في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
حماةـ منذ 1982 أصبحت مدينة حماة السورية منبوذة من أغلب المحافظات السورية، "فكونك حموي تعني ضرورة البعد عنك فورا خوفا من الملاحقة الأمنية"، بهذه الكلمات وصف الفنان التشكيلي يحيى تويت وضع مدينته.
ويضيف تويت -الذي يعد أحد المهتمين بتاريخ حماة- "وصلت معاناتنا حتى في السفر من وإلى حماة، الكثير من الشركات كانت ترفض المرور فيها، سوى شركتي نقل فقط"، ما يعني برأيه، منعا مباشرا لقدوم السياح وزيارة هذه المدينة أو الاختلاط بأهلها.
وأشيع في سوريا ، بحسب حديث تويت للجزيرة نت، أن "شعب حماة متعصب جدا، لا يتقبل الغرباء، وبقيت هذه الصفة ملازمة لشعب حماة طيلة سنوات حكم حافظ الأسد ومن بعده بشار ، نظرا لما زرعه في أذهان السوريين حتى تحريرها".
فقد عانت مدينة حماة لعقود من التهميش، بعد أن اعتبرت تهديدا لنظام حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي، ورغم موقعها الجغرافي المركزي في وسط سوريا، أصبحت المدينة معزولة عن باقي المحافظات السورية.
وعلى صعيد السياحة، عمل الأسد الأب على إخفاء معالم مدينة حماة، فكان لا يشجع زيارة السياح إليها رغم كثرة معالمها الأثرية التي تستحق الزيارة، وذلك ناجم عن حقد دفين تجاه الحمويين، يقول تويت.
وبدوره يرى الطبيب عمار المصري -المهتم بتاريخ حماة السياسي والثقافي- أن تحييد نظام الأسد لحماة عن السوريين، وطمس معالمها، تجلى أيضا في منع إقامة جامعة في حماة منذ 1982، رغم وجود جامعات مجهزة وأقدم بـ10 سنوات من جامعة حمص مثلا، وذلك منعا لقدوم الطلاب إليها.
ويضيف المصري، في حديث للجزيرة نت، أن حافظ الأسد عمل على شيطنة أهالي حماة أمام السوريين، عبر إظهارهم كمتمردين على الدولة وخارجين عن القانون، من أجل خلق عزلة بين الحمويين وباقي المحافظات، وهذا ما عاشوه أثناء دراستهم الجامعية سابقا أو في خدمتهم العسكرية.
وأوضح أن "كلمة حموي كانت التهمة جاهزة (إخوان مسلمين)، وهو ما أثار مخاوف السوريين في التعامل مع الحمويين طيلة سنوات حكم الأسد، خوفا من الملاحقات الأمنية".
العلاقة بالحمويين، كانت تهمة، بحسب المصري، وهو ما خلق عزلة اجتماعية لأهالي هذه المدينة، ونبذهم بشكل أو بآخر عن التآلف مع المجتمعات الأخرى، نظرا للصورة النمطية والتشويه الذي ارتسم حول حماة.
أيضا ركز الأسد على عزل ثقافي للمدينة، عبر منع جميع الفعاليات الثقافية والسياسية فيها، والتضييق على الجمعيات الخيرية بشكل كبير، ومنع الدروس الدينية، كما شجع على هجرة أهالي المدينة إلى الخارج، وحارب عيش الغرباء فيها، بحسب المصري.
وأكد الطبيب أن المجتمع المحلي تقع على عاتقه مسؤولية أكبر من المؤسسات الحكومية، لإعادة رسم الصورة الصحيحة عن حماة وأهلها، لافتا إلى أن أكثر من 50% من الشعب السوري لم يزر حماة حتى اليوم.
محمد نور الشاب الثلاثيني من مدينة حماة، تحدث "للجزيرة نت" عن معاناته في حياته الجامعية في اللاذقية ، قبل إندلاع الثورة السورية ، بين عامي 2008 و2010، بسبب المواقف السلبية التي وجدها من زملائه في الجامعة كونه حمويا فقط، نسبة إلى الصورة المرسومة في أذهانهم، كما وجد صعوبة كبيرة في إيجاد سكن للسبب ذاته.
وأشار إلى أن معظم من عاشرهم من أصدقائه وفي حياته اليومية من أهالي الساحل السوري ، لم يعرفوا حماة أو يزوروها ولو لمرة واحدة.
وقال "معظمهم كانوا يتحدثون لي عن طباع أهالي حماة، بأننا لا نحب الغرباء، ولا يمكن التعايش معنا، ومتعصبون دينيا، وأننا لا نزال نعيش الحياة الريفية في مدينتنا"، وختم "هذا ما أوهمهم به الأسد".
وأضاف "عز علي هذه الصورة السيئة التي كانوا يروني بها وأهلي في حماة، لكنني لم أتمكن تصحيح تلك الصورة حينها بسبب الخوف الأمني".
كما ترى هنادي -الشابة العشرينية من حماة- بأن حكم الأسد عمل على تغييب ثقافات أهل المدينة ومعالمها واقتصرها على النواعير، مختزلا بها تاريخها العريق، والمعالم المتفرقة من الآثار السياحية والمساجد، مثل المسجد الكبير وغيره.
وعقب زوال نظام الأسد، بدأت محافظة حماة بالتوجه إلى الفعاليات السياحية والثقافية، التي تشجع السوريين على زيارتها والتعرف عليها عن قرب.
ويأتي ذلك في عدة نشاطات، آخرها مهرجان ربيع حماة، الذي انطلق في الـ9 من الشهر الجاري، والذي يركز على معالم حماة السياحية ووجهها الحضاري والثقافي، بالإضافة إلى الفعاليات التجارية والصناعية فيها.
وقد شهد المهرجان حضورا لافتا من مختلف المحافظات السورية، بحسب مصادر حكومية من محافظة حماة، ولاقى صدى واسعا للفعاليات التي شاهدوها لأول مرة.
ويقول أمين سر -غرفة تجارة حماة أمجد الشبلي- في حديثه للجزيرة نت إن "مهرجان حماة هو ثقافي تجاري اقتصادي وسياحي، ومختلفا عن السابق في عرضه للأمور جميعها".
وبحسب الشلبي "كان الإقبال كبيرا جدا من تجار حماة ومن المحافظات الأخرى، رغم الكثير من التحديات"، مؤكدا بأن حماة باتت آمنة ومهيأة للاستثمارات بكافة أنواعها.
كما بدأت محافظة حماة ضمن حملة "حماة تنبض من جديد"، بإعادة ترميم المعالم السياحية والآثار، بهدف إعادة إبرازها على المشهد السياحي السوري، آخرها ترميم نواعير حماة، وترميم مسجد السلطان وإعادة معالمه التي غيرها نظام الأسد سابقا.