قفز سعر أونصة الذهب لتتجاوز أربعة آلاف دولار، الأربعاء، للمرة الأولى في تاريخ المعدن الثمين بعد أن أقبل المستثمرون على هذا الملاذ الآمن، وسط مخاوف بشأن مسائل عدة في مقدمتها الإغلاق الحكومي الأمريكي.
ومنذ بداية العام الجاري ارتفع سعر المعدن الأصفر بأكثر من 50 بالمئة. ولطالما اعتُبر الذهب "الملاذ الآمن" بامتياز لأنّه يحافظ على قيمته الجوهرية، على الرّغم من أنّه لا يُدرّ فوائد.
وهذا المعدن إلى جانب استخدامه في الحلي والزينة، يعد من الثروات التي يعتمد عليها الأفراد والدول، ويشكل أهمية كبيرة في الاقتصاد، كما أصبح له بورصة عالمية للأسعار تتغير كل يوم.
ويُقبل المستثمرون على شراء الذهب لحماية أنفسهم من خطر خسارة أموالهم، خصوصاً عندما تكون التوقعات الاقتصادية قاتمة.
ويعد الذهب معدناً نادراً لدرجة أن كل الذهب الموجود في العالم قد يساوي مكعباً طول أضلاعه 23 متراً.
وأثار الارتفاع المتواصل لأسعار الذهب موجة من ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما قدم مختصون اقتصاديون رؤيتهم بعد هذه الزيادة غير المسبوقة.
وكتب صلاح الجيماز، عبر منصة إكس إن سعر الأونصة بلغ 960 دولاراً قبل عشر سنوات، مشيراً إلى أنه "كان يواجه مقاومة كبيرة عند نصح الناس في شراء الذهب". ودعا الجيماز بلاده الكويت إلى السماح "ببيع الذهب عيار 14".
في حين، لفت حساب يدعى "سعر الذهب" إلى أن سعر المعدن الأصفر "ارتفع 117 ضعفاً خلال 55 عاماً".
وبحسب موقع Gold market المختص بالذهب، فقد كان سعر أونصة الذهب عام 1970 نحو 35 دولاراً.
ورأى الكاتب والمحلل اقتصادي، سلطان مهنا، أن شراء الذهب في ظل ارتفاع الأسعار يعتمد على الغاية من ذلك.
وشرح مهنا عبر إكس، "إن كنت تبحث عن الأمان على المدى الطويل، فالسعر الحالي ليس عائقاً، فالذهب كان ولازال وسيضل يحتفظ بقيمته على المدى البعيد، ومهما تذبذبت الأسعار مؤقتاً، فإن الاتجاه العام مدعوم بعوامل جوهرية لا تزال قائمة: التضخم، التوترات الجيوسياسية، وضعف الثقة في البنوك المركزية".
لكنه قال "إن كان هدفك المضاربة السريعة، فالأفضل التريّث. الأسعار قد تتعرض لتصحيح قصير المدى، وفرصة الشراء المثالية تأتي عندما يهدأ السوق بعد موجة صعود حادة".
ويأتي هذا فيما تتوقع حسابات تقول إنها تقدم خدمات مالية، عبر منصة إكس، هبوطاً في أسعار الذهب بعد هذا الارتفاع.
وقال صالح أبو الريش الذي يعرف نفسه على أنه مستثمر في أسواق المال منذ عام 2009، إن "ارتفاع الذهب المتسارع كأنه سهم، غير صحي أبداً"، ورأى أن ارتفاع سعر هذا المعدن "ضرره كبير على تجارة الذهب نفسها، معظم التجار لن يستطيع شراء الذهب من الغير بالإضافة إلى ضعف المبيعات".
وقال إن "الأفراد سيجدون صعوبة في إعادة البيع والحصول على النقد في الوقت الحالي".
والمقبلون على الزواج، من بين الفئات التي تشتري الذهب، في تقليد متبع.
لكن الباحث الاقتصادي، عامر الشوبكي، دعا المقبلين على الزواج إلى التفكير بـ"بدائل واقعية" عبر "شراء الذهب الرمزي المقلد أو الهدايا العملية أو الودائع البنكية"، وذهب الشوبكي باتجاه "إلغاء فكرة شراء الذهب بشكل كامل من مراسيم عقد الزواج".
العرض والطلب
العرض والطلب يؤثران على أسعار الذهب، مثله مثل أي سلعة أخرى - فزيادة الطلب وانخفاض المعروض يؤديان إلى زيادة السعر، والعكس صحيح، زيادة المعروض وانخفاض الطلب يؤديان إلى انخفاض الأسعار.
تجدر الإشارة إلى أن عملية تعدين الذهب تزداد صعوبة مع مرور الوقت، ويعتبر ذلك أحد أسباب الارتفاع المستمر لأسعاره على المدى الطويل.
التضخم وأسعار الفائدة والعملات
القرارات التي تتخذها الحكومات في هذا الشأن تؤثر على الأسعار. فانخفاض أسعار الفائدة وارتفاع معدلات التضخم تؤدي إلى زيادة أسعار الذهب.
الشيء ذاته ينطبق على أسعار الصرف، فإذا كانت العملة المحلية ضعيفة، تحدث زيادة في أسعار الذهب.
ويفيد محللون بأن الإغلاق الحكومي الأمريكي والتوقعات بخفض الاحتياطي الفدرالي معدلات الفائدة أكثر، وهو أمر ينعكس على الدولار، هما عاملان يدعمان أسعار الذهب بشكل أكبر، وفق وكالة فرانس برس.
كما تعزز وضع المعدن الأصفر بسبب المخاوف حيال استقلالية الاحتياطي الفدرالي التي أثارتها هجمات الرئيس دونالد ترامب على المصرف المركزي الأمريكي لعدم خفضه أسعار الفائدة بالسرعة الكافية.
التقلبات الجيوسياسية
عدم الاستقرار السياسي والصراعات والتهديدات قد تؤدي إلى رفع أسعار الذهب. ومن الصعب قياس الكيفية التي تؤثر بها مثل تلك الأمور على أسعار الذهب مقارنة بالعوامل السابقة، كما أنها تتفاوت من حالة إلى أخرى.
ويُنظر إلى الذهب على أنه استثمار آمن، ما يساهم في زيادة الطلب عليه في ظل الاضطرابات الجيوسياسية مثل النزاع بين روسيا وأوكرانيا والحرب في غزة.