آخر الأخبار

اعتذار الدنمارك لنساء غرينلاند: ما قصة فضيحة تحديد النسل القسري ومعانيها؟

شارك
مصدر الصورة

قدّمت رئيسة وزراء الدنمارك اعتذاراً رسمياً للنساء المتضررات من حملة تحديد نسل قسري شهدتها مقاطعة غرينلاند في ستينيات القرن الماضي.

وجاء الاعتذار بعد أكثر من عامين على اتفاق مشترك بين غرينلاند والدنمارك للتحقيق في القضية، وبعد سنوات من مطالبات متكررة من الضحايا بإنصافهن.

فبين عامي 1960 و1970، زرعت أجهزة منع الحمل المعروفة باللولب في أرحام آلاف النساء والفتيات من السكان الأصليين في غرينلاند، وغالباً من دون موافقتهن.

خلص تحقيق رسمي في بداية هذا الشهر إلى أنّ ما لا يقلّ عن أربعة آلاف امرأة وفتاة خضعن لعمليات ضمن حملة تحديد النسل حتى عام 1970، أي ما يعادل نحو نصف سكان غرينلاند من النساء في ذلك الوقت.

وفحصت لجنة التحقيق أكثر من 300 حالة لفتيات لم تتجاوز أعمار بعضهن 12 عاماً، دون موافقتهن أو علمهن.

ورأى المؤرّخ في جامعة كوبنهاغن، سورين رود، في حديث لبي بي سي عام 2022، تزامناً مع انطلاق التحقيق، أنّ الهدف من زرع اللولب كان مالياً، بعد تزايد عدد السكان في غرينلاند وما تبعه من ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية.

وأضاف أن جزءاً من الدافع لتحديد النسل كان "استعمارياً"، قائلاً: "كان هناك اهتمام واضح بمحاولة الحد من النمو السكاني، لأن ذلك سيقلّل من تحديات توفير خدمات الإسكان والرعاية".

وظلّت غرينلاند مستعمرة حتى صدور الدستور الدنماركي عام 1953 الذي أنهى وضعها الاستعماري وضمّها إلى الدنمارك بصفة مقاطعة.

وحصلت على حق الحكم الذاتي عام 1979، لكن كوبنهاغن استمرت في الإشراف على النظام الصحي في غرينلاند حتى عام 1992.

رئيسة الوزراء للضحايا: "أعتذر عمّا سُلب منكن"

استمعت عشرات النساء المتضرّرات إلى كلمة رئيسة وزراء الدنمارك، ميت فريدريكسن، التي قدّمت اعتذاراً رسمياً في قاعة مكتظة داخل العاصمة نوك في مقاطعة غرينلاند يوم الأربعاء 24 سبتمبر/أيلول.

وقالت فريدريكسن للحضور: "اليوم لا يسعنا إلا أن نقول كلمة واحدة صحيحة: آسفة". وأضافت: "أعتذر عن الظلم الذي ارتكب بحقكن لأنكن من سكان غرينلاند. أعتذر عمّا سلب منكن. وأعتذر عن الألم الذي سببه ذلك. نيابة عن الدنمارك، أعتذر".

وخلال الكلمة، وقفت إحدى نساء الأنويت (السكان الأصليين) تحمل على فمها رسماً لكفّ سوداء وأدارت ظهرها لرئيسة الوزراء احتجاجاً.

وأقرّت فريدريكسن بالمعاناة الطويلة التي خلّفتها تلك العمليات، سواء من صدمات نفسية ممتدة أو مضاعفات جسدية أدت في كثير من الحالات إلى العقم.

وفي ختام كلمتها، تقدمت باكية برفقة رئيس حكومة غرينلاند لمعانقة النساء المتضررات.

وقالت نايا ليبرث، إحدى الضحايا، لبي بي سي: "إن أردنا أن نمضي قدماً، فالاعتذار خطوة بالغة الأهمية".

مصدر الصورة

بينما رأت ضحية أخرى تدعى إليزا كريستانسن إنّ الاعتذار لم يشمل أبداً كلمة تعويض، "نحن حزينات لذلك، كأنها كلمات فارغة" وفق ما قات لبي بي سي. ووصفت كريستانسن كلمة رئيسة الحكومة التي اعتذرت خلالها بأنها "عاطفية للغاية".

وتقدمت مجموعة من 143 امرأة بشكوى قانونية للمطالبة بالتعويض.

وقبل إلقاء بيان الاعتذار الرسمي بأيام قليلة، أصدرت رئيسة الوزراء ميت فريدريكسن بياناً كشف عن خطط لأنشاء "صندوق مصالحة مالي"، دون ذكر عدد النساء المتضررات اللاتي سيستفدن من الصندوق، ولا موعد إنشائه.

وأشار بيان رئاسة الحكومة إلى نية صرف تعويضات للنساء الأخريات من غرينلاند "اللاتي تعرضن للفشل والتمييز المنهجي" دون ذكر تفاصيل أخرى.

معاناة طويلة

تحدثت نايا ليبرث إلى بي بي سي عام 2022 عند خروج القضية إلى العلن مع انطلاق عمل لجنة التحقيق.

وروت نايا التي تعتقد أنها كانت تبلغ من العمر حينها 13 عاماً، إنّ طبيباً قال لها أن تذهب إلى المستشفى المحلي لزرع لولب بعد الفحص الطبي الروتيني في المدرسة، في سبعينيات القرن الماضي.

كانت تعيش في ذلك الوقت في مانيتسوك، وهي بلدة صغيرة على الساحل الغربي لغرينلاند.

قالت لبي بي سي: "لم أكن أعرف حقاً ما هو اللولب ذلك لأن الطبيب لم يشرح لي الأمر أو يحصل على إذني".

"وأضافت كنت خائفة ولم أستطع إخبار والدي، لقد كنت عذراء ولم أقم حتى بتقبيل صبي".

تبلغ نايا اليوم نحو 62 عاماً. وهي رحّبت منذ يومين بالاعتذار الرسمي الصادر عن الدانمارك، لكنها انتقدت التحقيق بسبب عدم التوسع للبحث في انتهاكات ضدّ حقوق الإنسان وفق ما ذكرت لبي بي سي.

وأطلقت نايا في السابق، صفحة على فيسبوك للسماح للنساء بمشاركة خبراتهن المشتركة ومساعدة بعضهن البعض في التعامل مع الصدمة، وانضمت أكثر من 70 امرأة للمجموعة.

حدثت بي بي سي عام 2022 إلى أرنانغوك بولسن، التي كانت في السادسة عشرة من عمرها حين خضعت لعملية زراعة لولب في الدنمارك، أثناء دراستها في مدرسة داخلية عام 1974. وروت أنها عاشت آلاماً ومعاناة متواصلة قبل أن تزيل اللولب بعد عام لدى عودتها إلى غرينلاند. وقالت: "لم يسألوني قبل الإجراء، ولم تكن لدي أي فكرة عمّا يحدث أو ما هو اللولب".

كما وصفت كيرستين بيرتيلسن، في حديث إلى وكالة أسوشيتد برس، كيف استُدعيت إلى المستشفى وهي في الرابعة عشرة من عمرها من دون معرفة السبب، وما تتذكره بعد ذلك هو "ألم بلا نهاية".

وأشارت وكالة أسوشيتد برس في تقريرها بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول إلى أنّ سياسات الدنمارك التي امتدت لقرون في غرينلاند شملت فصل أطفال السكان الأصليين عن عائلاتهم بهدف "إعادة تأهيلهم" وإجراء "اختبارات كفاءة أبوية" مثيرة للجدل. وأضافت الوكالة أنّ هذه السياسات تسببت في "فصل قسري" بين أسر غرينلاند.

توقيت الاعتذار وطموحات دونالد ترامب

وذكرت وكالة أسوشيتد برس أنّ الاعتذار جاء في "وقت صعب"، إذ يحاول دونالد ترامب استغلال الخلافات بين غرينلاند والدنمارك لبسط النفوذ الأميركي في الجزيرة.

وأضافت الوكالة أنّ الدنمارك سعت في الفترة الأخيرة إلى تهدئة دعوات الاستقلال في غرينلاند، لكن "الانتهاكات التاريخية التي ارتكبتها القوة الاستعمارية السابقة أعاقت جهودها للتقارب".

وكان الطرفان قد قدّما الشهر الماضي اعتذارات عن دورهما في إساءة معاملة النساء والفتيات، قبل صدور التقرير المستقل حول تلك الانتهاكات.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا