آخر الأخبار

الريشة المصرية تحارب النسيان: كيف حوّل أحمد نوار الفن إلى لغة مقاومة؟!

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

حين تتجول بين أعمال الفنان التشكيلي المصري أحمد نوار، تشعر كأنك تسافر عبر أزمنة مصر، ترنو إلى الماضي دون أن تغفل الحاضر، وتستشرف أحلام المستقبل بريشة لا تعرف حدودا للإبداع.

فالدكتور أحمد نوار ليس مجرد فنان تشكيلي، بل هو شاعر اللون، وحارس الذاكرة الجمعية، وصانع مشاهد الحياة في تراكيب تفيض شغفا وحكمة. في عالمه، يصبح الفن لغة أولى، وطريقا للكشف والمقاومة والبوح، ونافذة يتسلل منها نور الإنسانية إلى فضاءات الروح.

في قلب الدلتا المصرية، حيث تتعانق الأرض والماء والذاكرة، ولد أحمد محمد إسماعيل نوار بمحافظة الغربية عام 1945، ليحمل في روحه عبق الصعيد وأحلام النيل وتراكمات الحضارات القديمة.

نهل من أعماق الفن المصري الأصيل، لكنه ظل متطلعا إلى العالم، فحمل إبداعه إلى أكاديمية سان فرناندو الإسبانية، حيث تعلم كيف يسافر اللون بين الثقافات، ويكتسب الروح العالمية دون أن يفقد جذوره.

مصدر الصورة الفنان أحمد نوار في شبابه (بإذن من الفنان)

حصل نوار على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان عام 1967، ثم واصل دراسته العليا بإسبانيا حيث نال دبلومات في الجرافيك والتصوير الجداري، إضافة إلى الأستاذية في الرسم من أكاديمية سان فرناندو بمدريد (1971-1975).

ولأحمد نوار تجربة رائدة تتخطى حدود اللوحة، إذ كان بناء للمؤسسات الثقافية، مؤسسا لكليات الفنون الجميلة، وصوتا قويا في معارك الحفاظ على التراث المصري. أعماله التي تعددت بين الرسم، والحفر، والتصوير، والنحت تتزين بها متاحف مصر والعالم، وتردد أصداؤها بيناليات باريس والبندقية وساو باولو، وفي كل موضع تلون الحكاية برؤيته الفريدة وتوقيعه المعمق.

مصدر الصورة أحمد نوار: منحتني تجربتي في الحرب مصداقية بلا حدود، وما زالت تلك التجربة حيّة في قلبي وروحي حتى الآن (بإذن من الفنان)

عمل رئيسا قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، ورئيس قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، وعميد ومؤسس كلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا. كما رأس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأشرف على صندوق إنقاذ آثار النوبة، وعمِل مستشارا فنيا في مؤسسات وهيئات ثقافية عديدة.

إعلان

نال جوائز وأوسمة رفيعة بمصر وخارجها، كجائزتي الدولة التشجيعية والتقديرية، وجائزة النيل، إضافة إلى أوسمة من مصر، وإسبانيا، وفرنسا، وروسيا. وله براءة اختراع بعنوان "بانوراما المتاحف في حقيبة".

وقدم مؤلفات وأفلاما وثائقية فنية وإنسانية، تمزج بين الفن والنضال، وبين حكاية الإنسان ومأساة الوطن، أبرزها كتاب "صوت العنف وصوت الفن" وهو تأليف مشترك، مع وزارة الثقافة والفنون والتراث، مركز الفنون البصرية، الدوحة، بقطر، 2010، وكتاب "نهر الفن" وفيلم "فلسطين 52 سنة احتلال".

كما أسس جائزة نوار للرسم، التي تهدف إلى دعم وتشجيع الفنانين الشباب وإتاحة الفرصة لإبراز مواهبهم في المشهد الفني المصري والعربي.

في حضرة أعمال أحمد نوار، يدرك المتلقي أن الفن ليس رفاهية أو ترفا، بل هو مقاومة وقوة، هو ذاكرة وحلم، هو نبض يدافع عن الجمال في زمن التحولات. وهكذا يطل أحمد نوار في حواره مع "الجزيرة نت"، مستعرضا تجربته في المشهد الفني العربي والعالمي، كطائر يرفرف بجناحي الإبداع والمسؤولية، حاملا إرث مصر ورؤيتها نحو آفاق لا تنتهي.

مصدر الصورة لوحة بعنوان "استعداد وترقب" للفنان التشكيلي أحمد نوار حاصلة على الجائزة الأولى الدولية ببينالي إيبيثا الدولي بإسبانيا 1968 (بإذن من الفنان)

فإلى الحوار:


*

تخرجت عام 1967، في لحظة الهزيمة العربية الكبرى.. كيف شكلت تلك اللحظة رؤيتك الأولى للفن؟ وهل يمكن القول إن بداياتك التشكيلية كانت نوعا من مقاومة الصدمة؟

عام 1967 كان عام تخرجي. لم تدخل مصر في حرب في ذلك العام، ولا العرب. لكن ما حدث بلا شك أثر على الشعب المصري كله، وعليّ أنا بوجه خاص في عام تخرجي. فقد توجهنا نحن الشباب إلى المقاومة الشعبية، وبعد ذلك تفاعلت مع ما جرى حسيا ووطنيا، وبدأت أرسم بعض الأعمال الفنية، وأخص بالذكر لوحة بعنوان "استعداد وترقب"، كان مقاسها 60 سم × 60 سم.

وفي عام 1968 تقدمت بها إلى بينالي إيبيثا الدولي في إسبانيا، وحصلت على الجائزة الدولية الأولى. بالتأكيد، لقد شكلت هذه الفترة بالنسبة لي نقلة استثنائية، وهذا بعد خمس سنوات من الدراسة الأكاديمية.

مصدر الصورة لوحة بعنوان "يوم الحساب" للفنان التشكيلي أحمد نوار (بإذن من الفنان)
*

منذ مشروع تخرجك بعنوان "يوم الحساب" الذي نفذته بأقلام الرصاص على مساحة واسعة، وتأثرت فيه بالفنان الإيطالي مايكل أنجلو، بدت واضحة للجميع جرأتك وموهبتك. كيف تصف تجربة مشروع التخرج هذا، وما الذي تعلمته منه وترك أثره في مسيرتك الفنية اللاحقة؟

تعد لوحة "يوم الحساب" التي أنجزتها عام 1967 واحدة من أهم محطاتي الفنية وأكثرها تأثيرا في مسيرتي، إذ كانت في الأصل مشروع تخرجي من كلية الفنون الجميلة.

اللوحة الأصلية كانت ضخمة، بمساحة تقترب من ثلاثين مترا مربعا، منفذة بقلم الرصاص، واستغرقت في العمل عليها ما يقارب ستة أشهر كاملة من الجهد المتواصل.

وقد جاءتني فكرة اللوحة بعد رحلة دراسية قمت بها مع الكلية إلى اليونان وإيطاليا عام 1964، حيث شاهدت هناك جدارية مايكل أنجلو الشهيرة "يوم القيامة" في كنيسة السيستينا بروما. هذا المشهد ترك فيّ أثرا بالغا، وأشعل داخلي رغبة في أن أقدم عملا جداريا كبيرا يحاكي هذا الطراز الفني العالمي، لكن من منظور مصري وثقافي خاص.

إعلان

وكان لقائي بالكاتب الكبير أنيس منصور في روما آنذاك، وحديثه لي عندما عبرت له عن رغبتي في إنتاج عمل مثل هذا العمل، فقال "من خلق مايكل أنجلو، يمكن أن يخلق مثله"، مما شكل لديّ دافعا إضافيا لخوض التجربة.

مصدر الصورة من أعمال الفنان أحمد نوار "روح الحضارة" (جاليري حافظ)

لم يكن التحضير للوحة تقنيا فقط، بل كان ثقافيا وفكريا في المقام الأول. فقد كرست ثلاث سنوات كاملة قبل تنفيذ العمل للقراءة والتأمل؛ وقرأت القرآن الكريم وتفاسيره، واطلعت على الإنجيل، ودرست "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، إلى جانب "الكوميديا الإلهية" لدانتي. كل هذه القراءات كونت لديّ رؤية شديدة العمق عن مشاهد الحساب والجنة والنار.

ومع مرور الزمن، تعرضت اللوحة الأصلية للتلف وفقدت أجزاء منها، واقترح عليّ الفنان إيهاب اللبان أن أعيد استحضار تلك اللوحة من جديد، ولكن في صياغة أكثر اختصارا، عبر رسم سريع وعلى مساحة أصغر. وبعد تفكير طويل في هذا المقترح، وجدت نفسي منجذبا إليه، فشرعت في تنفيذه على مساحة تقترب من خمسة أمتار.

وقد غمرتني سعادة غامرة بتحقيق ذلك، إذ شعرت بأهمية هذه التجربة في مساري الفني. وفي عام 2021 قدمت نسخة معادة صياغتها بأسلوب الرسم السريع مستخدما أقلام الفلوماستر على الورق، بمقاسات بلغت 351 × 117 سم، لتكون بمثابة شهادة ثانية على استمرارية هذه التجربة.

لذا فتلك التجربة تعد استثنائية في حياتي الفنية، وقد كانت بمثابة ركيزة وأساس متين لأعمالي الفنية حتى اليوم.

الدكتور أحمد نوار رفقة مجموعة من الشباب في معرض "نوار بين الحرب والقناع" (مواقع التواصل)
*

عملت على قضايا إنسانية مثل فلسطين والحروب.. هل ترى أن للفنان واجبا أخلاقيا أم أن دوره جمالي بالأساس؟

منذ عام 1965 بدأت أتابع وأتفاعل مع قضايا إنسانية مختلفة، كان من أبرزها: قضية فلسطين، التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا، وحرب فيتنام وغيرها. فالواجب الأخلاقي للفنان يفرض عليه، بطبيعة الحال، أن يوجه رسائل للبشرية تسعى إلى تحقيق العدالة والحرية وحماية حقوق الإنسان.

وفي عام 2000 أقمت معرضا متنوع الوسائط جمع بين الرسم والنحت وفن الأرض، خصصته لقضية فلسطين. كما أنجزت فيلما عن فن الأرض بعنوان "فلسطين: 52 سنة احتلال"، فكرة وإخراج أحمد أبو زيد، مدته قرابة 11 دقيقة.

عرض هذا الفيلم في إيطاليا والمغرب والمكسيك وفرنسا وغيرها من الدول، والأهم من ذلك أنني أرسلت نسخا منه إلى ملوك ورؤساء أكثر من مئة دولة، وإلى مجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان. كما وضعت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الفيلم على موقعها الإلكتروني، في إطار رسالة فنان مصري عربي يوجه نداء إلى العالم لتحقيق سلام عادل لشعب فلسطين.

من أعمال الفنان أحمد نوار (جاليري حافظ)

وفي عام 2003 أقمت معرضا كبيرا اعتمد على فن التجهيز في الفراغ وفن الأرض، وأنتجت وأخرجت فيلما آخر بعنوان "فلسطين: 53 سنة احتلال"، موجها بدوره إلى العالم، وقد عرض في دول عديدة، كما أرسلته إلى الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان. وفي ختام هذا الفيلم، الذي بلغت مدته 21 دقيقة، كتبت جملة بجميع اللغات تقول: "أرض فلسطين للفلسطينيين"، في رسالة إنسانية واضحة تدعو إلى تحقيق العدالة لشعب فلسطين.

وفي العام نفسه (2003) قدمت عملا فنيا آخر في بينالي فينيسيا الدولي بعنوان "الصراعات والأحلام"، إلى جانب إنتاج وإخراج فيلم ثالث عن فلسطين.

فالفنان، في كل الأزمنة، ضمير البشرية الحي ورسالته مؤثرة بكل تأكيد، خصوصا في ظل إعلام واع قادر على إيصال الرسالة، كما حدث مع لوحة "غرنيكا" الشهيرة للفنان بابلو بيكاسو، التي صورت مأساة قرية "غرنيكا" الإسبانية بعد إبادة أهلها بالكامل خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936–1937). هذه اللوحة هزت ضمير العالم آنذاك، وما زالت حتى يومنا هذا.

لوحة "إرادة الإنسان.. السد العالي" الحاصلة على الجائزة الأولى في معرض الطلائع بمصر 1966، رسم على الخشب الحبيبي (بإذن من الفنان)
*

من أعمالك ما انشغل بالقضية الفلسطينية وبالذاكرة الجمعية.. هل ترى أن الفن يستطيع أن يكون "سلاحا" أم هو مجرد شهادة؟

إعلان

إجابتي عن هذ السؤال ممتدة لما سبق؛ ولكن أضيف هنا أن الفن كان الوجه الآخر لتفوقي في قنص العدو الصهيوني خلال حرب الاستنزاف، وذلك من خلال اكتشافي لوسائل التمويه المختلفة التي اعتمدها العدو. وكان من نصيبي اقتناص خمسة عشر صهيونيا.

لقد منحتني تجربتي في الحرب مصداقية بلا حدود، وما زالت تلك التجربة حيّة في قلبي وروحي حتى الآن.

رئيس جامعة المنيا الدكتور عصام فرحات يكرم الدكتور " نوار" لمجمل إسهاماته (مواقع التواصل)
*

أسست أول كلية للفنون الجميلة بصعيد مصر عام 1983 وأصبح اسم الكلية مرتبطا بك بوصفك أول عميد لها. كيف كانت تجربتك في هذه المرحلة من التأسيس، وما التحديات والإنجازات التي تركت بصمة في مسيرتك الأكاديمية والفنية؟

تأسست كلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا منذ عام 1982، وافتتحت رسميا في عام 1983، وخرجت أول دفعة منها في عام 1988. كانت هذه التجربة الأولى لي كمسؤول في هذا المجال، وكنت صغيرا في العمر، إلا أن دراستي في إسبانيا وزيارة بعض الدول الأوروبية ومتاحفها الرائعة شكلت لي خبرة تراكمية قيمة، حيث شملت اهتماماتي التخطيط العمراني والمتاحف وكل ما هو إبداعي في الحياة.

وقد انعكس ذلك في صياغة رؤية متكاملة لتأسيس أول كلية فنون في صعيد مصر، بمقومات متطورة وحديثة. وخلال شهور قليلة، بدأت الكلية تستقبل أول دفعة لها في أكتوبر 1983. وكان لمساعدة أساتذتي وزملائي وإدارة الجامعة دور كبير، حيث تحمس الجميع بإرادة قوية لإنجاح المشروع.

التحديات تكون عندما يتم العمل في مناخ محبط، لكني الحمد لله، أرى توفيق الله لي دائما، لذا لا أعرف المستحيل.

تمثال "التحدي" الذي أُقيم عام 2007م في مدينة مونتي رَي بالمكسيك، وهو تحفة فنية ضخمة صُنعت من الحديد والفولاذ، ويبلغ ارتفاعه 25 مترًا ويزن حوالي 80 طنًّا من الحديد. ويُعد هذا التمثال ثالث تمثال في المكسيك للفنان أحمد نوار، بعد تمثال "الحرية" في جزيرة النساء، وتمثال "الإرادة" في مدينة شيتومال.


*

شغلت مناصب أكاديمية وثقافية مهمة (كلية الفنون الجميلة، المجلس الأعلى للثقافة..)؛ هل ترى أن العمل الإداري أخذ من وقتك الإبداعي أم أضاف إليه؟

عندما تولّيتُ مهمة تأسيس كلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا، ثم (عمِلتُ) رئيسًا لقطاع الفنون التشكيلية، ورئيسًا لقطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، ورئيسًا لقطاع إنقاذ آثار النوبة، ورئيسًا للهيئة العامة لقصور الثقافة -وكانت الأخيرة بقرار جمهوري بعد أن بلغت سنّ الستين، حيث وافق رئيس الجمهورية على مدّ خدمتي حتى سنّ الثالثة والستين- استطعتُ، بتوفيق من الله وإرادة قوية، أن أحقق إنجازات غير مسبوقة في تاريخ الثقافة والمتاحف المصرية.

وانطلاقًا من مبدأ أن الفنان يحمل رسائل نافعة لمجتمعه، كنتُ دائمًا أقول:

"بناء متحف، أو تطوير متحف، أو إحداث تفاعل حقيقي على أرض الواقع، يعادل ألف لوحة لو جلستُ في مرسمي؛ لأن الرسالة الممتدة المضمون والفائدة قد تكون أعمق وأبقى".

وفي الوقت نفسه وفقني الله لإقامة معارض فنية رغم جسامة المسؤوليات التي كنت أتولاها. وقد كان الإعلام في مصر، ومعه الفنانون ومحبّو الفن، مندهشين من قدرتي على الجمع بين هذه المسؤوليات الكثيرة والعمل الفني. والحمد لله على ذلك أولًا وآخرًا.

لوحة من مجموعة لوحات "وجوه الفيوم" للفنان أحمد نوار (جاليري حافظ)
*

كيف تقيم حال المتاحف والفنون البصرية في مصر اليوم؟ وما الذي ينقصها؟

المتاحف المصرية، عددها وأنواعها، لا يتناسبان مع قوام المجتمع إذا قسنا ذلك بعدد سكان مصر الذي يتجاوز مئة مليون نسمة.

في رأيي، هذا الموضوع لا يحظى بالاهتمام الذي تتطلبه عملية التنمية الاجتماعية، وبناء الوعي، وتشكيل وجدان المواطنين.

لقد أصبح المتحف اليوم مؤسسة ثقافية وتعليمية وبحثية وفنية في آنٍ واحد. وقد استُحدثت في العالم مواد علمية وأنشطة خاصة بما يُعرف بـ"التربية المتحفية".

وباختصار، أقول إنني أعشق المجال المتحفي. ومن أهم المتاحف التي أنجزتها:


* متحف النوبة، الذي افتتحه الرئيس الأسبق حسني مبارك في 23 نوفمبر 1997، ويُعد من أهم المتاحف في العالم، وهو مقام على مساحة خمسين ألف متر مربع على هضبة بمدينة أسوان.
* كما أنجزت إنجازًا فريدًا من نوعه بإنشاء متحف التحنيط على شاطئ النيل بمدينة الأقصر، وهو المتحف الوحيد من نوعه في العالم، وقد افتتحه رئيس الجمهورية في مايو 1997.

لذا فإن موضوع المتاحف واسع لا يمكن سرده كاملًا في حوار واحد. لكن من أبرز ما اقترحته على المجلس الأعلى للآثار عام 1996 كان وضع خطة شاملة لمتاحف مصر. أسست هذا المشروع على قناعة بأن الله سبحانه وتعالى قد حبا مصر بالإبداع الفني والعلمي منذ آلاف السنين، وأنها تمتلك ملايين الشواهد المادية المتمثلة في الفن المصري القديم، والفن القبطي، والفن الإسلامي. ومع ذلك لم نستثمر هذه النعمة العظيمة كما ينبغي.

إعلان

لذلك تقدمت بمشروع تحت مسمى "متاحف مصر والاستثمار الاقتصادي"، وهو مشروع يمتد تنفيذه على مدار مئة عام. وقد تمت الموافقة عليه من المجلس الأعلى للآثار عام 1996. ووفقًا للخطة، كان من المفترض إنشاء 395 متحفًا خلال قرن كامل. وكان متحف التحنيط الإنجاز الأول، ثم بدأتُ بتطوير عشرين متحفًا، منها: المتحف الإسلامي، ومتحف المجوهرات، والمتحف القبطي، ومتحف المركبات الملكية وغيرها.

لكن الحديث يطول… وللأسف، توقف المشروع تقريبًا بعد انتهاء مدة رئاستي لقطاع المتاحف الأثرية، رغم ظهور بعض الإنجازات. وها قد مر خمسة وعشرون عاما، ولم يتحقق من الخطة سوى نسبة ضئيلة جدًّا، للأسف الشديد.

مجموعة من الجوائز والأوسمة والميداليات الخاصة بالفنان أحمد نوار (مواقع التواصل)
*

تتميز أعمالك منذ بداياتك باهتمام واضح بالشكل الهندسي واستلهام عناصر الحضارة المصرية القديمة، مع التركيز على الحركة والظل والنور والإيقاعات اللونية الدقيقة. كيف تطورت هذه الرؤية الهندسية في لوحاتك، وما الدور الذي تؤديه التفاصيل الدقيقة والتأمل في صياغة تجربتك البصرية والفنية؟

العلاقة بين الشكل الهندسي والعضوي ليست مجرد استلهام من الفن المصري القديم أو الفن الإسلامي فحسب، بل هي أعمق من ذلك؛ إذ ترتبط بمعجزات الخالق في خلقه. فكل ما في الطبيعة والكون، من حركة الشمس والقمر وغيرهما، قائم على نظم رياضية دقيقة. والحركة الكونية تكشف عن تكامل بديع بين ما هو عضوي وما هو هندسي.

كما أن نمو العناصر الطبيعية، كالنباتات على سبيل المثال، يتم وفق نظام رياضي محكم. ومن هنا أرى أن الرافد الطبيعي أقوى من الرافد التاريخي، لأن التاريخي في جوهره تحصيل حاصل.

انطلاقًا من هذا، أنتجت مجموعات فنية اعتمدت الشكل الهرمي الذي يرمز إلى الارتقاء والنماء والقوة والاستقرار، ومجموعات أخرى استندت إلى المربعين المتعاكسين (النجمة الإسلامية) وعلاقتهما بالشكل العضوي.

وكل هذه المجموعات تدور في فلك واحد: فلك الحرب والسلام.

أحمد نوار بجوار عمله الفني "الإرادة" في إحدى معارضه (مواقع التواصل)
*

أنت مؤسس جائزة "نوار" للرسم.. عرفنا عليها؟ وماذا تريد أن تترك للأجيال من خلالها؟

جائزة نوار للرسم تهدف إلى خلق جيل مؤسَّس على أصول علمية وفنية راسخة. وهي مخصَّصة لطلاب كليات الفنون في مصر، بحيث تُمكِّن الطالب منذ بداياته، ليتمكن لاحقًا من تحقيق إبداع متكامل دون تعثّر. فالرسم بالنسبة للعمل الفني هو بمثابة العمود الفقري لجسم الإنسان؛ بدونه ينهار الجسد. وهو كالمبنى بلا أعمدة؛ مآله الانهيار.

كانت الدورة الأولى عام 2017 في كلية الفنون الجميلة بجامعة المنصورة، ثم الثانية بجامعة الأقصر، والثالثة بجامعة الإسكندرية، والرابعة بجامعة أسيوط، والخامسة بجامعة حلوان، والسادسة بالجامعة المصرية الروسية، أمّا السابعة فهي تُقام الآن في جامعة بدر.

تشرف على الجائزة لجنة عليا من النقاد تضم:


* د. أمل نصر.
* د. هبة الهواري.
* د. خالد البغدادي.
* د. مصطفى عيسى.
* الناقد محمد كمال.
* المصممة الجرافيكية مي أحمد نوار (الأمينة العامة للمسابقة).

وتُموَّل جميع الجوائز المالية من حسابي الخاص. ويحصل كل فائز على شهادة تقدير وقلم ذهبي منقوش عليه اسم الكلية والجامعة ورقم الدورة. وتُقام المسابقة بشكل سنوي.

في أكتوبر القادم سيُقام حفل توزيع جوائز الدورة السابعة بجامعة بدر، كما سيُدشَّن قبل نهاية الشهر إطلاق الدورة الثامنة بجامعة الإسكندرية، تليها الدورة التاسعة بجامعة فاروس بالإسكندرية.

يُختار لكل دورة موضوع محدد للتسابق، وتُعقد على مدار العام ورش للرسم، إضافة إلى بعض المحاضرات التثقيفية.

من أعمال الفنان أحمد نوار (جاليري حافظ)
*

بعد أن حصلت على جائزة النيل، وهي أعلى تكريم في مصر.. هل شعرت بأن هذه اللحظة تمثل تتويجًا لتجربتك أم بداية مسؤولية جديدة أمام التاريخ؟

جائزة النيل ليست مجرد تتويج، بل هي بداية لمسؤولية إبداعية جديدة.


*

حدّثنا عن أحدث معارضك.. وما الأفكار التي تشتغل عليها حاليًّا؟

الحديث عن المعارض يطول؛ فهي تقترب من مئة معرض، بخلاف المشاركات الدولية.

آخر معارضي كان بعنوان "الإرادة"، وقد أقيم في الرياض واستمر ثلاثة أشهر، وانتهى قبل شهرين، ومن المقرر -بإذن الله- أن ينتقل إلى جدة خلال شهرين.

في الحقيقة، تدور جميع معارضي حول قضية واحدة أساسية: كيفية تحقيق العدالة الإنسانية للبشرية، إلى جانب الكفاح ضد الظلم الواقع على شعب فلسطين.


*

بعد أكثر من نصف قرن في التجربة.. ما الشيء الذي ما زال يدهشك ويحرّضك على الرسم؟

بعد أكثر من نصف قرن، لا يزال ما يدهشني ويحفّزني على الرسم هو البحث عن الجديد، وكيفية التعبير عن القيمة الحقيقية للإنسان، ونبذ الحروب… إلخ.


*

ما هو حلمك الفني الذي ترى أنه لم يتحقق بعد؟

حلمي الفني الذي لم يتحقق حتى الآن هو أن أرى متحفًا في كل مدينة، وأن تزين لوحات الفنانين جدران البيوت والبنوك وسائر المؤسسات.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا