آخر الأخبار

هل استغل نتنياهو وبوتين فرصة إدارة ترامب لتعزيز نفوذهما؟

شارك
أرشيفية للرئيس الأميركي دونالد ترامب

في عالم يزدحم بالنزاعات، وتتشكل فيه موازين القوى على وقع الأزمات، جاءت عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لترسم مشهداً متناقضاً. شعار "أميركا أولاً" لم يعد مجرد خطاب انتخابي، بل تحوّل إلى عقيدة سياسية تتجاهل التحالفات التقليدية وتضع المصالح الأميركية الآنية فوق أي اعتبار.

هذه المقاربة منحت خصوم واشنطن مساحة للتحرك، وأتاحت لحلفاء مثل إسرائيل هامشاً واسعاً لفرض وقائع ميدانية، بينما وجدت روسيا في التراخي الأميركي فرصة لتمديد نفوذها في أوروبا الشرقية.

فمن الغارات الإسرائيلية على الدوحة، إلى اختراق المسيرات الروسية أجواء بولندا و رومانيا، مروراً بالرسوم الجمركية القاسية على الهند، يظهر أن السياسة الأميركية تعيش لحظة تردد وتناقض.

هنا يطرح السؤال: هل استغل قادة مثل بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين هذه المرحلة لإعادة صياغة مواقعهم في النظام الدولي؟

إسرائيل.. إطلاق اليد وسط الحرج الأميركي

في خطوة غير مسبوقة، نفذت إسرائيل غارة جوية على العاصمة القطرية الدوحة استهدفت قيادات من حركة حماس، رغم أن قطر تُعدّ شريكاً استراتيجياً لواشنطن وتستضيف أكبر قواعدها العسكرية في المنطقة.

هذا التحرك مثّل اختباراً قاسياً لإدارة ترامب، التي وجدت نفسها أمام معضلة: إدانة الحليف الإسرائيلي أم الدفاع عن المصالح الاستراتيجية مع قطر.

ترامب انتقد الغارة علناً، لكن وزير خارجيته ماركو روبيو سارع من تل أبيب إلى التأكيد أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية "لن تتأثر".

هذه المفارقة بين الخطاب العلني والسياسة الفعلية عكست حالة من التردد في البيت الأبيض، وأرسلت إشارة واضحة لنتنياهو: يمكن لإسرائيل أن تتصرف بحرية، دون أن تخشى من ضغوط أميركية جدية.

هذه المعادلة عززت قناعة تل أبيب بأن اللحظة مؤاتية لتكريس حضورها كقوة إقليمية منفلتة من القيود التقليدية، وهو ما يفسر تصعيدها العسكري في أكثر من ساحة، من غزة إلى لبنان وحتى قطر.

روسيا: اختبارات محسوبة على حدود الناتو

على الجبهة الأوروبية، اختبرت موسكو يقظة الحلف الأطلسي من خلال خروق متكررة لأجواء دوله الشرقية. رومانيا وبولندا أعلنتا عن اختراق نحو عشرين مسيرة روسية لمجالهما الجوي.

ردود الفعل الأوروبية كانت غاضبة، لكن موقف ترامب بدا باهتاً، مكتفياً بالقول إن ما جرى ربما كان "خطأ غير متعمد" من موسكو.

هذا الرد الضعيف أثار تساؤلات حول مدى التزام واشنطن بالدفاع عن حلفائها في الناتو. بالنسبة لبوتين، مثل هذا الموقف ضوءاً أخضر لمواصلة اختبار حدود التحمل الغربي.

فغياب الردع الأميركي الصارم سمح للكرملين بأن يعيد رسم خرائط النفوذ، وأن يثبت حضوره العسكري والسياسي في أوروبا الشرقية، من دون الخشية من مواجهة مباشرة مع واشنطن.

ترامب والاقتصاد.. حرب تجارية تعزل الحلفاء

لم يقتصر ارتباك السياسة الأميركية على الملفات الأمنية والعسكرية، بل شمل أيضا الجانب الاقتصادي. فترامب فرض رسوما جمركية قاسية على الهند بسبب استمرارها في شراء النفط الروسي، في خطوة عقابية أربكت العلاقات مع شريك استراتيجي تقليدي.

كذلك طالت الإجراءات كوريا الجنوبية، حيث تم توقيف مئات من رعاياها في حملات أمنية أعادتهم إلى بلادهم.

هذه السياسات كشفت عن نهج يفتقر إلى التنسيق، ويُربك الحلفاء أكثر مما يردع الخصوم. فبدلاً من تشكيل جبهة موحدة لمواجهة صعود الصين أو تمدد روسيا، وجدت دول عدة نفسها في مواجهة مباشرة مع واشنطن نفسها.

هذا ما وصفه الباحث سمير التقي بأنه "تفكيك للمنظومة الاقتصادية" التي لطالما اعتمدت على تماسك التحالفات.

أميركا بلا خطة

في حديثه إلى برنامج "التاسعة" على سكاي نيوز عربية، قدّم الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن سمير التقي رؤية نقدية حادة لأداء ترامب.

برأيه، يعرف الرئيس الأميركي ما يريد: أن تكون أميركا كبيرة وقوية. لكنه "لا يعرف الطريق" لتحقيق ذلك. التهديدات التي أطلقها لم تُرعب العالم، بل قوبلت باستعراضات مضادة، كما فعلت الصين في بكين.

الأهم، وفق التقي، أن ترامب يعاقب الحلفاء بدل أن يحشدهم. العقوبات على البرازيل مثال صارخ، إذ دفعت هذا البلد إلى تعميق شراكته الاقتصادية مع الصين، بينما خسر المزارعون الأميركيون في إنديانا وغيرها أسواقاً بمليارات الدولارات. والنتيجة: تفكك سلاسل الإنتاج العالمية التي يقوم عليها الاقتصاد الصناعي الأميركي.

يضيف التقي أن ترامب يفتقد خطة متماسكة للتحالفات. فإذا كان الهدف هو مواجهة الصين، فمن المنطقي أن يتحالف مع أوروبا وأميركا اللاتينية.

لكن الواقع أن سياساته تدفع هذه الأطراف إلى البحث عن بدائل، وهو ما يعني أن العالم بدأ يتعوّد على "فطام" نفسه عن الاعتماد على الولايات المتحدة.

أوروبا.. مسار الفطام عن واشنطن

أحد أبرز ملامح المرحلة، كما يوضح التقي، هو سعي أوروبا المتسارع للاستقلال عن المظلة الأميركية. فبعد عقود من الاعتماد على واشنطن كضامن للأمن، بدأت العواصم الأوروبية تتجه نحو بناء قدرات ذاتية وتشكيل تحالفات إقليمية.

هذا المسار يعكس إدراكاً متزايداً بأن الولايات المتحدة لم تعد شريكاً يمكن الوثوق باستقراره أو التزامه.

من الشرق الأوسط إلى بحر الصين الجنوبي، تتكرر المعادلة ذاتها: فراغ أميركي يؤدي إلى اختلالات إقليمية، ويمنح قوى مثل إسرائيل وروسيا مجالاً أوسع للمناورة.

التوازنات لم تعد دولية بقدر ما أصبحت محلية أو إقليمية، حيث يسعى كل طرف إلى حماية نفسه بعيداً عن المظلة الأميركية التقليدية.

واشنطن من الداخل.. تناقضات وتصدعات

الارتباك في السياسة الخارجية ترافق مع انقسامات داخلية في واشنطن. "الدولة العميقة"، كما يسميها التقي، تعيش حالة مخاض.

القاعدة الشعبية لترامب (المعروفة بالـ"ماغا") بدأت تبتعد عنه بفعل قضايا مثل فضيحة إبشتاين. قطاع التكنولوجيا بدوره يظهر تذمراً متزايداً، فيما تحاول المؤسسات التقليدية إعادة فرض التوازن في صناعة القرار.

هذا الوضع انعكس على السياسة الخارجية: وزير الخارجية ماركو روبيو بدا غائباً عن الصورة في القضايا الاستراتيجية، ما يعكس حجم التناقضات داخل الإدارة. والنتيجة: سياسة خارجية مرتبكة، تمنح خصوم واشنطن شعوراً بأن "القط الكبير قد غاب"، على حد وصف التقي.

نتنياهو وبوتين.. انتهازية سياسية في غياب الردع

في ظل هذه الظروف، تحرك نتنياهو وبوتين بمرونة أكبر. إسرائيل كثفت غاراتها وتوسعت في فرض وقائع ميدانية، مستفيدة من الغطاء الأميركي غير المباشر. أما روسيا، فواصلت تحدي الناتو باختبارات محسوبة، من دون أن تواجه ردوداً أميركية حاسمة.

هذا السلوك يعكس إدراكاً عميقاً من قادة مثل بوتين ونتنياهو بأن إدارة ترامب تفتقر إلى الاستراتيجية الطويلة المدى. وبالتالي، فإن اللحظة مثالية لتعزيز النفوذ وإعادة تشكيل موازين القوى بما يخدم مصالحهم، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من الفوضى العالمية.

عالم متعدد الأقطاب.. لكن أكثر فوضوية

يخلص التقي إلى أن العالم أصبح متعدد الأقطاب، سواء أراد ترامب ذلك أم لا. صورة الولايات المتحدة باتت مرتبطة بالتناقضات: "تكسر الكلام ولا تنفذ". الإدارة الأميركية تتحدث عبر تويتر، بينما تشهد وزارة الخارجية شللا كاملاً. هذا الوضع يقوّض قدرة واشنطن على إدارة أزمات معقدة كالحرب في أوكرانيا أو التوترات في بحر الصين.

النتيجة: انهيار تدريجي لمنظومة القانون الدولي، وتحولات إقليمية تضعف موقع الولايات المتحدة كقوة ضابطة. فبدلا من نظام عالمي تقوده واشنطن، نشهد فسيفساء من التوازنات الإقليمية، حيث يتحرك كل طرف لتعزيز موقعه في ظل الغياب الأميركي.

هل تظل واشنطن قوة ضامنة؟

السؤال الأبرز اليوم: هل ما زالت الولايات المتحدة قادرة على لعب دور القوة الضامنة للاستقرار العالمي؟ الواقع يشير إلى العكس.

فارتباك إدارة ترامب، وتناقضاتها الداخلية، وانسحابها من التزاماتها التقليدية، كلها عوامل سمحت لقادة مثل نتنياهو وبوتين باستغلال اللحظة لتعزيز نفوذهم.

لكن الثمن قد يكون باهظاً. إذ أن تراجع الثقة بالولايات المتحدة لا يعني فقط فوضى سياسية وعسكرية، بل يحمل أيضاً انعكاسات اقتصادية خطيرة على الداخل الأميركي نفسه. في نهاية المطاف، قد تجد واشنطن أن سياسة "أميركا أولاً" انتهت إلى عزلها، فيما الآخرون يبنون تحالفات بديلة تعيد تشكيل النظام الدولي على أسس جديدة.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا