات الفلسطينية، في حين استضيفت شخصيات إسرائيلية منفردة دون قيود.
الكراهية لاحقت هلال على إنستغرام أيضا عبر التعليقات على مظهره ومؤهلاته الأكاديمية وإنتاجه الأدبي، مما أجبره على الانسحاب، ليس فقط من الإنترنت، بل من الحديث تماما عن القضية، حتى مع المقربين.
وبعد لقاء عابر مع صحفية من وسيلة إعلام يسارية، يقول هلال إن الأمل عاد إليه مؤقتا، وشاركها إعداد ملف عن الفنانين الفلسطينيين في باريس، وما إن نشر المقال حتى انهالت عليه الدعوات الإعلامية، ولكن سرعان ما بدأت الهجمات الممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعي.
بدأت الحملة الإلكترونية بتعليقات ساخرة واتهامات متناقضة، تصف هلال تارة بأنه عضو في حركة المقاومة الإسلامية ( حماس )، وتارة أخرى بأنه عضو في حزب الليكود ، ثم تصاعدت لتتحول إلى شتائم مباشرة وتهديدات بالقتل ومضايقات لأفراد عائلته.
غادر هلال إكس و فيسبوك ، وبقي على إنستغرام ، لكن الكراهية لاحقته هناك أيضا، عبر التعليقات على مظهره ومؤهلاته الأكاديمية وإنتاجه الأدبي، مما أجبره على الانسحاب، ليس فقط من الإنترنت، بل من الحديث تماما عن القضية، حتى مع المقربين.
ومع بداية 2025، يقول هلال إنه بدأ يخرج من عزلته لكن بحذر، وظل يرفض معظم المقابلات، ويقبل فقط تلك التي توفر مناخا آمنا ومحترما -حسب تصوره- وبالفعل شارك في مقابلة على قناة عمومية شعر فيها بالارتياح، لكنها أجلت لأشهر بسبب هجمات إلكترونية من جماعات مؤيدة لإسرائيل.
وفي أبريل/نيسان تكرر الخداع الإعلامي مع هلال -كما يقول- فدعاه صحفي لمقابلة "هادئة ومحترمة بين فلسطينيين وإسرائيليين"، لكن تبين له بعد التحقق، أن البرنامج مصمم كمواجهة صدامية تهدف للترفيه عبر التصعيد اللفظي، فرفض المشاركة، وخرج من التجربة مرهقا، يشعر أنه كان على حافة خطر.
ويتذكر هلال أن ضيفة إسرائيلية في إحدى القنوات الأخرى رفضت مجرد مصافحته، قبل بث مباشر، وطلبت من المذيعة ألا يمنح منبرا.
ورغم التراجع في دعوات الظهور الإعلامي لم تختف المعضلة، إذ يرى هلال أن المساحات المخصصة للفلسطينيين في الإعلام الفرنسي لا تزال محدودة وخاضعة لشروط صارمة، ففي إحدى المقابلات، اشترطت المجلة أن يكون اللقاء مزدوجا مع إسرائيلية، بحجة تعدد الرأي، وهو شرط لم يفرض في المقابلات مع الإسرائيليين.
بلغ الإحباط ذروته في الثالث من يونيو/حزيران 2025، خلال لقاء مع جمعية إنسانية ناقشت الإعلام الفرنسي، فقالت صحفية إن "الصحافة المكتوبة، خلافا للتلفزيون لم تنحز، ولم تكمم الصوت الفلسطيني"، مما أشعر جاد هلال بمرارة الإنكار، وتساءل عن مستقبله في بلد ينكر فيه حتى التحيز الممنهج.
وقال "ما مستقبلي أنا كفلسطيني في فرنسا؟ إذا كانت هذه الصحفية محقة، وإذا كان الإنكار بهذا الحجم بحيث يخفي التمييز والانحياز، فماذا يمكنني أن آمل؟".