آخر الأخبار

هل يصبح الذهب طوق نجاة لاقتصاد السودان؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

الخرطوم – تحركت حكومة السودان للهيمنة على قطاع الذهب إثر تدهور متسارع لسعر صرف الجنيه وارتفاع تصاعد أسعار السلع والخدمات، وتبنت إجراءات مشددة بشأن تملكه وتخزينه وتصديره، لكن تلك الإجراءات لم تنعكس على الواقع الاقتصادي بعد.

يعتقد مراقبون أن زيادة إنتاج الذهب -رغم تهريب أكثر من نصف المنتج إلى الخارج- يمكن أن تكون طوق نجاة لاقتصاد البلاد الذي أنهكته الحرب، كما حدث عقب انفصال جنوب السودان قبل 14 عاما.

وبعد انفصال جنوب السودان في العام 2011 وفقدان السودان نحو 75% من موارده النفطية، و90% من إيرادات النقد الأجنبي، نشط تعدين الذهب التقليدي الذي استقطب في المرحلة الأولى أكثر من 500 ألف من الأيدي العاملة قبل أن يرتفع إلى مليونين قبل اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023 وتضاعف إلى 4 ملايين بعدها.

لم يقتصر العمل في التعدين على السودانيين، بل صار قبلة للباحثين عن الثروة من تشاد والنيجر ومالي ونيجيريا وأفريقيا الوسطى والكاميرون وأثيوبيا و الصومال وأريتريا، كما ترتبط بأسواق الذهب وسط مواقع الإنتاج عشرات المهن والأنشطة التجارية.

يعمل غالبية المُعدنين بأجر في استخراج حجارة سطحية تحتوي على بضعة غرامات من الذهب يتم طحنها واستخراج المعدن منها، بواسطة أجهزة تشير إلى أماكن وجود المعدن.

ورغم إسهام التعدين التقليدي في تغيير حياة ملايين الناس وتحسين مستويات دخلهم، فإنه أضر بآخرين، إذ ترتفع معدلات الوفيات في حوادث انهيار آبار (تحتوي على حجارة تحمل المعدن) وغيرها من الحوادث المرتبطة بانعدام وسائل السلامة في مواقع التعدين.

وتشكل أنشطة التعدين خطرا بيئيا على سكان المناطق التي تمارس فيها هذه الأنشطة، إذ كشف تقرير صادر عن مجموعة من الباحثين السودانيين عن انتشار نحو 450 ألف طن من مخلفات تعدين الذهب المليئة بالزئبق والمواد الضارة الأخرى، في ولاية نهر النيل وهي أكبر ولاية في إنتاج الذهب، غير أن شركة الموارد المعدنية فرضت ضوابط صارمة لاستخدام المواد الكيماوية في استخلاص المعدن للحد من آثارها السلبية على البيئة.

إعلان

وحسب وزارة المعادن، ينتشر قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في 14 ولاية سودانية من إجمالي 18 ولاية، إلا أن النشاط يقتصر على 7 ولايات بسبب ظروف الحرب، وينتج النشاط المحلي نحو 80% من إجمالي إنتاج البلد في حين تنتج شركات الامتياز ما تبقى.

وعزت شركة الموارد المعدنية، الذراع الرقابية لوزارة المعادن، ارتفاع عدد العاملين في التعدين التقليدي وتصاعد إنتاج الذهب إلى الحرب التي أدت إلى توقف كثير من الأعمال العامة والخاصة والنشاط غير المنظم، مما أدى إلى توجه الأيدي العاملة إلى التعدين، فضلا عن دخول رؤوس أموال كبيرة إلى التعدين بعدما عطّلت الحرب نشاط أصحابها الذين كانوا يستثمرون في مجالات مختلفة.

مصدر الصورة عمليات تعدين بدائية للذهب في السودان (شترستوك)

معدلات الإنتاج

وصل إنتاج السودان من الذهب إلى ذروته عام 2017 بواقع 107 أطنان، وفق تقرير بنك السودان المركزي، ثم تراجع إلى 41.8 طنا في العام الذي يليه، وتدهور الإنتاج عام 2023 الذي اندلعت فيه الحرب إلى 6.4 أطنان.

وتجاوز إنتاج الذهب 64 طنا في عام 2024، وفاق 37 طنا في النصف الأول من العام الجاري.

ويوضح البنك المركزي أن الذهب يتصدر قائمة صادرات السودان غير البترولية مستحوذا على 46.3% من إجماليها بواقع 2.02 مليار دولار.

وبلغ إجمالي صادرات السودان غير البترولية 4.35 مليارات دولار في عام 2022.

وحسب بيانات وزارة المعادن التي اطّلعت عليها الجزيرة نت، فإن عدد الشركات المسجلة للعمل في التعدين 162، منها 40 شركة أجنبية، لكن 30 شركة فقط تنتج فعليا، أما في قطاع التعدين الصغير، فيوجد حوالي 220 شركة مسجلة، والمنتج منها لا يتجاوز 70 شركة وتعمل غالب هذه الشركات في معالجة مخلفات التعدين التقليدي لاستخلاص الذهب بأجهزة ومعدات حديثة.

التهريب والتسويق

كشف مدير شركة الموارد المعدنية محمد طاهر عمر للجزيرة نت في وقت سابق عن أن 48% من الذهب المنتج في عام 2024 تم تهريبه، في حين تم تصدير 52% فقط عبر القنوات الرسمية.

وتقدر جهات رسمية وعاملون في تجارة المعدن الأصفر أن الكميات المهربة أكبر من ذلك بكثير، إذ إن أسواقا عدة للتعدين يتم رصد المنتج من خلالها خارج رقابة شركة الموارد وليس لديها معلومات دقيقة عن الكميات المنتجة.

وأكد مسؤول حكومي للجزيرة نت ما كشفته مصادر أمنية ومشترون للذهب في غرب السودان عن أن غالب المنتج من الذهب في ولايات دارفور وكردفان (من 8 ولايات) خارج سيطرة الدولة حاليا.

ويشتري أغلب المنتج في تلك الولايات رجال أعمال مرتبطون بقوات الدعم السريع ويهربونه عبر دول مجاورة جوا وبرا، إما بالمنافذ البرية التي لا تسيطر عليها الحكومة وإما مهابط تستخدمها طائرات صغيرة.

وفي ولاية جنوب كردفان تهيمن على معظم المنتج (الحركة الشعبية – شمال) بقيادة عبد العزيز الحلو وتنقله جوا إلى جوبا عاصمة دولة جنوب السودان من 3 محليات تسيطر عليها هي: البرام وأم دورين وهيبان.

وإثر تدهور سعر صرف العملة الوطنية (الجنيه) في مقابل العملات الأجنبية في الأسابيع الماضية نشأت لجنة للطوارئ الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء كامل إدريس، وتبنت في أول اجتماع لها تطبيق القوانين والتشريعات الخاصة بمكافحة التهريب بحيث تعد حيازة أو تخزين الذهب من غير مستندات رسمية جريمة تهريب بغض النظر عن الموقع.

إعلان

وأقرت إخضاع الذهب المنتج للمتابعة الدقيقة حتى تصديره ضمانا لعدم تهريبه عبر قنوات غير مشروعة، وحصر شراء وتسويق الذهب في جهة حكومية واحدة.

جاء قرار إنشاء نافذة موحدة لتصدير الذهب في أعقاب قرار الإمارات بإيقاف صادر الذهب من السودان إلى أسواقها، في ظل التوتر بين الدولتين، وكانت أبو ظبي السوق الرئيسي للذهب السوداني، واتجهت البلاد لفتح أسواق جديدة في سلطنة عمان والسعودية وقطر وتركيا .

من جانبه، وصف رئيس شعبة مصدري الذهب عبد المنعم الصديق قرار الحكومة باحتكار المعدن بأنه كارثي بعد فشل التجربة في عهد الرئيس السابق عمر البشير ثم خلال مرحلة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك قبل التراجع عنها.

ويوضح الصديق للجزيرة نت أن قرار لجنة كامل إدريس ألغى دور المصدرين تماما وصار الذهب يُشترى ويُصدر من قبل بنك السودان المركزي.

مصدر الصورة منجم ذهب في السودان (الجزيرة)

ويرى رئيس شعبة صادر الذهب أن هذه الإجراءات ستكون آثارها وخيمة على الاقتصاد السوداني، وستفاقم من ظاهرة تهريب الذهب بدلا من الحد منها، خصوصا أن الاقتصاد يعتمد بشكل رئيسي على صادرات الذهب لتلبية احتياجات البلاد.

في المقابل، يتوقع الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز نجاح السياسات الاقتصادية التي أعلنت عنها لجنة الطوارئ الاقتصادية لأنها استهدفت السيطرة على حركة وتجارة الذهب وهو أهم مورد اقتصادي للنقد الأجنبي للسودان في الوقت الحالي.

ويقول الخبير للجزيرة نت إن 50% من الذهب المنتج بالسودان يخرج منه عن طريق التهريب، وبالرغم من هذا ساهم بنسبة 48% من عائدات الصادرات بقيمة تجاوزت ملياري دولار في العام.

ويعتقد أن ما سيطبق هذه المرة مختلف عن المرات السابقة في ظل حكومة موحدة قادرة على تنفيذ قراراتها، كما أن 80% من الذهب ينتج حاليا في 3 ولايات هي البحر الأحمر ونهر النيل والشمالية، مما يسهل الحد من تهريبه بالوسائل الأمنية.

وحسب الخبير الاقتصادي فإن الأهم من ذلك هو الحد من التهريب بالسياسات الاقتصادية عن طريق منح منتجي الذهب استحقاقاتهم المالية بالسعر الحقيقي، حسب البورصات العالمية، وبسعر صرف الدولار بالسوق الموازي في داخل السودان، وبذلك تكون المخاطرة بالتهريب لا معنى لها ما دام المنتج أو التاجر سيجد السعر المجزئ في مراكز ونقاط استلام الذهب التي سيتم إنشاؤها.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا