في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
طهران- مع دخول ملف طهران النووي منعطفا خطِرا إثر عودة العقوبات الأممية على الجمهورية الإسلامية بعد مضي 30 يوما على تفعيل الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) " آلية الزناد "، تطفو المخاطر الأمنية المحتملة في سياق التهديدات المتصاعدة على سطح النقاشات في المشهد الإيراني.
وبعد مرور 10 أعوام من التجميد نتيجة إبرام الاتفاق النووي عام 2015 بين طهران والقوى العالمية، عادت 6 قرارات عقابية كانت صادرة عن مجلس الأمن الدولي على إيران ، مما يعيد الأخيرة إلى أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي طرح تساؤلات عن تداعيات الخطوة على الأمن القومي الإيراني.
وتعبّر بعض الأوساط السياسية في طهران عن خشيتها من أن تؤدي التداعيات المترتبة على تفعيل آلية الزناد إلى تدويل الملف الإيراني، إذ توفر عودة العقوبات الأممية ذريعة للمحور الأميركي والإسرائيلي لركوب موجة التصعيد الأوروبي بغية الانتقال من العقوبات إلى التهديد الأمني المُشرعن دوليا، وذلك من خلال إعادة إنتاج بيئة حصار شامل سبق وطبقته القوى الغربية على العراق قبل غزو عام 2003 .
من جانبه يقرأ أستاذ القانون الدولي بجامعة طهران يوسف مولائي، تفعيل آلية الزناد في سياق المساعي الغربية لإعادة إيران إلى أحكام "الفصل السابع" من ميثاق الأمم المتحدة وإضفاء شرعية دولية على التحركات ضد البرنامج النووي الإيراني .
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح مولائي أن إدراج الملف الإيراني والملف النووي تحت الفصل السابع من الميثاق الأممي سيعني أن مجلس الأمن الدولي يعتبر طهران تهديدا للسلم والأمن الدوليين، مما يبرر فرض عقوبات إضافية، بل والسماح باستخدام القوة العسكرية ضدها إذا اقتضت الضرورة.
وبرأيه، فإن واشنطن وتل أبيب تسعيان لخلق شرعية دولية لضرب البرنامج النووي الإيراني من جديد من خلال الترويج للرأي العام العالمي بأن المنشآت النووية الإيرانية "هدف عسكري مشروع" بسبب تخطي الجمهورية الإسلامية القوانين الدولية في ملفها النووي.
ويشير الأكاديمي الإيراني إلى تزايد التهديدات الأميركية والإسرائيلية ضد بلاده، ويضيف أن هذه الأجواء المشحونة قد تشجع إسرائيل على شن ضربات عسكرية استباقية جديدة على أهداف نووية داخل إيران على غرار استهدافها منشآت نووية في يونيو/حزيران الماضي.
وختم بالقول إن إعادة إيران تحت الفصل السابع من الميثاق الأممي يعيد طهران إلى مربع المواجهة المباشرة مع المجتمع الدولي، بما يدخل المنطقة بأسرها مرحلة جديدة من عدم الاستقرار وتصاعد المخاوف، معبرا عن قلقه من أن يؤدي أي خطأ في التقدير إلى انزلاق غير محسوب نحو مواجهة شاملة.
من ناحيته، يعتقد الباحث السياسي يوسف آكنده، أن البيئة الأمنية المحيطة بإيران ستزداد احتكاكا إثر تشديد الضغوط الغربية على إيران، ذلك لأن إعادة العقوبات الأممية ليست مجرد أداة قانونية، وإنما عامل مثير للقلق وعدم الاستقرار في الترتيبات السياسية والأمنية القائمة، وأن أي خطوة غير محسوبة قد تضرم النار في هشيم التصعيد المتزايد وتحول المنطقة إلى ساحة ساخنة للمواجهة المباشرة.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى آكنده أن تفعيل آلية الزناد يمهد لمرحلة جديدة من التهديدات الإستراتيجية المباشرة للأمن الوطني الإيراني، مؤكدا أن تداعيات الخطوة الأوروبية تكاد تحول الآلية من أداة قانونية إلى محفِّز لمخاطر أمنية وعسكرية ملموسة على إيران.
وانطلاقا من إعادة إيران تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة نتيجة عودة القرارات الأممية على طهران، يقول آكنده إن هذه المستجدات ستوسع نطاق التهديدات الأمنية بشكل كبير على إيران لأن تداعياتها ستكون بمثابة إعلان من مجلس الأمن بأن طهران "تهديد للسلم والأمن الدوليين".
ولدى إشارته إلى تعرض المنشآت النووية الإيرانية إلى ضربات عسكرية إسرائيلية وأميركية دون إذن دولي أو أممي، يؤكد المتحدث نفسه أن تصنيف طهران تهديدا للسلم والأمن سيمنح أعداءها "شرعية دولية" لتكرار السيناريو السابق، حيث قد لا يواجه مثل هذا الحراك العسكري إدانة بعد اليوم.
وبرأي الباحث السياسي فإن تدويل الملف الإيراني قد يؤدي إلى إحياء مجموعة من القيود العسكرية والأمنية الخطيرة، أبرزها الحظر على استيراد المواد ذات الاستخدام المزدوج وأن الأكثر إثارة للقلق توفيره ذريعة تمنح بعض الدول حق تفتيش السفن في المياه الدولية، مما يعيد مشهد الحصار البحري ويزيد من احتمالية الاشتباكات المباشرة مع القوى البحرية الغربية.
هذه المخاطر قد تفتح الباب -وفق آكندة- أمام متغيرات إستراتيجية تعزل إيران دوليا وتقلص هامش مناورتها نظرا إلى عزمها المضي قدما في تخصيب اليورانيوم ، وقد تلجأ إلى خيارات نووية أكثر جرأة في ظل مطالبة بعض الأوساط السياسية بتغيير العقيدة النووية على الرغم من تأكيد المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس مسعود بزشكيان بأنه لا يوجد أي توجه في طهران لصناعة القنبلة النووية.
وخلص الباحث الإيراني إلى أن فشل المشروع الروسي الصيني في مجلس الأمن الأسبوع الماضي يكشف من جديد أن الدول الأوروبية "باتت تتحرك في تناغم تام مع واشنطن"، موضحا أن هذا التحول الإستراتيجي يضعف الموقف التفاوضي الإيراني، لأن أي اتفاق مستقبلي أصبح مرهونا بشكل أكبر بموافقة القوى الغربية أو على الأقل بعدم اعتراضها عليه.
وعلى ضوء الاستعداد الإيراني لمواصلة المسار الدبلوماسي شريطة عدم سعي الطرف المقابل لإذلالها، يرى مراقبون أنه رغم خطورة المرحلة الراهنة إلا أن تعمد الجانبين استعراض قدراتهما الدفاعية والردعية، يهدف للتذكير بأن تكلفة العدوان ستكون باهظة، مما يفتح الباب على مصراعيه لنشاط الوساطات من جديد وتحويل هذه القناعة إلى فرصة للسلام.